محمد وهبة
مجدداً، قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اللجوء إلى الحل البوليسي لإظهار سيطرته على ارتفاع سعر الدولار. ففي اجتماع المجلس المركزي الذي عُقد أمس، بشكل استثنائي، لم يعرض سلامة سوى أنه غير قادر على التدخّل إلا بعد «تنظيف» السوق من الصرافين غير الشرعيين ومن مجموعات الـ«واتساب» التي يتّهمها بأنها تضارب على الليرة وترفع سعر الدولار. عملياً، كل الاهتمام الذي روّج لاجتماع المجلس المركزي والإجراءات التي ستتخذ فيه من أجل كبح انهيار الليرة، كان مجرّد وهم باعه سلامة، مسوّقاً نفسه بأنه «المنقذ» الذي يملك وصفة سحرية يفترض أن يسبقها الحلّ البوليسي كتمهيد لتدخّل مصرف لبنان في سوق الصرف.
تقول مصادر مطلعة، إن ما عُرض أمس في المجلس المركزي، لم يكن ذا أهمية استثنائية تستدعي الدعوة إليه. فحاكم المصرف المركزي عرض ما جاء في مشاوراته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل. وأبلغ أعضاء المجلس أنه عرض لرئيس الحكومة الوضع في سوق القطع طالباً منه التدخّل الأمني مع الصرافين ومع مجموعات الـ«واتساب» التي تتلاعب بسعر الدولار من أجل التربّح غير المشروع، وأنه غير قادر على التدخّل في سوق القطع في ظل الفلتان السائد في السوق، فقرّر ميقاتي أخذ الموضوع على عاتقه والطلب إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات إجراء المقتضى القانوني بهذا الخصوص تمهيداً لتدخّل مصرف لبنان في سوق القطع. والتدخّل هنا هو سحب السيولة النقدية بالليرة من السوق من خلال التفريط بنحو 1.5 مليار دولار.
ad
أيضاً، أعاد سلامة تأكيد مسألة عرضت سابقاً في المجلس المركزي، وهي تتعلق بسعر الصرف المعتمد رسمياً، إذ قال إنه سيصدر قراراً في نهاية هذا الشهر، أي مساء اليوم، لإعلان بدء العمل بالسعر المعتمد رسمياً. لكن لم تجر الإشارة إلى الآلية القانونية التي اتبعت في هذا المجال، والسند القانوني الذي سيبني عليه لاتخاذ قرار بزيادة سعر الصرف المعتمد رسمياً 10 أضعاف، علماً بأن سلامة كان قد أبلغ ميقاتي أنه اتخذ القرار بالتشاور مع وزير المال.
في هذا الوقت، يبدو أن «هيبة» الإجراءات الأمنية لكبح سعر الدولار صارت باهتة إلى درجة أنها لم تنعكس على سعر الصرف في السوق الحرّة. فمنذ نهاية الأسبوع الماضي، ما زال سعر الدولار يتذبذب بين 57 ألف ليرة و60 ألفا. وأمس سجّل 58 ألف ليرة، أي بزيادة نسبتها 38% مقارنة مع ما كان عليه في مطلع كانون الثاني. وأعلى مستوى سجّله هذا الشهر بلغ 63500 ليرة في 20 كانون الثاني. وبذلك، يكون سعر الدولار قد تضاعف منذ بداية الأزمة 38.5 مرّة، بينما لم يسجّل مؤشّر الأسعار سوى تضخم بنسبة تراكمية بلغت 17 مرّة حتى نهاية عام 2022. الفرق الكبير بين سرعة تطوّر سعر الدولار في السوق مقارنة مع سرعة مؤشّر الأسعار، يشير إلى أن الأسعار سائرة نحو مزيد من الارتفاع في الفترة المقبلة.
ad
المصرف المركزي يستعد لإعلان التعديل الرسمي لسعر الصرف إلى 15 ألف ليرة
لكن السؤال الذي يطرح اليوم، هل يمكن معالجة المسألة بـ«الكرباج»؟
هذا التعبير يعود إلى نائب الحاكم السابق حسين كنعان الذي قال يوماً إن سعر الدولار لا يمكن كبحه بالكرباج، بمعنى أن الحلّ البوليسي، ليس سوى أداة لشراء الوقت وللإيهام بأن هناك حلّاً ميكانيكياً غير جذري. ففي مطلع عام 2020 اقترح رياض سلامة معالجة بوليسية مماثلة أفضت إلى اقتحام مكاتب ومنازل عدد من الصرافين، وانتهت على ما يروي الصرافون بأنه عزلهم من السوق ليحلّ محلّهم مجموعة أخرى من الصرافين الذين يتلقون الأوامر منه ويحدّد لهم الأسعار، بالتالي فإن كل الارتفاع في سعر الصرف كان ارتفاعاً مدروساً منه لإجبار الناس على القبول بانهيار سعر الصرف من دون ردود فعل مفاجئة.
ad
كذلك، يجب التمعّن في ما يقوله سلامة، إذ إنه يشير طوال الوقت إلى قدرته على التدخّل، وهذا يعني أنه لا يزعم بأنه قادر على السيطرة، إنما هو يحتاج إلى التدخّل من أجل إبطاء وتيرة التدهور. وفي حال قرّر امتصاص السيولة بالليرة مقابل ضخّ 1.5 مليار دولار، فإن مصرف لبنان لن يكون قادراً على التدخّل لأنه سيفقد إحدى أهم أدوات تدخّله في السوق، وهي الليرة. فإذا أصبحت الليرة غير ذات قيمة وفقدت فاعلية التداول، ستضعف قدرته على التدخّل في السوق، وصولاً إلى زوالها. فهو من خلال طباعة الليرات وضخّها في السوق، يتاح له شراء الدولارات، ولا يمكنه امتصاص الليرات إلا من خلال ضخّ الدولارات. ما يعني أن عمليات الضخّ والامتصاص تعمل بواسطة آلية طباعة النقود، بالتالي لا يمكنه أن يفقد التوازن بينهما، وإلا فلن يعود أي معنى لوجوده.
ad
أسعار السوبرماركت بـ«الدولار النقدي»؟
فور الارتفاع السريع في سعر الدولار مقابل الليرة، بدأت نقابة أصحاب السوبرماركت تطالب بتسعير المواد المبيعة على رفوفها بالدولار النقدي. وهذا الأمر، إذا حصل لن يكون سابقة، إذ إنه في مطلع الصيف الماضي، وافق وزير السياحة على تسعير المنتجات والخدمات المقدّمة في المطاعم بالدولار ما أدّى إلى تضخّم في الأسعار تراكم في النصف الثاني من عام 2022 ليبلغ 73% (المقارنة جرت على أساس الشهر الأخير من النصف الأول) في مقابل تضخّم في الأسعار بلغ 28% في النصف الأول (المقارنة جرت على أساس الرقم القياسي للأسعار المسجّل في نهاية 2021).
المهم، أن تسعير السوبرماركت بالدولار، يعني نقل الدولرة النقدية إلى مستوى مختلف عما كانت عليه سابقاً، وهو يعني أيضاً أن أول ما فكرّت فيه قوى السلطة هو كيفية حماية أصحاب الرساميل، فيما ما زالت الأجور عند مستويات متدنية جداً قياساً بالحماية التي يحصل عليها هؤلاء. فالأجور تضاعفت في المتوسط 4 مرّات، بينما الأسعار تلحق بشكل يومي بسعر الدولار، وإذا جرى تحويلها على الدولار النقدي اليوم بكل مكوّناتها من رأس مال ومصاريف تشغيل وأرباح، فإن الأجور ستفقد قيمتها التداولية ولن تنحصر خسارتها بالقيمة المادية.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية