العزلة.. الخيار النافع هل ستتحول إلى مرض؟

العزلة هي الخيار النافع في ظل جائحة كورونا، ولكنها تصيب الإنسان من جراء عدة ظروف قد تكون ضغوطاً مادية وأخرى اجتماعية تدفع الكثيرين إلى الانطواء وعدم مخالطة أشخاص آخرين.
(سليم) لجأ إلى العزلة من جراء الضغوط المادية التي يعيشها، فقد وجدها خياراً نافعاً، فهو يجلس وحده بين حين وآخر، علّه يجد حلاً مناسباً للخروج من ضغوط الحياة التي لا تنتهي، وحسب قوله يجدها حلاً نافعاً بشرط أن تكون بحدود معقولة بعيداً عن المبالغة، وحتى لا تتحول إلى مرض، وكذلك يجد فيها الراحة بعيداً عن ضجيج الحياة، وتساعده على إعادة ترتيب أوراقه، وتخفف عنه هموماً أرهقته ولو لوقت قصير.
أما (منال) فترى أن العزلة خيار يلجأ إليه الكثيرون هرباً من فوضى الحياة، فهي تحفزهم على الإبداع والتأمل، فهناك لحظات خاصة يحتاج الشخص أن يعيشها بمفرده من دون أن يشاركه فيها أحد، أو يقدم له أي نصيحة حتى لو كانت مفيدة له. لكن (عدي) ورغم كل الضغوط التي تحاصره إلا أنه مصرّ على أن يبقى قوياً ولا يستسلم للعزلة، بل هو مدرك أن هذا الوقت القصير الذي يقضيه وحده ليس عزلة، إنما هو فقط ليشحذ طاقته ويعود للحياة أقوى من قبل، وفي السياق نفسه يؤكد عدي الذي يعمل مهندساً أنه يتعمد في وقت عزلته أن ينقطع حتى عن كل مواقع التواصل الاجتماعي، ويغلق هاتفه حتى يتمكن من أخذ قسط وافر من الراحة.
د. هناء جزر – رئيسة قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق، أكدت أن الإنسان بحاجة إلى بعض الوقت ليعتزل الآخرين، لوقت قصير يختاره بنفسه، كالحاجة إلى الراحة الجسدية أو النفسية أو الرغبة في التفكير والصفاء الذهني، وقد تكون العزلة داخل المنزل نفسه.
في حين يرى البعض أن العزلة لها نفس خطورة مرض السكري بالتسبب في الموت المفاجئ، وهناك دراسة قيّمة في جامعة أكسفورد ترى أن العزلة تؤدي في كثير من الأحيان إلى تدمير جهاز المناعة ما يسبب حالة من الاكتئاب والتوحد والاضطراب العقلي، إلا أن العزلة ليست سواداً قاتماً، فهناك بعض الإيجابيات الناتجة عنها إذا ما تمكنا من استغلالها على الوجه الأمثل، فالعزلة تتيح للمرء مزيداً من الوقت للتفكير في علاقاته الاجتماعية ومدى فائدتها، والنظر إليها بعين الناقد كي يستطيع أن يتجاوز العثرات الناتجة عنها.
كما أن العزلة تحسّن عملية الإبداع في العمل المطلوب إنجازه، وذلك من خلال التأمل في هذا العمل والتفكير قي مختلف جوانبه، كما أنها تسمو بنا عن الأخلاق الاستهلاكية وحب الظهور، وفي النهاية العزلة مرتبطة بذواتنا وإرادتنا، فقد تكون قبراً لآلامنا وأحزاننا، وقد تكون ينبوعاً يفجر أحلامنا وتنطلق من خلاله مشروعاتنا المستقبلية.

(سيرياهوم نيوز-تشرين)