تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوفير “ممر آمن” للمدنيين قبل شنّ عملية عسكرية في رفح وسط تحذيرات ومخاوف دولية متزايدة من هجوم على المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، وأصبحت الملاذ الأخير لأكثر من مليون نازح جراء الحرب.
وقال نتنياهو في مقابلة بثتها شبكة (إيه.بي.سي) اليوم الأحد إن “عددا كافيا” من 132 رهينة إسرائيلي على قيد الحياة في غزة يبرر استمرار الحرب الإسرائيلية في المنطقة.
واضاف اليوم الأحد إنه لم يتحدث إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ تصريحات الأخير بشأن كون الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “مبالغا فيه”.
وحذّر مصدر قيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأحد إسرائيل من أنّ أي عملية عسكرية قد تشنّها على مدينة رفح، ستؤدي الى “نسف مفاوضات” التبادل بين الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين.
وكانت الحركة حذّرت السبت من “كارثة” في رفح بحال شنّت إسرائيل عملية برية.
ويحتشد 1,3 مليون فلسطيني، أي أكثر من نصف سكان القطاع المحاصر، في رفح قرب الحدود مع مصر. وهم في غالبيّتهم العظمى فرّوا من العنف في شمال القطاع ووسطه عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) قبل أكثر من أربعة أشهر.
ad
وباتت رفح محور الترقب بشأن المرحلة المقبلة، خصوصا بعد تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الأسبوع أنه أمر الجيش بالتحضير لعملية فيها.
وقال نتنياهو في مقابلة ضمن برنامج “هذا الأسبوع مع جورج ستيفانوبولوس” عبر قناة “إيه بي سي نيوز” تُبثّ الأحد ونُشرت مقتطفات منها مساء السبت “النصر في متناول اليد. سنفعل ذلك. سنسيطر على آخر كتائب حماس الإرهابية، وعلى رفح، وهي المعقل الأخير” للحركة.
وتابع “سنفعل ذلك مع ضمان المرور الآمن للسكان المدنيين حتى يتمكنوا من المغادرة. نحن نعمل على وضع خطة مفصلة لتحقيق ذلك”، متحدثا عن وجود مناطق في شمال رفح “تم تطهيرها ويمكن استخدامها كمناطق آمنة للمدنيين”.
وردّا على الانتقادات الدولية الواسعة والتحذيرات من شنّ عملية كهذه، قال نتنياهو إن “أولئك الذين يقولون إنّنا يجب ألّا ندخل رفح مُطلقا، يقولون لنا في الواقع إنّنا يجب أن نخسر الحرب، ونترك حماس هناك”.
و صدرت مواقف عدة في السياق التحذيري، أبرزها على الصعيد الدولي من الولايات المتحدة الحليفة لإسرائيل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إضافة الى دول عربية تتقدمها السعودية والأردن وقطر والأردن.
وحضت فرنسا إسرائيل على وقف المعارك في قطاع غزة تجنبا “لكارثة”، مبدية قلقها الشديد بعد الضربات الإسرائيلية على رفح.
كما أعربت الإمارات عن “قلقها الشديد” إزاء “الانعكاسات الإنسانية الخطيرة” التي قد تتسبّب بها العملية العسكرية.
ودانت منظمة التعاون الإسلامي “محاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه”.
وفي طهران، دعا الرئيس إبراهيم رئيسي إلى “طرد” إسرائيل من الأمم المتحدة، مؤكداً أنّ “ما يحدث في غزة اليوم هو جريمة ضدّ الإنسانية”.
وكان مكتب نتانياهو أكد الجمعة أنه أمر الجيش بـ”تقديم خطّة لإجلاء السكّان والقضاء على كتائب” حماس في رفح.
– “أمر منطقي؟” –
وعلى بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال في خان يونس، أحد معاقل قيادة حماس حيث يتعقب الجيش الإسرائيلي مقاتليها منذ عدة أسابيع، يبدو القتال أكثر حدّة. وسمع مراسلو وكالة فرانس برس دوي انفجارات متواصلة وطائرات تحلّق في سماء المدينة، كما رأوا عدة أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد من المدينة وضواحيها.
ويأتي ذلك فيما أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني عن “أضرار في بوابة ومبنى مستشفى الأمل بخان يونس وخروج آخر سيارة إسعاف عن الخدمة جراء استهداف الاحتلال”، مشيراً إلى تواصل “سماع دوي الانفجارات في مدينة رفح خصوصاً على مدينة خان يونس”.
من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنّه “يواصل القضاء على إرهابيين وتنفيذ عمليات مركّزة في غرب” المدينة.
ويتزايد القلق بين المواطنين من شنّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في رفح.
وتجمّع العشرات في رفح قرب حطام سيارة دمّرها قصف إسرائيلي، وقال السكان إنها كانت تنقل عنصرين من الشرطة.
وقال محمد صيدم لفرانس برس “لم نعد قادرين. عندنا أطفال، عندنا نساء… قالوا رفح أمان. لا أمان في رفح، عن أي أمان يتحدثون؟ كل مكان يتم ضربه”.
وأضاف “نريد للحرب أن تنتهي”.
بدورها، قالت فرح محمد (39 عاماً) وهي نازحة مع أطفالها الخمسة من شمال القطاع لمخيم يبنى غرب مدينة رفح، “لا أعرف أين نذهب، لا أملك نقوداً للذهاب لوسط القطاع، كما أن الطريق خطير والموت في كلّ مكان”.
في سياق متصل، أشار مكتب الإعلام الحكومي في غزة إلى أنّ “الاحتلال يمنع وصول الشاحنات إلى محافظة شمال غزة”، مؤكداً أنّ الوضع الإنساني هناك “تجاوز المرحلة الكارثية”.
اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر عقب هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصًا، معظمهم مدنيّون، حسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة.
كذلك، احتُجز في الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 132 بينهم ما زالوا محتجزين في غزّة، و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنّهم قُتلوا، حسب أرقام صادرة عن مكتب نتانياهو.
وتردّ إسرائيل مذّاك بحملة قصف مركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع في القطاع، ما أسفر عن استشهاد 28176 شخصاً، غالبيّتهم نساء وأطفال، حسب أحدث حصيلة لوزارة الصحّة التابعة لحماس.
وأعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الأحد أن “القصف الصهيوني المتواصل على القطاع خلال الـ 96 ساعة الأخيرة أدى إلى مقتل 2 من الأسرى وأصاب 8 آخرين إصابات خطيرة وأن أوضاعهم تزداد خطورة في ظل عدم التمكن من تقديم العلاج الملائم لهم”.
وأثار التلويح بعملية عسكرية وشيكة في رفح، قلق بعض الإسرائيليين من تأثير ذلك على الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في القطاع.
وقال جيل غوردون لوكالة فرانس برس مساء السبت خلال تظاهرة في تل أبيب “من الواضح أنّ نتانياهو يطيل أمد الحرب، وليس لديه أيّ فكرة عما سيفعله في اليوم التالي”. وأضاف “إنه يكتفي بقول لا… وليس لديه حلّ آخر غير الحل العسكري”.
بدورها، قالت أورلي زينغر (55 عاما) “كيف يمكن التفكير أن تهجير 1,4 مليون شخص من رفح هو أمر منطقي؟ هذا عبثي. لا أعتقد أنه أمر قابل للتحقيق. من المحزن أن نرى الى أي مدى وصلنا”.
ونزل إسرائيليون الى شوارع تل أبيب ليل السبت للمطالبة بتأمين الإفراج عن الرهائن واستقالة نتنياهو.
وأتاحت هدنة لأسبوع أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، الافراج عن أكثر من مئة رهينة لقاء إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وتتواصل الجهود الدبلوماسيّة للتوصّل إلى هدنة جديدة تتيح تبادل الرهائن والمعتقلين وزيادة المساعدات.
في الرباط، تظاهر آلاف المغاربة الأحد تعبيرًا عن دعمهم للشعب الفلسطيني ومطالبين بإنهاء تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل ومنددين بـ”إبادة” في قطاع غزة.
– ارتفاع “خرافي” في الأسعار –
وفي ظل الوضع الإنساني الكارثي في رفح التي لا تصلها مساعدات كافية، يعاني السكان من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية.
ويتجول أبو محمد ربيع (54 عاما) في سوق المدينة بحثا عن طعام يشتريه لعائلته المكونة من تسعة أشخاص نزحوا من مدينة غزة للإقامة في خيمة بغرب رفح “لا يكفي القصف والقتل والدمار والخوف هنا، بل ايضا ارتفاع الاسعار الخرافية وكأننا نعيش في اوروبا”.
وأضاف “كل الشعب فقير ومعدم كيف يمكن ان يكون سعر كيلو الطماطم 7 شيكل (دولاران) والبطاطس 10 شيكل، البصل تجاوز سعره خمسين شيكل، البيض 75 شيكل؟ لم اشترِ شيء، كل ما املكه عشرون شيكل ماذا سأشتري بها ليكفي عشرة اشخاص؟ اصبحنا نتمنى الموت افضل من العيش بهذه الطريقة، نعيش لننتظر الموت اما بالقصف او من الجوع”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم