الرئيسية » كتاب وآراء » حرب من دون حرب…

حرب من دون حرب…

 

باسل علي الخطيب

هذا هو الوضع الذي عليه المنطقة حالياً: مرحلة ما فوق الاستنزاف و ما تحت الحرب…..
الكيان يريد أن يعكس (حرب الاستنزاف) من استنزاف له إلى استنزاف للمقاومة، يريد مراكمة الضغط على المقاومة اللبنانية إلى الحد الذي يمكن فيه إنهاك الجسد اللبناني و إنهاك بيئة المقاومة، و بعد ذلك يوجه ضربته القاضية….

يرى الكيان أن أمامه فرصة لن تتكرر أبداً، هكذا فرص لا تأتي إلا كل خمسين عاماً، و هي عادة تكون لحظات مفصلية في تاريخ المنطقة، كانت إحداها على سبيل المثال حرب 1967، يرى أن أمامه فرصة عليه اغتنامها، و بالتالي يذهب باتجاه خطوات قد تكون مدروسة في ظاهرها، و لكنها خطوات انتحارية حقاً، و كأني بالصهاينة يراهنون على حكمة محور المقاومة، أنهم أي الصهاينة يستطيعون أن يفلتوا (مجانينهم)، أما محور المقاومة فيضبط (مجانينه)….

نعم، يرى الكيان أنه أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم هندسة جديدة للمنطقة، لأنه و حسب الوضع الحالي، وتحديداً الوضع الداخلي في الكيان على كل المستويات، سيكون وضعه قلقاً جداً في خريطة المنطقة مستقبلاً، وقد فقد أو كاد يفقد دوره الوظيفي، ذلك تراه يذهب إلى التصعيد غير المحسوب، و هذا التصعيد سيقابل بتصعيد، ليليه تصعيد لاحق، نعم، الصهاينة ينجحون في فتح الملفات والتي هي هنا الجبهات، ولكن لايستطيعون اغلاقها….
هذا هو المأزق الاستراتيجي الذي يعيشه الكيان الآن….

الحروب التقليدية لم تعد تحقق أهدافها، خذوا على سبيل المثال العدوان على غزة، الحرب لم تحقق أهدافها الأساسية، سوى أن الصهاينة ارتكبوا كل ما يريدون ارتكابه من مجازر و تدمير، كانت الإستراتيجية الصهيونية تقوم سابقاً على هندسة المنطقة أولاً ثم التفرغ لتصفية القضية الفلسطينية، يبدو أن هذه الاستراتيجية فشلت بعد فشل صفقة القرن، وبعد فشل الصهاينة في تحييد سورية، قرر الصهاينة عكس تلك الاستراتيجية، اي هندسة المنطقة انطلاقاً من فلسطين، تصفية القضية الفلسطينية عبر القضاء على عناصر القوة، لذلك كان ذلك الإيغال المتوحش في الدم الفلسطيني في غزة، و السعي للقضاء على المقاومة في كل اشكالها في الضفة، مع زيادة الاستيطان هناك، و إطلاق يد المستوطنين، و لا أستغرب بأن يأتي يوم و يعلن الصهاينة فيه ضم الضفة على مراحل، و إنهاء إتفاقية أوسلو و القضاء على السلطة الفلسطينية، وبعد ذلك ينطلقون إلى هندسة المنطقة على أساس أن (القضية المركزية) قد تم تصفيتها….

طبعاً المقاومة اللبنانية ستلجأ إلى الرد، والرد سيكون نوعياً جداً ومؤلماً جداً، وظني أنه سيكون مفاجئاً جداً للكل، و تدحرج الأمور مرهون بالرد الصهيوني اللاحق، نعم، ما حصل يومي الثلاثاء و الأربعاء الماضيين كان ضربة موجعة و كبيرة للمقاومة، و أثبت أنه يوجد خلل بنيوي كبير في البنية الامنية للمقاومة، و زادت دلالات هذا الخرق بالاعتداء على الضاحية الأمس و اغتيال القادة الشهداء، و لكن هذا لم ولن يسقط المقاومة، و الدليل، العدد الكبير من العمليات الذي نفذتها المقاومة خلال الأيام الماضية، و رغم أن هذا لا يمكن تسميته بالهدوء أقصد عمليات المقاومة، إلا أنني أطلق عليه (هدوء ما قبل العاصفة)، السؤال الكبير الذي يطرح الآن، ماذا سيحصل بعد العاصفة، و أقصد بالعاصفة هنا رد المقاومة، هل تتحول العاصفة إلى إعصار لا يبقي و لا يذر؟؟؟!!…

هنا، يجب أن نتحدث عن دور الولايات المتحدة، العلاقة بين الولايات المتحدة و الكيان أكبر مما يقال عبر وسائل الإعلام، و لا تحددها تلك المهاترات التي يحكى عنها بين هذا السياسي من هنا و ذاك السياسي من هناك، العلاقة بين الولايات المتحدة و الكيان علاقة مؤسساتية، لا يمكن للمؤسسة العسكرية و الأمنية الأمريكية أن تسمح بهزيمة الكيان في هذه الحرب، على فكرة هذا تطور يحسب لصالح محور المقاومة، كان الهدف بعيد عملية طوفان الأقصى في سبعة أكتوبر من إطلاق يد الكيان، أن يحقق هذا الكيان نصراً حاسماً لاشك فيه، بعيد قرابة السنة صار الهدف ألا يهزم هذا الكيان، و شتان ما بين الأمرين….
ما حدث يومي الثلاثاء و الأربعاء، حدث جلل و مفصلي في تاريخ الكوكب، يبدو أن أمريكا بدت تعي أن النظام العالمي القديم قد انتهى، و يبدو أنها اقرت بذلك مع نهايات الحرب على سورية و بدء الحرب في أوكرانيا، لذلك تريد أن تفرض هي لا غيرها أسس النظام العالمي الجديد…
البداية كانت مع غزة، مع العدوان على غزة، الدول الخمسة الكبرى في ذاك الغرب ،الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، قدمت دعماً لامحدوداً للكيان، و كانت مستعدة للدفاع عنه، و التغطية على أعماله، وسمحت له بخرق كل المعايير التي قام عليها النظام العالمي القديم، حتى اثناء الحرب على سورية، كان هناك محاولات ولو بالشكل للحفاظ على المؤسسات الدولية، ما قام به الكيان في غزة، نتيجة هذا الدعم اللا محدود، دمر كل المعايير التي قام عليها النظام العالمي القديم، ما حدث يومي الثلاثاء و الأربعاء من تفجير أجهزة البيجر، هو القضاء النهائي على تلك القواعد التي قام عليها النظام العالمي، أصبحت التجارة بالمعنى الحرفي للكلمة جزءً من الحرب العسكرية، المفارقة، أن العولمة اصبحت مهددة، و العولمة هي مشروع معياري أمريكي، و هي أس التجارة العالمية، وهي أساس النظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991….

نعم، يبدو أن هذه الدول بدأت تعتبر أن النظام العالمي الذي كان قائماً بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد مناسباً، و إذ كانت الحرب على سورية أعلنت نهاية هذا النظام العالمي الجديد، فإن حافات الصراع الحالي على مستوى العالم ترسم ملامح النظام العالمي الجديد: غرب آسيا ، أوكرانيا، بحر الصين، امريكا لاتستطيع تحمل هزيمة الكيان، وتعتبر ذلك مدماكاً أساسياً في سياق وضع اسس النظام العالمي الجديد…

هنا نأتي الى نقطة مهمة، نجح محور المقاومة في فرض معايير النصر أو الهزيمة، وقد فرض هذه المعايير على العدو، المعيار الأول هو فك الارتباط مع جبهة غزة، ايقاف جبهة الاسناد، والمعيار الثاني هي عودة المستوطنين إلى الشمال..

المقاومة قبلت التحدي، هل نحن أمام ايام صعبة ومفصلية، نعم، هل دخلنا لحظة التحول العالمية؟ نعم، ماهي خيارات المحور؟..الذكاء الاستراتيجي في تعاطي المحور مع مايحصل أنه لم يضع أهدافا عالية السقف أو مستحيلة:اوقفوا العدوان على غزة، تتوقف جبهات الاسناد، نقطة على السطر…

هذه حرب النقاط وليست حرب الضربات القاضية، هذه استراتيجية وضعتها سورية ومارستها في الصراع مع الكيان الصهيوني منذ خروج مصر من الصراع، وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحات كبيرة، راكمت سورية عناصر القوة عبر دعم حركات المنطقة على مستوى المنطقة، والنتيجة كانت مذهلة بعد أربعين سنة من هذه الاستراتيجية، الكيان امام أزمة وجودية، لأن الصهيونية فقدت قوتها الدافعة…..

يجيد الكيان الحرب عن بعد، وهذا أمر يستغله إلى أبعد حدود، مقتل الكيان في حروب الالتحام، لذلك كانت عملية طوفان الأقصى مرعبة لهم، الخطوة الاستراتيجية الأكبر للمقاومة أن تنقل المعركة إلى شوارع مستوطنات العدو، هل حان وقت هذا القرار؟ دعونا ننتظر….
(موقع سيرياهوم نيوز-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المعادلة الجديدة بعد أل بي جر.

  كتب د. المختار على صفحته — بنظرِ الإ.سر.ائيل.يين إنّ فرحتُهم لم تكتمل لأنَّ قادتَهم لم يحسنوا استغلالَ عمليةِ “البي.جر” — التي لاتخلو من استعرلض ...