أحدثت تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، مساء أمس، عاصفةً في إسرائيل، حيث ظهرت إلى العلن الخلافات الحادّة بين إدارة جو بايدن، وحكومة بنيامين نتنياهو. وفي حين كان قد بات معروفاً أن الخلاف الرئيسيّ يتمحور حول «اليوم التالي» للحرب على قطاع غزة، فقد جهِد الطرفان في أن لا يجاهرا به، وأن يؤكّدا في مختلف المناسبات وحدة موقفهما ورؤيتهما تجاه الحرب. والواقع أن الجانبين يتفقان على أهداف الحرب العامة، وعلى رأسها إضعاف حركة «حماس» والمقاومة إلى أبعد حدّ – بعدما اتضح أن القضاء عليها بعيد المنال -، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وإنشاء إدارة جديدة للقطاع، لكنهما يفترقان عند حدود هذا الهدف الأخير، لناحية دور السلطة الفلسطينية في ذلك، والدور الإسرائيلي أيضاً وحدوده وشكله.وفي هذا الإطار تحديداً، اعتبر بايدن، خلال لقاء مع مانحين لـ«الحزب الديموقراطي»، أن على نتنياهو القيام بتحركات لـ«تعزيز السلطة الفلسطينية وتقويتها»، مضيفاً أنه «لا يمكن لنتنياهو القول إنه لا توجد دولة فلسطينية على الإطلاق في المستقبل». كما اعتبر أن «علينا أن نوحد الإسرائيليين بطريقة تقود إلى اختيارهم حل الدولتين»، مشيراً إلى أن وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، ورفاقه «لا يريدون أي شيء له علاقة بحل الدولتين. يريدون فقط الانتقام مما فعلته حماس، بل من الفلسطينيين جميعاً». وفي حين كرر مقولته: «لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا أن نخترع واحدة»، فقد دعا هذه الأخيرة إلى عدم ارتكاب «الأخطاء التي ارتكبناها» عقب أحداث 11 أيلول، موضحاً أنه «لم يكن هناك مبرر لفعل أشياء كثيرة كاحتلال أفغانستان». ونبّه إلى أنه «يمكن لإسرائيل الاعتماد على دعمنا ودعم أوروبا والعالم، لكنها بدأت تفقده بسبب القصف العشوائي» على قطاع غزة، لافتاً إلى أن «هناك مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أمريكا مركزها الأخلاقي بسبب دعمنا لإسرائيل».
وبعدما كان نتنياهو أقر، أمس، علناً، بوجود «اختلافات» مع الرئيس الأميركي حول مرحلة ما بعد الحرب، أعلن بايدن أنه حضّ رئيس الوزراء الإسرائيلي على «تغيير» حكومته، من أجل «إيجاد حلّ طويل الأمد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني»، واصفاً الحكومة الحالية بأنها «أكثر حكومة محافظة في تاريخ إسرائيل». وإذ أكد «(أننا) لن نقوم بشيء سوى حماية إسرائيل» وأن «الهدف هو أمن» هذه الأخيرة، مضيفاً أنه «لن يكون هناك يهودي آمن في العالم من دون وجود إسرائيل»، وأن «سلامة الشعب اليهودي على المحكّ حرفياً»، فقد نبه إلى أن «أياً من ذلك لن يبتعد عن منح إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وإنجاز المهمة ضد حماس».
وقبل ذلك، كان بايدن شدّد، خلال حفل في «البيت الأبيض» بمناسبة «عيد الأنوار» اليهودي، على وجوب أن يتوخّى الإسرائيليون «الحذر»، لأن «الرأي العام العالمي يمكن أن يتغيّر في أي وقت»، لافتاً إلى أنْ لا توافق تاماً مع نتنياهو.
الانقسام بين إسرائيل والولايات المتحدة ينفجر إلى العلن مع تصريحات بايدن
وتفاوتت الردود الإسرائيلية على كلام بايدن؛ إذ كرّر وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو، شلومو قارعي، القول إنه «لن تكون هناك دولة فلسطينية هنا، ولن نعود أبداً إلى أوسلو»، معتبراً أن «الدولة الفلسطينية هي ما سيعرّض أمن الشعب اليهودي للخطر». ورأى عضو «كابينت الحرب»، جدعون ساعر، بدوره، أنه «من المهمّ الحفاظ على حكومة الطوارئ في فترة الحرب»، محذّراً من أن «تفكيكها يفيد حماس وحزب الله وإيران». أما نتنياهو فالتزم الصمت حتى ساعة متأخّرة، بينما لم تأتِ أي تعليقات من حلفائه في اليمين المتطرّف. وعلى رغم ذلك، لا يزال من المقرّر أن يصل وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن إلى الكيان، الإثنين المقبل، ومستشار «الأمن القومي»، جيك سوليفان، غداً، علماً أن الأخير أعلن أنه سيتحدث مع نتنياهو «بشأن تصريحاته عن انخراط إسرائيل العسكري في غزة بعد الحرب».
وفي تعليق أولي على تصريحات الرئيس الأميركي، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أن «الانقسام بين إسرائيل والولايات المتحدة ينفجر إلى العلن مع تصريحات بايدن»، مضيفة أن «هذه التصريحات تمثّل أكبر تغيّر في لغة الولايات المتحدة بشأن إسرائيل منذ هجوم أكتوبر». وأكّدت الصحيفة أن «نتنياهو رفض الرؤية الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب»، متابعةً أنه «حتى الآن دعمت الولايات المتحدة، إسرائيل، سواء في العمل أو في الخطاب، لكن يبدو أن هذا الدعم القوي قد تراجع اليوم». ولفتت إلى أن «الحكومة الإسرائيلية تواجه إدانات متزايدة من جميع أنحاء العالم، وحتى اليوم كان المسؤولون الأميركيون هم الاستثناء». ومن جهتها، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن «رفض نتنياهو لعب السلطة الفلسطينية أي دور في غزة يهدف إلى المساعدة في تعزيز وضعه الداخلي المتدهور». وأما وسائل الإعلام الإسرائيلية فقد أشار بعضها إلى أن «كلام بايدن قيلَ في الغرف المغلقة، والآن يُقال بشكل علني»، معتبرة أنه «في نهاية الأمر سيحدث انفجار بين نتنياهو وبايدن»، فيما اعتبرت صحيفة «هآرتس» أن «الإسرائيليين سئموا نتنياهو، لكنه يتشبث بالحكم ويقسم البلاد في وقت الحرب ويعرض التحالف مع واشنطن للخطر».
ميدانياً، أعلن جيش الاحتلال، أمس، العثور على جثتين لأسيرين من أسراه في قطاع غزة، وقال إن «جنديين قُتلا عقب العملية العسكرية للعثور عليهما، أحدهما ابن آيزنكوت». كما أعلن المكتب الصحافي للحكومة الإسرائيلية «مقتل 19 من 135 محتجزاً لا يزالون في غزة»، فيما أفادت صحيفة «هآرتس» بأن 4591 جندياً إسرائيلياً مصاباً تلقّوا العلاج في المستشفيات منذ 7 أكتوبر، علماً أن الجيش كان أعلن فقط عن 1593 مصاباً. وبالتوازي مع ذلك نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين مطّلعين قولهم إن «الجيش الإسرائيلي بدأ ضخّ مياه البحر إلى مجمّع الأنفاق التابع لحماس في غزة». لكن، بحسب المسؤولين، فإن «غمر الأنفاق من الممكن أن يستغرق أسابيع»، وأن «يعرّض إمدادات المياه العذبة في غزة للخطر».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية