آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » عماد يوسف: الوجه الآخر لأمريكا.. والتجربة السورية

عماد يوسف: الوجه الآخر لأمريكا.. والتجربة السورية

عماد يوسف

اعتاد العربُ على التعاطي مع أمريكا كالعبد الذي ينتظر رحمة سيّده وغفرانه. يطيب للبعض أن يرى في امريكا مربط خيله وأمّه الحنون، كما كان اللبنانيون يرون في فرنسا في حقباتٍ سابقة. مع تمسكّهم بهشاشة أنظمتهم السياسية والعسكرية، والاقتصادية. والتي تفرض، بالضرورة في عالم اليوم التبعيّة، ليس فقط لأمريكا بل لأي قوة عسكرية كبيرة، أو اقتصادية عملاقة.

بعض الحكام العرب يرى أن أمريكا يجب أن تقف على مسافة واحدة من إسرائيل والعرب، أمّا بعض النُخب العربية المثقفة فيطالب أمريكا بأن تساهم بشكل فعلي وجدّي في حل قضايا الأمة العربية الداخلية المتعلقة بالتنمية، والحداثة، والأنظمة السياسية التي تقوم على العدالة والحريات والقانون، والديمقراطية وغيرها من مصطلحات. ومن المفارقات التاريخية الكبرى، رهان العرب وانتظارهم للانتخابات الأمريكية أكثر من رهانهم وانتظارهم لانتخابات بلدانهم. فلماذا على أمريكا أن تفعل ذلك ولا يفعله العرب أنفسهم، لأنفسهم؟!!

إن قصور الرؤية السياسية وسذاجتها، وضعف العرب وسذاجتهم الممزوجة بالتخلّف، و ديكتاتورية أنظمتها، هما ما جعل أمريكا تنظر إلى العرب بمنظور الدونيّة والتبعيّة وتتِّبِع تلك السياسات العمياء المنحازة لإسرائيل. والدليل في ذلك هو التعاطي الأمريكي مع العرب في حقبة السبعينيات من القرن الماضي؟!

رئيسان راحلان فقط، أتقنوا التعامل مع أمريكا بمقتضى المصالح شبه الندّية، حافظ الأسد وأنور السادات، ولو اختلف النهج والتوّجه بين الاثنين، ولكن استطاع كل منهما، في زمنٍ ما، أن يفرض معادلة توازن حقيقية في طبيعة العلاقة بين دولة وأخرى، حتى لو كانت دولة عظمى كأمريكا. وبرغم انتماء الرئيسين إلى حزب اشتراكي ( حزب البعث العربي الاشتراكي، وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي) وأمريكا دولة رأسمالية، إلاّ أنهما استطاعا التحكم بطبيعة العلاقة البينية معها، وفرضا الخارطة الجيوسياسية للمنطقة منذ بداية حقبة السبعينيات بُعيد حرب 6تشرين ( أكتوبر) 1973 . استطاع الرئيس حافظ الأسد أن يمتلك مفاتيح المنطقة، ويُرضي الاتحاد السوفييتي حليفه الأول، ولا يُغضب أميركا واستقر نظامه على مدى ثلاثين عاماً بدون المساس بالتوازنات الاقليمية والدولية في المنطقة، وهو كان يمثل دولة مفتاحية. وكان يُحابي السعودية ويرسم خطوطاً استراتيجة مع ايران، ويفعل ما يشاء في نهاية الأمر، والجميع يرضى. وهذا بعكس بعض السلوكيات السياسية المراهقة الرعناء لرؤساء عرب آخرين، ككارثة غزو الكويت مثلاً من قبل صدام حسين في  آب (أغسطس 1990.بينما دخل الرئيس الراحل حافظ الأسد لبنان في كانون الثاني (يناير) 1976، بمباركة وموافقة عربية، ودولية، وأمريكية..!!

كلا الرئيسين ذهب في اتجاه مع المتابعة في انجاز بناء دولة لها حضورها الاقليمي الذي لا يمكن إغفاله. لكن السادات فضّل المضي بانفتاح واسع، فتصالح مع إسرائيل ووقع اتفاقية كامب ديفيد في17 ديسمبر 1978، وألحقها باتفاقية سلام عام 1979، فكان خياره مفتوحاً على احتمالات كثيرة، بما فيها مسألة اغتياله. أما حافظ الأسد ، فذهب بالاتجاه المعاكس، راهن فيه على الزمن، والمتغيّرات الاقليمية والدولية، و على مشروع قومي ووطني يقف في وجه المشروع الصهيوني، ليترك الصراع مفتوحاً لعقودٍ قادمة. لكن رياح التغيير الدولية، بعد عقدٍ من الزمان، جاءت بعكس ما تمنّاه و انتظره الأسد.

لقد أتقن الكثير من الحكام العرب كل شيء، القمع، الفساد، استباحة أوطانهم، والتشبث بالكرسي إلى الأبد، إلا مفاهيم الدولة الحديثة لم يتقنوها، ولم تعنِ لهم شيئاً، ولم يتقنوا لغة المصالح السياسية مع دولة مثل أمريكا. وإن كانت هناك علاقات ومصالح فهي كانت تتصف إمّا بالتبعيّة المطلقة، أو بالدونية المُفرطة، ولم يصل العرب يوماً إلى التعاطي مع أمريكا بلغة المصالح السياسية الندّية التي تحكمها قوانين العلاقات الدولية، كما تحكم الندّية الكاملة علاقة إسرائيل بأمريكا..!!

نعَم إن أمريكا دولة، وليست جمعية خيرية، وقيمة عملتها تتحكم حتى بسعر سندويشة الفلافل (الطعمية) الشعبية في العالم العربي. و الدولار الأمريكي يحدد قيمة بترولنا وطعامنا وزراعاتنا ومصانعنا وأدويتنا، وميزانيات دولنا. أمريكا دولة مؤسسات وديمقراطية وحريات و صناعات عملاقة وفضاء. ونحن أشباه دول، وبلدان زراعية وقبلية، وبدوية وطائفية وعشائرية، وأديان وإثنيات متصارعة، متحاربة ومتنافرة. نحن بلدان نصنّع العلكة بكل أنواعها، ولكن حتى العلكة لا تنافس العلكة الأمريكية أو الأوروبية بجودتها. حتى نفهم أمريكا يجب أن نتساوى معها كدول، فتكون دولة مقابل دولة، ونظام سياسي مقابل نظام سياسي آخر. أمريكا تحكمها الرأسمالية المتوحشة، وهذه الرأسمالية تحكم الصين أيضاً، وصارت تحكم روسيا، وهي نظام اقتصادي قائم بنظرياته ومبادئه وقوانين السوق والعرض والطلب والاحتكار والسلعة وفائض القيمة وغيرها من قوانين اقتصادية. وقد تعمّم هذا النظام في العالم أجمع، بينما في بلدان العرب ليس هناك سوى أنظمة الاحتكار الرأسمالي، ورجالات السلطة، وسماسرتها، وأموال الفساد المنهوبة من قوت الشعب التي يقوم رأسماليون طفيليون جهلة بتبييضها في مشاريع وهمية، أقصاها معامل علكة وصابون واسثمارات عقارية واسعة. هكذا اشكال اقتصادية طفيلية يحكمها اقتصاد الظل والرشوة والفساد، لا يمكن أن تتوافق مع نظام اقتصادي آخر، فالقوانين التي تحكم كلا الحالتين متناقضة.

أمريكا دولة مؤسسات، ونحن دول رمال، في أمريكا الجميع يشارك في عملية إعادة انتاج الشأن العام بشكل دوري(أحزاب وشعب ومجتمع واتحادات ونقابات ومؤسسات). أمّا في العالم العربي، الحاكم هو الواحد الأحد الذي يُغيّر ويُبدّل ويقرر ويُلغي ويمنع ويسمح ويُعيّن و يُسمّي، ويمنح الهبات والعطايا وهو الذي لا ردَّ له، ولا كلمة فوق كلمته، والأجهزة والمؤسسات والمجتمع والنقابات والاتحادات(إن وِجِدَتْ) تُذعن..!!!

ليس الدين هو ما يحكم علاقة إسرائيل بأمريكا أيها السادة، وليس المال ولا القرابة هي ما يحكم علاقة إسرائيل بأمريكا كما يحلو للبعض التوصيف. ما يحكمها هي علاقة مصالح من الدرجة الأولى بدأتها إسرائيل بعد نكبة فلسطين الكارثية الحزينة، واستمرت. ساعة كان ومايزال، العرب غافلون عن أوطانهم ودورهم في الحضارة الإنسانية المعاصرة، التي غابوا عنها وهم في سبات ٍ عميق، فهل هناك أمل بان يصحوا منه بعد الآن …!!!

 

كاتب وصحفي ومحلل سياسي سوري

(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم14-2-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

4 خيارات “انتحارية” أمام نتنياهو في غزة

الدكتور خيام الزعبي إذا كان هناك من قراءة لتداعيات ما يحدث في غزة، فهو عجز وفشل المشروع الإسرائيلي المزعوم في المنطقة، وأمام تفجر الوضع في ...