يدور رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب في حلقة مفرغة، فلا عرّابوه، في باريس وبيروت، اقتنعوا بأن فرضهم حكومة أمر واقع لا يمكن أن يمرّ، ولا هو قادر على الاعتذار من دون ضوء أخضر منهم. لقاءات أديب الصباحية والمسائية لم تنتج أمس تقدماً ملموساً. فهل يدفعه ذلك إلى الاعتذار اليوم؟
لم ينفع اجتماع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب الليلي بالمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حسين الخليل، والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، علي حسن خليل، في إحداث تقدّم بارز يُسهم في حلحلة عقدة من عقد تأليف الحكومة. باتت لقاءات أديب لزوم ما لا يلزم، أكان مع «الخليلين» أم قبلهما مع رئيس الجمهورية ميشال عون. يدور الرئيس المكلف في حلقة مفرغة، مفتاحها ليس في حوزته. لا هو قادر على التصرّف كرئيس مستقل والقيام بدوره كاملاً من ناحية مشاورة الكتل النيابية التي سمّته لتأليف حكومة إنقاذ وطنية، ولا باستطاعته إخراج ورقة اعتذاره من دون حصوله على ضوء أخضر فرنسي ومن نادي رؤساء الحكومات السابقين. لذلك خيّمت السلبية على اللقاءات التي أجراها أمس، رغم أنه هو الذي بادر إلى الطلب من «الخليلين» لقاءهما بعد يوم على لقائه السلبي بهما أول من أمس. حينها، اقترح الثنائي تقديم أسماء مرشحين لتولي وزارة المالية إلى أديب، لكن الأخير أصرّ على وضع أي اسم يقترحانه مع لائحة أسماء يقدّمها هو، والتشاور حولها جميعاً. رفض الخليلان اقتراح أديب، مصرَّين على «حق اقتراح أسماء للوزراء الشيعة». وبدا أديب ليل أمس متمسكاً بمقاربته التي تتمثل في اختيار مرشحين مستقلين – على ما يدّعي – لحمل الحقائب الوزارية، ومن ضمنهم وزراء الطائفة الشيعية.هكذا، خلص الاجتماع الى تأكيد أديب أنه «توافقي» وحرصه الشديد على الوحدة الوطنية، من دون أن يأتي على ذكر الاعتذار عن عدم التأليف، أو أن يُسأل عن الأمر. في موازاة ذلك، كثّف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وفريقه اتصالاتهم بقادة الأحزاب السياسية علّها تعطي دفعاً لتأليف الحكومة. اعتذار أديب سيمثل ضربة موجعة للفرنسيين ولمبادرتهم. من هذا المنطلق، وبطلب فرنسي، جرى تحديد اجتماع آخر مع رئيس الجمهورية اليوم. فتراجُع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، عرّاب أديب والوصي عليه، عبر التسليم بإبقاء وزارة المالية مع الطائفة الشيعية، اقترن بالشروط الأميركية بعدم تسمية كل من حزب الله وحركة أمل لهذا الوزير. يخال الحريري أن تحايلاً مماثلاً سيعيد الكرة الى ملعبه عبر الإيحاء بأن العقدة تكمن حصراً في طائفة حامل حقيبة المالية لا في الطرف الذي يسمّيه، ولا سيما بعد العقوبات الأميركية. من هذا المنطلق، سلّم أديب، أمس، رئيس الجمهورية لائحةً بالتوزيع الطائفي للحقائب من دون أسماء. وقد توزعت الحقائب «السيادية» كالتالي: المالية للطائفية الشيعية (لم تخضع للمداورة)، الداخلية لطائفة الروم الأرثوذكس، الدفاع للطائفة السنية، والخارجية للطائفة المارونية، علماً بأن إبقاء الخارجية مع الموارنة يعني أن هذه الحقيبة لم تخضع لمبدأ المداورة هي الأخرى. وسيستقبل عون رئيس الحكومة المكلّف، قبل ظهر اليوم.
حمل أديب إلى رئيس الجمهورية مسوّدة توزيع طائفي للحقائب
شارف تكليف مصطفى أديب على أن ينهي شهره الاول. لم يعد الأخير ولا من وراءه، سواء كان الرئيس الفرنسي أم نادي رؤساء الحكومات، يملكون ترف إضاعة الوقت. الانهيار المالي المصحوب بانهيار اقتصادي واجتماعي، ولا سيما مع اقتراب رفع الدعم عن المحروقات والدواء، لا يحتمل الخفة التي يتعامل بها كل المعنيين بهذا الملف. الفرنسيون، من ناحيتهم، لا يقلون خفة عن رئيسهم المكلّف. ثمة في الإليزيه من يظن أن باستطاعته إعادة عقارب الساعة الى الوراء، أو ربما المحاولة. تحت هذا السقف، طلب هؤلاء من رئيس مجلس النواب نبيه بري تسليمهم لائحة الأسماء التي كان يعتزم تسليمها الى أديب، الا أن الأخير رفض، موضحاً أنه لا يعطيها الا للرئيس المكلف. هذا الأداء لا يحرج بري ولا حزب الله، بل يزيدهما اقتناعاً بأن رئيس الحكومة ليس سوى واجهة لمشروع فرنسي – أميركي بأدوات لبنانية على رأسها سعد الحريري. رغم ذلك، لا يميل أديب الى الاعتذار، بخلاف ما حاول هو وعرّابوه تسويقه من باب زيادة الضغط على رئيس الجمهورية وكل من حركة أمل وحزب الله، والتلويح بالعقوبات في حال فشل المبادرة الفرنسية. وفيما أكّدت مصادر رؤساء الحكومات السابقين أمس أن أديب سيعتذر بعد لقائه عون اليوم، نفت مصادر أخرى، مقربة منهم أيضاً، ذلك، مؤكدة أن قرار الاعتذار يصدر من باريس، وهو ما لم يتحقق بعد.
في هذا الوقت، يستمر نادي الرؤساء السابقين للحكومة في إنكارهم لدورهم في تسمية أديب وإملاء كل خطواته عليه. فقد صرّح رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بأنه «التقى بأديب مرة واحدة فقط، ويتابع من دون أي تدخّل. لكن إذا احتاج مؤازرة لإنجاح المبادرة الفرنسية والقيام بالخطوات الإصلاحية فلن نتردد». وأشار الى امتلاك الرئيس المكلف «عدداً كبيراً من السير الذاتية ليختار الأفضل، لأنه أتى على أساس أن يكون على رأس فريق متخصص خارج المحاصصة السياسية»، موضحاً أن «أديب متشبث فقط بموضوع أن يسمّي فريق عمله وأن لا يكون أحد مفروضاً عليه من قبل أحد، ولا يريد استنساخ تجارب الحكومات الماضية».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)