الرئيسية » كتاب وآراء » ليبرالية متوحشة أم توحش الليبرالية؟

ليبرالية متوحشة أم توحش الليبرالية؟

د. سنان علي ديب  2020/12/31

من أهم المصطلحات المنتشرة بعد انتهاء الحرب الباردة كان مصطلح الليبرالية والذي حاول البعض كأدوات للمجتمع الإمبريالي الساعي لقيادة العالم عبر تفوقه وإعادته السيطرة والاستعلاء والاستلاب والاستعباد بنموذج السادة القلة والعبيد وبأي وسيلة كانت ولتترافق النيات بمصطلحات رنانة ملطفة وجاعلة الكف يأتي على الوجه بهدوء كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تعمل القوى المسيطرة لتعميمها وعولمتها لتسود العالم, وللأسف فإن التخلف والقصور الفكري جعلا فئاتٍ هوايتها العوم والطفو الاجتماعي ولو على حساب مصلحة وخصوصية الأوطان وحقوق المواطن والإنسان, تتبنى هذه المصطلحات والأفكار التي لا تعرف معناها وأبعادها وبنيتها أو لا يهمها مفعولها ولكنها تتباهى بها وتروج لها كنوع من التمايز، ونحن هنا لسنا بصدد الصراع الإيديولوجي في بدايات القرن الماضي وصولاً إلى أواخره بين الأفكار الاشتراكية والرأسمالية، فالأفكار الاشتراكية والتي سعت لجعلها أممية الانتشار خدمت الإنسانية باتجاهين: الأول اتجاه من تبنى الأفكار وناضل لتطبيقها، لتتغير البنى الاجتماعية، ونال هذا الفكر الشعبية العظمى لأنه عالج أمراضهم الاقتصادية والاجتماعية وطبق العدالة الاجتماعية بأوسع أبوابها، عن طريق دحر الفقر والعوز، وتحسين المؤشرات التنموية بكل أنواعها: الصحية، التعليمية، الصحة الإنجابية ومواجهة الأمراض المستعصية. وتحول أغلب من كانوا يعتبرون أدوات وعدداً إلى طاقات فاعلة منتجة، وحرّر العقول فانضمّت النساء إلى قوة العمل والقرار، وحرّر أغلب البلدان وقوّى صلابتها وقرارها. والاتجاه الثاني فرض على المعسكر الآخر تطبيق هذه التغيرات على بلدانهم، لتقويتها ومنع التناقضات العاصفة، ولتكون هذه الدول التي تدّعي الرأسمالية اشتراكية التطبيق المحلي، وإمبريالية النظرة إلى الآخرين.
وبعد حين، وبعد استخدام كل أنواع الأسلحة لتدمير المنجزات وفرض برامج قاتلة لتحطيم داخلي للدول المنتعشة والصلبة، والغاية هي استمرار التفوق للقادة الجدد للعالم، وكل ذلك تحت مسمى الليبرالية المستثمرة المثلى للطاقات الإنتاجية وهي بالمحصلة توحش إمبريالي مالي ضد الأنسنة وضد العدالة وضد حقوق الإنسان، وسخر لتسويق هذه البرامج كل الشخوص والأدوات البائعة لبلدانها والمرتبطة بالقوى القائدة الجديدة، وكذلك قوض عمل المؤسسات الدولية، من بنك دولي وصندوق نقد وأمم متحدة، لفرض البرامج والرؤى المدمرة، عبر تبريرات وفرض بقوة السلاح أحياناً، لجعل هذه البرامج المفخخة تنفَّذ في بلدان لا تناسب بناها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وتنفجر هذه الأفخاخ بالبلدان التي تبنّت ما سمِّي بالليبرالية، وفي الواقع، ما طبِّق لا علاقة له بالليبرالية، التي تعني الحرية. فلا (دعه يعمل، دعه يمرّ!)، ولا السوق تنظم نفسها، وإنما تقليص دور الحكومات، وتركيز الاستثمارات بأيدي أشخاص عرّابين مروّجين للمشروع، وأي ليبرالية تُفرض من دول لا تسمح بالجو الديمقراطي لأي دولة كانوا ينظرون إليها في معسكر العدالة الاجتماعية.
إذاً، ما سموه الليبرالية ظهرت آثاره المتمثلة بتقويض الدول وتهشيمها وتدميرها لتهيئة الاحتلالات بالوكالة، ولتكون هذه الوصفات هي الأسلوب الجديد لاحتلال العالم عبر قيادة ما يسمى العالم المتحضر اللاإنساني، نبع الفساد والإفساد والقتل. ويأتي الوقت الذي تتضح فيه تمثيلية الليبرالية، عبر فرض الرسوم والعقوبات والضرائب، لتقييد حرية البضائع والسلع، ولجعل المعادلة هي الكسب الدائم للقائد العالمي الجديد، وخاصة في وجه الصين وروسيا وأوربا. فالقيادة الجديدة لا تفهم أي لغة إلا الإذعان وقبول الإملاءات وتشرذم الآخرين بيئة صالحة لاستمرار التفرد بالقيادة، ولكن حربهم الاقتصادية الجديدة اصطدمت باقتصاد صيني لم يفرّط لا بمؤسساته ولا ببنوكه، واستطاع، عبر ما سمي اقتصاد السوق الاجتماعي وتملّك الدولة لأغلب البنى الاقتصادية، مواجهة الغول الجديد الذي فشل بمقارعة المارد، ويستمر الصراع والتحدي الذي لن ينتهي إلا بانتصار الأقوى الذي يحمل مواصفات الإنسانية ويؤمن بها وبالعدالة الاجتماعية وبقبول الآخر والاستثمار بالإنسان كطاقة منتجة إنسانية لا آلة متحركة.
وإن العقل البناء يستنتج أن الإيمان بنصر العدالة الإنسانية والاجتماعية بحاجة إلى مؤشرات وفحواها تعاون القوى الإنسانية لمواجهة الغول المتفوق مرحلياً بالدولار وبالسلاح والاختراقات المشبوهة لأغلب البلدان. وبانتظار ذلك هل يمكن أن تتحول الحرب التنظيرية للصراخ بقيم ومبادئ الحرية والإنسانية والاستقلالية النابعة من انتصار قوى التحرر ومواجهة العبودية؟
ولهؤلاء أي شخص يسترخص نفسه ويبيع قيمه ومبادئه وبلده يحقق مكاسب شخصية، ولكن تحقيق الوطنية بحاجة إلى سلوكيات مختلفة بعيدة عن الغرائزية والفساد.
أي ليبرالية لعالم دنّس الحرية وعاد لمعاملة الآخر بعبودية سوءها فاق ما سطره تاريخنا لسوق النخاسة ؟!

وأي إنسانية لقوى متوحشة جعلت المصطلحات الطنانة غطاء لعدوان متوحش لم ولن يترك إرهاباً إلا واستخدمه لفرض شروطه الجديدة ولتطبيق عنوان من الفوضى يبنى النظام وأي نظام ..نظام الجاهلية الفقر العوز الحاجة الفردية الأنانية الغرائزية القتل الإجرام الحصار العقوبات الاستخدام العنفي المتوحش للاختراعات والتي اخترعت لأنسنة الحياة.

توحش مخيف أرعب البشر وهدم الحجر .

ومهما زينت مصطلحاتهم فالتطبيق المتوحش كشف المستور وفتح القبور.

وأي تطبيق لا يسعى إلى العدالة الإنسانية والاجتماعية وتظهر بمخرجاته فهو من هذا الفصيل.

من يقف ضد التوحش الليبرالي هو الساعي للديمقراطية ولحقوق الإنسان وللحرية المنضبطة وهم المنقذون وليس مدعو الثقافة ومروجو سياسات صورتها نور وفعلها ظلام ودمار واحتلال متعدد الوجوه والأساليب.

(سيرياهوم نيوز-تشرين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سفسطة وجدل بيزنطي!

د. بسام أبو عبد الله   نشأ أيام الإمبراطورية البيزنطية نقاش عبثي يُعرف تاريخياً بالجدل البيزنطي، حيث أدمن مواطنو بيزنطة الجدل اللاهوتي، والنقاش حول طبيعة ...