تحت هذا العنوان نشرت “بوليتيكو” مقالا حول الإحباط المتزايد لدى ألمانيا إزاء تفوق دعمها العسكري لأوكرانيا على دعم أقرانها الأوروبيين.
وجاء في المقال الذي كتبه جيمس أنغيلوس ونيكولاس فينوكور وكليا كولكوت: إن التحدي الأمني الأكبر الذي تواجهه أوروبا منذ الحرب الباردة في الاحتمال المخيف متمثلا في الحاجة إلى تمويل وتسليح أوكرانيا دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية، سيكشف خطوط الصدع السياسية في حفل تأبين يوم الاثنين، كان من المفترض أن يرمز إلى تضامن الاتحاد الأوروبي.
سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بين الزعماء الأوروبيين الذين يصلون إلى برلين لتكريم فولفغانغ شويبله، رجل الدولة الذي يحظى باحترام واسع النطاق في الداخل للدور الرئيسي الذي لعبه في إعادة توحيد بلاده بعد سقوط جدار برلين، وفي تحويل ألمانيا إلى قوة عظمى في قلب المشروع الأوروبي.
ومع ذلك، ربما يوجه المستشار الألماني أولاف شولتس رسائل أكثر وضوحا إلى ماكرون الأسبوع المقبل مقارنة بالتأبين المعتاد للتعاون الفرنسي الألماني، الذي يتردد عادة بين عشاق الاتحاد الأوروبي. تشعر برلين بالإحباط المتزايد لأن فرنسا تتحدث بشكل جيد عن وقوف أوروبا بمفردها، إلا أنها، وفي الوقت نفسه، تقصر بشكل مؤسف عندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدة العسكرية لدولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي تصارع من أجل وجودها.
وقال مسؤول مقرب من المستشار الألماني إن المساعدات لأوكرانيا ستكون قضية النقاش عندما يجتمع الزعيمان يوم الاثنين، وهو الاجتماع الذي يأتي في الوقت الذي يعرب فيه شولتس علنا عن شكاواه بشأن المستوى الضعيف للمساعدات العسكرية التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وكان الفوز الساحق الذي حققه دونالد ترامب في المؤتمر الانتخابي بولاية أيوا في وقت سابق من هذا الأسبوع سببا في تفاقم المخاطر، الأمر الذي يزيد من مصداقية ترك أوروبا لصياغة طريقها الخاص ضد روسيا إذا استعاد ترامب الرئاسة في نهاية المطاف.
وفي مواجهة الخطر، ووراء كل الابتسامات والمصافحات المتوقعة في حفل البوندستاغ، سوف يضغط شولتس على زعماء الاتحاد الأوروبي للتحرك وتقديم مساهمات أكبر لهزيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد بدأ شولتس في تحريك الضغوط الدبلوماسية، وهو يضغط على دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لتفصيل الأسلحة التي ترسلها إلى الجبهة، فيما يبدو وكأنه محاولة لتسمية وفضح أقرانه قبل قمة المجلس الأوروبي في الأول من فبراير، والتي ستطرح فيها قضية التزامات أوروبا العسكرية.
لا عجب أن برلين تبرز، بينما تأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، حيث قدمت 17.1 مليار يورو كمساعدات حتى أكتوبر من العام الماضي، وفقا لإحصاء معهد “كيل” للاقتصاد العالمي. وبالمقارنة، فقد ساهمت فرنسا بمبلغ 0.5 مليار يورو فقط، وإيطاليا بمبلغ 0.7 مليار يورو، وإسبانيا بمبلغ 0.3 مليار يورو.
وكما هو الحال دائما، سارع ماكرون إلى الرد على نتيجة ولاية أيوا بخطابه التقليدي حول بقاء أوروبا بمفردها، فيما أسماه “الاستقلال التدريجي” كما أسماه. وقال للصحفيين في اليوم التالي للتصويت: “إن هذا يظهر أن أوروبا يجب أن تكون واضحة بشأن الولايات المتحدة”، وأضاف: “لهذا السبب نحتاج إلى أوروبا أقوى، قادرة على حماية نفسها، ولا تعتمد على الآخرين”.
وربما إدراكا منه للإحباط المتزايد بشأن عدم دعم باريس لهذا الحديث بالأفعال، أعلن ماكرون عن تسليم 40 صاروخا بعيد المدى من طراز SCALP-EG و”عدة مئات” من القنابل إلى أوكرانيا في الأسابيع المقبلة. وفي الأيام الأولى من بدء العمليات القتالية، كانت المساعدات العسكرية الأمريكية، جنبا إلى جنب مع التصميم الأوكراني، هي الي صدت الهجوم الروسي.
من ناحية أخرى، كان ينظر إلى ألمانيا على أنها مترددة وغير مستعدة، وغير قادرة أو غير راغبة في منح أوكرانيا الأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها. على سبيل المثال، تطلب الأمر ضغوطا دولية هائلة لإقناع شولتس بالسماح بتسليم دبابات “ليوبارد-2” الألمانية الصنع إلى أوكرانيا. ومرة تلو الأخرى، قال المسؤولون الألمان إنهم لا يريدون إرسال أسلحة ثقيلة حتى يفعل الأمريكيون ذلك. ومن المحتمل أن يختفي ذلك الترف في انتظار موافقة واشنطن إذا فاز ترامب.
وفي حين تظهر أعداد الأسلحة التي تم تسليمها بالفعل أن الديناميكية تتغير الآن، إلا أن ألمانيا لم تكن قادرة على زعزعة سمعتها كقوة مترددة، وهي حقيقة يعترف مسؤولون ألمان رفيعو المستوى بأنها مصدر إزعاج في المناقشات الخاصة.
كذلك قال مسؤول مقرب من شولتس، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن هناك تفاهما في برلين على أن الدول الأوروبية الأخرى تواجه قيودا، ففرنسا تتعامل مع قيود مالية، وثمة انقسام إسباني داخل ائتلافها. وأضاف المسؤول أن ألمانيا ستواصل مع ذلك الضغط من أجل تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا.
داخل ألمانيا، يشكل خطر رك برلين تحمل طفلها في أوكرانيا مصدر قلق متزايد، لا سيما بالنسبة لدولة تتمتع بحس تاريخي أكبر بكثير من فرنسا بالمخاطر التي تفرضها روسيا.
وكان شولتس قد قال في وقت سابق من هذا الشهر: “إن شحنات الأسلحة التي خططت لها غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا حتى الآن صغيرة للغاية بكل المقاييس، ونحن بحاجة لمساهمات أعلى”.
وفي مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل، هناك أيضا شعور متزايد بأن المخاطر آخذة في الارتفاع وأن أوروبا لم تعد قادرة على التراجع. وفي ديسمبر، سُمح لرئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، حليف بوتين، بمنع الاتحاد الأوروبي من إرسال شريان حياة بقيمة 50 مليار يورو، يحتاج إليه اقتصاد الحرب المدمر في أوكرانيا بشدة.
في يوم الثلاثاء، وبعد يوم واحد من اجتماع الحزب الجمهوري في ولاية أيوا، تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تبدو حازمة، بإيجاد طريقة للموافقة على الأموال خلال قمة الأول من فبراير، مهما كانت الظروف. وفي حين قالت إنها تفضل اتخاذ قرار بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي، فقد أصرت على أنها مستعدة لتجاهل هنغاريا ببساطة إذا لزم الأمر. وقالت لـ “يورونيوز” خلال مقابلة في دافوس: “نحن مستعدون للتوصل إلى اتفاق بإجماع 26 من الدول الأعضاء”.
لكن السؤال الرئيسي الذي يطرحه المسؤولون الأوروبيون هو ما إذا كانت أوروبا قادرة على الحلول محل القوة الصارمة الأمريكية، خاصة في ضوء أدائها الضعيف في تعزيز الإنتاج الصناعي في محاولة لتلبية احتياجات أوكرانيا. وتقول بريطانيا وفرنسا إنهما تدخلان في اتفاقيات أمنية مع أوكرانيا، لكن من غير الواضح إلى أي مدى سيصل ذلك من دون دعم الولايات المتحدة.
وقد صرح أحد كبار مستشاري أوروبا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فرانسوا هيسبورغ لصحيفة “بوليتيكو” بأن رحيل الولايات المتحدة كان نقطة انعطاف تاريخية محتملة. وقال: “نحن غير مستعدين لهذا التغيير كما كنا مستعدين لنهاية الحرب الباردة عام 1989، التي كانت أخبارا سارة، أما هذه فأخبار سيئة”.
ويتابع هيسبورغ أن تصنيف ألمانيا كثاني أكبر مانح عسكري بعد الولايات المتحدة هو أمر مضلل إلى حد ما. وقل إن ألمانيا احتفظت بالكثير من مخزونها من الحرب الباردة، وزودت أوكرانيا بكثير من الأسلحة القديمة.
وقال: “هناك فرق حقيقي هو أن الفرنسيين والبريطانيين يقدمون أسلحة ذات أهمية استراتيجية ومفيدة، في حين أن الألمان لا يفعلون ذلك. فالألمان يقومون فقط بوضع علامات في مربعات الطلبات”.
وقد واصلت ألمانيا بالفعل رفض تزويد أوكرانيا بصواريخ Taurus الدقيقة بعيدة المدى خوفا من إمكانية استخدامها في ضرب الأراضي الروسية.
وقد قدم أعضاء المعارضة المحافظة في ألمانيا، الأربعاء، ممن كانوا يضغطون من أجل تقديم الائتلاف الحاكم الثلاثي بقيادة شولتس للمزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، اقتراحا في البرلمان يدعو الحكومة إلى تسليم صواريخ Taurus، فيما رفضت غالبية المشرعين هذا الاقتراح.
كما دعا المشرع الألماني المحافظ، نوربرت روتغن، الذي دعا بقوة إلى تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، إلى تسليم صواريخ Taurus، وصور القضية الأكبر بوصفها معركة وجودية.
وتساءل روتغن في حديثه لـ “بوليتيكو”: “هل نحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا وأمننا، أم أننا أكثر ميلا إلى الاستسلام؟ لا مقام هنا للخجل؟”، وأضاف أنه إذا أرادت أوروبا “التهرب من التحدي”، فإن حرب بوتين “ستقترب منا أكثر من أي وقت مضى”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم