يخطئ من يعتقد أن العنصرية مقتصرة على جهاز الشرطة الأميركية الذي يستمد تعسفية وعنف إجراءاته من صلاحياته القانونية وإنما هي موجودة في تفاصيل التشريع الأميركي والسلطة التنفيذية الأميركية والعمليات الجارية اليوم لإزالة نصب وتماثيل رموز العنصرية في المدن والمؤسسات الأميركية تبقى شكلية إذا لم يعاد النظر في البيئة القانونية والدستورية والتنفيذية للولايات المتحدة.
اما على المستوى الخارجي فالجانب العنصري التعسفي القائم على منطق القوة والتهديد هو السائد في تعاطي أدوات السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي مع دول العالم اجمع بما فيها حلفاء واشنطن ومع منظمة الأمم المتحدة التي حولتها الولايات المتحدة إلى أداة ضاربة بيد السياسة الخارجية والأمنية الأميركية طوال العقود الماضية.
ان جوانب التعامل الأميركي العنصري والقمعي مع دول العالم كثيرة ومتنوعة ومتفاوتة وتقوم في جوهرها على عدم احترام القانون الدولي وسيادة الدول وحقوق الشعوب وحقوق الإنسان إلا بما يؤدي لتحقيق المصلحة والانتهازية الأميركية.
فعلى مدى السبعة عقود الماضية بنت الإدارات الأميركية المتعاقبة كل سياستها الخارجية على عنصر التفوق والريادة والهيمنة والقائد الأوحد للعالم الذي يصدر القرارات، وعلى الآخرين تنفيذها دون نقاش وعلى هذا الأساس قسمت واشنطن العالم الى محورين؛ الخير الذي يقف طائعا لها والشر الذي يرفض سياستها العدوانية والعنصرية.
مع الأسف لا يجد المسؤولون الأميركيون حرجاً في إملاء سياستهم على أي دولة أو حكومة بحجة الأمن القومي الأميركي أو الطلب من أي دولة تنفيذ شروطهم دون نقاش وهذا السلوك في العقدين الآخرين لم يقتصر على الدول غير الحليفة للولايات المتحدة وطال حلفاءها المقربين جدا ومنهم الاتحاد الأوروبي.
وعلى مستوى حقوق الإنسان والقانون الدولي فالسياسة الأميركية تتسم بأشد أنواع العنصرية حيث تفسر ذلك على مقاس مصالحها وتحت هاتين القيمتين قتل جيشها الملايين من الأفغانيين والعراقيين ومازال وأكمل مسيرته العنصرية المتماهية مع نظيرتها الإسرائيلية في السنوات التسع الأخيرة في الحرب الإرهابية على سورية وتدمير اليمن وليبيا.
ولا تتوقف العنصرية الأميركية في التعامل مع دول العالم عند الجانبين السياسي والأمني بل دخلت بقوة إلى الجانب الاقتصادي حيث تستخدم الذرائع الإنسانية والقانونية والتدخلات في شؤون الدول وفرض حزم من العقوبات القسرية والمخالفة للقانون الدولي على العديد من الدول التي رفضت شعوبها الانصياع لهيمنتها، ولم تستثن من هذا السلوك الذي يهدف إلى الضغط على الشعوب لتغيير قناعاتها أو مواقف حكوماتها حتى حلفاءها إذا أبدوا اعتراضاً ما على سياستها تجاه قضية أو تعاون مشترك، كما هو الحال في العلاقة مع بريطانيا وفرضها عقوبات على صناعة الصلب فيها.
ويتجسد التعامل العنصري بأوضح صوره في طريقة توظيف واشنطن للأمم المتحدة وأجهزتها حيث لا تكترث السلطة الأميركية بتفرعاتها لهذه المنظمة إلا إذا كانت قراراتها تصب في خدمة الأمن القومي الأميركي ولا تتريث أي إدارة أميركية في تعطيل هذا الجهاز الأممي وشل عمله لحظة واحدة إذا خالف سياستها تجاه هذا الملف أو ذاك، والموقف الأميركي المتراكم من قرارات الأمم المتحدة تجاه الحقوق الفلسطينية دليل على العنصرية الأميركية بأبشع صورها.
إن المخاض الذي تعيشه اليوم الولايات المتحدة على المستوى الداخلي والإجراءات التي تتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تستهدف تغيير البنية التشريعية والدستورية المطعمة بالطابع العنصري بالدرجة الأولى، بل هي محاولة لإيقاف الاحتجاجات بعد مقتل المواطن الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية، وهو ما يجب على العالم الانتباه إليه لأن السياسة العنصرية للولايات المتحدة تهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
أحمد ضوا
(سيرياهوم نيوز 5 – سانا )