| إسماعيل مروة
أرسل لي أستاذ جليل منشوراً، وهو يرسل دوماً منشورات مما يصله، وأغلب هذه المنشورات تتحدث عن الأخلاق الفاضلة، وعن الانتماء والوطنية وما شابه ذلك من منشورات، وفي معظمها مصنوعة وغير صحيحة، فالأستاذ أعجبه شيء، وربما أراد إرسال رسالة ما، فأرسل دون أن يدقق حتى في التواريخ ومجريات الأحداث ومنطقيتها، وقد سبق أن أرسل لي مقاطع للشاعر الكبير نزار قباني تذكرتها في ذكراه العطرة، وهي مقاطع مشوقة لقصائد محفوظة عن ظهر قلب! والغريب أن هذا الأستاذ لم يعمل يوماً وفق ما يرسله ويتحدث به في أي فاصلة من حياته!
وكأنه يقول لك: افعل كذا لأتمكن منك! يتحدث عن النزاهة والكرم وأشياء كثيرة، وهي أحاديث معجبة، وأحلاها وأعلاها حديثه عن الزهد، وهو أحرص أهل الدنيا على الدنيا!
وحين قرأت ما تم استخلاصه وإرساله من مقدمة ابن خلدون، وقد أطلق عليها مقتبسها اسم (الأربعون الخلدونية) اقتداء بالأربعين النووية للإمام النووي، فوسائل التواصل والتقانة لم تجعل الكثيرين واعظين، وهم أبعد الناس من الوعظ، بل جعلت الكثيرين من المؤلفين الذين يهبشون الكلام من هنا وهناك، وربما نسبوه إلى هذا العالم، أو ذاك لإعطائه مصداقية، وقد رأينا في أثناء الحرب على سورية عدداً من علماء الدين الذين يتحدثون ويفتون ويتهمون، وهم لا يعرفون عدد ركعات اليوم المفروضة!! ورأينا من يتحدث وينال ويتهم ويريد الشرخ بين الناس، وهو لم يقرأ كتاباً ولا يعرف شيئاً عن العصور التي مرت بها الأمة!
وكل واحد منا قابل مثل هؤلاء الذين هبشوا معلوماتهم من وسائل التواصل، وتنطحوا لكل شيء، ففعلوا ما فعلوا وقزموا من قزموا، ولا ينكر واحد ما تركه هؤلاء من أثر كبير على الشرائح الاجتماعية البسيطة، فوصلت الأمور حداً كارثياً نتيجة الجهل والادعاء والابتعاد عن القراءة الحقيقية سواء كانت ورقية أم إلكترونية لكتب بتمامها..!
أقف عند الأربعين الخلدونية التي هبشها من فعل وبدأ الحديث عنها وإرسالها إلى كل الذين يعرفهم، وهؤلاء أرسلوها بدورهم إلى كل واحد يعرفونه، وأزعم أن واحداً من هؤلاء لم يعرف ولو عن بعد مقدمة ابن خلدون، ولا يعرف شيئاً عن هذا العالم الاجتماعي ورحلاته وحياته، فأبو عبد الرحمن ابن خلدون لم يكتب كتاباً بأسماء المقدمة، وإنما كتابه التاريخي الكبير، صدّره بمقدمة تظهر منهجه حسب زماننا، وجاء من فصل المقدمة عن التاريخ وجعلها قائمة بنفسها.. وما استخلصه ابن خلدون في منهجه يتعلق بزوال الدول وتعاقبها، وقد قدم نظرية في حياة الدول وتعاقبها، فشهد ميلادها وتطورها وتفاصيلها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي تزيد من عمر الدولة، أو تلك التي تسهم في زوال الدول وانتهائها، وربما زوالها نهائياً من الخريطة السياسية والجغرافية، ومراقبة الحياة تثبت صحة نظريته، والتي استخلصها من قراءته ورؤاه، ومن المقدمة صاغ المثقفون الفيسبوكيون أربعين فقرة، بصياغتهم وليست من صنع ابن خلدون ولغته، وكلها تتعلق بزوال الدول وتتعلق بـ(العشائرية، القبلية، الفساد، الظلم، الفوضى) وما من خلاف حول هذه القضايا، ولكن النيات الحسنة يمكن أن تصنع الجانب الآخر كما عرض ابن خلدون، والمتعلقة بعمران الدول، وهي الأربعون المقابلة لأربعين الزوال.. وجاءت هذه الرسالة من الأستاذ الجليل، وكان بودي أن أسأله: ما دمت تعرف هذه الأمور وأثرها في ضرر الدولة، فلماذا تعمل بها وتطلب من الآخرين ألا يعملوا؟! وأهم ما في الأمر أن هذه الأربعين التي يرسلونها هي محبطة وتثير في النفس غضباً، وتسهم في دفع الإنسان إلى اليأس، فهل هذا هو المطلوب أيها الأستاذ الجليل؟
سيرياهوم نيوز1-الوطن