| مايا سلامي
تثير تقنيات الذكاء الاصطناعي العديد من الإشكاليات الأخلاقية والقانونية في مختلف المجالات العلمية والفكرية والفنية منذ الرواج الكبير الذي عرفته في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد مهامها تقتصر على تسهيل وظائف الإنسان بل تعدتها إلى ما هو أكثر تقدماً وخطورة، حيث اقتحمت هذه التقنية مجالات الإبداع البشري في الفن والتصوير والغناء والموسيقا وباتت منافساً شرساً له حتى وصلنا إلى زمن يصعب فيه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع.
ففي الآونة الأخيرة ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشار مقاطع لعدة فنانين رُكبت أصواتهم على أغان لم يؤدوها أصلاً وبدت كأنها حقيقية، الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً بين الأوساط الجماهيرية مما ستحمله هذه التقنية مستقبلاً من تطورات تهدد الإبداع الإنساني وتزيف الحقائق والتراث الموسيقي.
ولم يسلم فنانو الزمن الجميل الذين غادروا عالمنا من تقنية استنساخ الأصوات هذه عبر الذكاء الاصطناعي، فمنذ فترة قريبة نشر الملحن المصري عمرو مصطفى مقطعاً ترويجياً لأغنية جديدة لأم كلثوم من ألحانه تحمل عنوان «افتكرلك إيه» مستحضراً بذلك صوت كوكب الشرق بعد مضي خمسة عقود على وفاتها، وقد أثارت تجربته هذه جدلاً واسعاً كما خلقت جملة من الآراء المتضاربة في الشارع العربي ما بين مؤيدين ومعارضين لها، ما دعاه إلى إسناد الأغنية إلى المطربة المصرية مي فاروق لإيقاف هذا الجدل.
الخطر في هذا الموضوع أن هذه التجارب من الممكن أن تتجاوز مستقبلاً حد التسلية واللهو لتفتح أبواباً جديدة تخلق حالة من الفوضى العارمة في عالم الغناء والموسيقا، حيث ستعمل هذه التقنيات الجديدة على خلق مطربين افتراضيين يؤدون أغاني كتبها ولحنها الذكاء الاصطناعي، وربما تجول حفلاتهم أصقاع الأرض باستخدام تقنية «الهولوجرام» التي سبق أن أقيم بها حفل لأم كلثوم ولكن بصوتها الحقيقي في أوبرا دبي، حتى نصل إلى حالة من الفن المزيف الخالي من المشاعر والأحاسيس الإنسانية التي لطالما كانت إضافة مهمة لأي إبداع فني وإنساني.
حالة متطورة
وفي تعليقه على هذا الموضوع بين المايسترو عدنان فتح الله أن الموسيقا حالة متطورة لذلك موضوع استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي هو ضرورة يجب أن نتعلمها ونعرف كيفية التعامل معها، فيجب ألا نغمض أعيننا عن التطورات الكبيرة التي تحدث في مجال التكنولوجيا وتخص صناعة الموسيقا.
وأكد ضرورة وجود ضوابط لاستخدام هذه التقنيات حتى لا تؤدي إلى تشويه أو إهانة إرث معين، بحيث يكون استخدام هذه التكنولوجيا لرفد حالة الإبداع والخلق، منوهاً إلى أن المقصد من ذلك هو أن نملك فناً وحرفة في استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل صنع حالة موسيقية أو أدوات جديدة أو استخدامه بغاية تسهيل العمل.
وعن رأيه في ظاهرة استنساخ الأصوات التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي، قال: «عملية استنساخ الأصوات لا تمت للحالة الموسيقية بشيء وهي مرتبطة بالتسلية غير المشروعة لأنها لا تقدم شيئاً جديداً ومهماً وقد تمس بتراث معين. فأنا مثلاً لا أفضل سماع أغنية وضع عليها صوت فيروز من دون أن تغنيها حقيقة بإحساسها البشري والإنساني العالي، ومن دون أن يكون لها أي دور أو قرار في اختيار الكلمات والألحان».
وأضاف: «إن عملية استنساخ الأصوات مرفوضة رفضاً قاطعاً وهي ليست الغاية الحقيقية من استخدام الذكاء الاصطناعي، فهناك الكثير من التقنيات التي وجدت في عالم العلوم والتكنولوجيا وهي سيف ذو حدين يمكن استخدامها بالجانب السلبي أو الإيجابي».
إحياء التراث
وعما إذا كان من الممكن اعتبار ظاهرة الاستنساخ مفيدة لإعادة إحياء التراث أوضح فتح الله أن العبث بأصوات المطربين القدماء بواسطة هذه التقنيات لا يسمى إحياء تراث، مؤكداً أن واجبنا هو الحفاظ عليه كما غني وكتب بلهجته وإيقاعه.
وأشار إلى إمكانية استخدام هذه التقنيات من أجل تشذيب الأغاني والأعمال التراثية لتقديمها بصوت أفضل وبجودة عالية لكن دون العبث أو المساس بها.
وحول إمكانية استبدال الإنسان مستقبلاً بالذكاء الاصطناعي في مجال الغناء والموسيقا، قال: «لا يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان الإحساس البشري أو الإنساني في مجال الموسيقا حيث من الضروري حضور إبداع الإنسان وفرادته وشخصيته في العمل الفني، وأي موسيقا أو أغنية يتم صنعها ستقدم على المسرح مباشرة أمام الجمهور لذلك لا يمكن الاستغناء أبداً عن العنصر الإنساني».
وأوضح أنه في حالات خاصة ومحددة يمكن استخدام هذه التقنية لتعويض نقص العازفين على آلات معينة كما هو الحال في الآلات التي تستخدم في الاستديوهات على برامج الميكس والماستر وذلك لتسهيل عمل الإنسان وليس للاستغناء عنه.
سيرياهوم نيوز1-الوطن