الرئيسية » يومياً ... 100% » واكتمل المشهد !!

واكتمل المشهد !!

 

د. بسام الخالد

 

آخر عِلمٍ أفهم فيه هو علمُ الاقتصاد، ذلك لأنني لا أمتلك الملايين ولا أعمل في التجارة ولا البورصة ولم أعرْ هذا الجانب أهمية، طوال عمري لأنني، كمواطن، كنت أعيش مستور الحال وأتقاضى ما يكفيني شهرياً لمعيشتي ولو بالحدود الدنيا.

منذ تفاقمت موجة الغلاء المتسارعة بدأتُ التفكير بجدية في الموضوع الاقتصادي، على المستويين الشخصي والجماعي، وشغلتني الأعباء المادية المترتبة على كل السوريين منذ بدء الأزمة وتصاعدها المستمر مع سنوات الحرب إلى أن شهِدَتْ الليرة السورية، في الفترة الأخيرة، انخفاضاً حاداً وسريعاً في قيمتها أمام العملة الصعبة لم تعرفه البلاد من قبل، تجلى في تدهور القوة الشرائية وانعكس على ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد، سواء كانت سلعاً رئيسة أو تكميلية، في وقت لا تزال شرائح كبيرة من الشعب السوري تعمل في وظائف الدولة وتتلقى رواتبها بالعملة المحلية، التي أصبحت قوتها الشرائية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي مطلقاً.

بعد كل ارتفاع لسعر الصرف تنتقل عدوى غلاء الأسعار إلى معظم محالنا التجارية والخدمية، ولم يعد أي تاجر أو صاحب مهنة أو بقال أو جزار أو خضرجي أو بائع خرداوات، يتعامل مع المواطن إلا بحسب سعر الصرف المتصاعد، وهذا يتم بشكل اتوماتيكي، وكل من هؤلاء يضع التسعيرة الخاصة به دون حسيب أو رقيب، وهنا يجب ألا ننسى الطبيب والمخبري والميكانيكي والنجار والحداد وأصحاب البيوت المؤجرة والكثير.. الكثير غيرهم، من الذين يرفعون أسعار سلعهم وأجورهم وفق سعر الصرف الجديد وحمى جنونه، مع أن معظم التجار كانوا يخزنون بضائعَ منذ زمن ولم يستوردوا صنفاً جديداً بل احتكروا ما لديهم وأطلقوه صواريخ موجهة في وجه المواطن عند جنون الأسعار، والجميع يقسم أغلظ الأيمان أنه يستورد بالدولار ويدفع إضافات لتخليص بضاعته من الجمارك ويدفع تكاليف نقل وشحن وعمولات وأتاوات وغيرها.. فهل يبيع سلعته بخسارة، والمفارقة العجيبة أنه عندما ينخفض سعر الصرف لا تنخفض الأسعار عملا بالمثل القائل ( اللي بيطلع صعب ينزل)؟!

لقد بات المواطن في حالة انعدام وزن وهو يفكر كيف سيتدبر أمر معيشته اليومية في ظل هذا الغلاء الفاحش وعجز المصرف المركزي عن إيجاد الحلول على الرغم من تدخلاته الخجولة في السوق وتجارب سياساته الاقتصادية الفاشلة التي لم تسهم في تلبية حاجات السوق، في بلد يعيش تداعيات حرب وأزمة غلاء وحصار غير مسبوقين، الأمر الذي جعل ما يزيد على ٩٠% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.

لنعترف بادئ الأمر أن ثمة نتائج سياسية معاكسة تؤثر على قيمة الليرة السورية، فلعبة تراجعها المقصودة تهدف إلى ضغط سياسي على الدولة السورية للدخول في تسويات وفق قواعد اللعبة الدولية والإقليمية، فضلاً عن حالات الحصار والعقوبات التي تعيشها البلاد، وترافق ذلك مع ضعف الاحتياط النقدي للعملة الصعبة في خزينة الدولة وتكالُب التجار على الدولار، وقيام ” الحيتان” بتهريب الليرة إلى خارج البلاد وتحويلها إلى عملة صعبة، والأهم من ذلك ظهور طبقة من الفاسدين وأمراء وحيتان الأزمات الذين أفرزتهم الحرب، لكن هل هذه هي الأسباب الوحيدة؟!

ثمة أسباب أخرى أهمها: غياب التخطيط الاقتصادي السليم لإدارة الأزمة والتراخي في محاسبة تجار الأزمات وأمراء الحروب والمتلاعبين بقوت الشعب واجتثاث الفاسدين والمفسدين الذين نموا كالفطر على حساب دم المواطن وقوتِه اليومي الذي يحتار كيف يؤمّنه لأسرته بهذا الراتب الذي لا يسد الرمق، ناهيك عن المتطلبات الأخرى وأزمات المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وفواتير كهرباء وماء واتصالات، إضافة إلى الطبابة والدواء ومستلزمات المدارس والجامعات والمواصلات وغيرها.. ومع ذلك فالمواطن صابر وينتظر بارقة أمل بفرج قريب ليفاجأ برفع أسعار وأصناف جديدة في معظم السلع وصارت اللحوم بشقيها الحمراء والبيضاء حلماً لدى المواطن، أما ارتفاع أسعار البيض، الذي يعول عليه المواطن تعويض البروتين، فقد حلق سعره.. وهكذا يكتمل المشهد التراجيدي الحزين في حياة السوريين!

(سيرياهوم نيوز3-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بمناسبة يوم الكتاب العالمي : الكتابة في زمن الموت حياة

  سمير حماد لمن نكتب ولماذا ؟ سؤال مربك باعتراف كافة المهتمين بالكتابة , لكنهم يكادون يجمعون على انهم يكتبون في هذه الفترة الحرجة من ...