أ.د. محمد تركي بني سلامة
تتشابه أنظمة الاستبداد مهما اختلفت الأزمنة والأماكن، فهي قائمة على نهج موحّد من القمع والفساد، تسعى من خلاله إلى السيطرة المطلقة على الشعوب وتكميم الأفواه، غير مدركة أن دوام الحال من المحال، وأن عدالة الشعوب هي اليد التي تقلب موازين الطغيان، مهما طال بها الزمن.
إن أبرز ملامح أنظمة الطغيان تكمن في ممارساتها القمعية التي لا تعترف بحدود أخلاقية أو قانونية. من القتل خارج إطار القانون إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تُغلق هذه الأنظمة كل أبواب الحرية، لتفتح بالمقابل أبواب السجون والمعتقلات. في ظل هذه السياسات الوحشية، يتحوّل الوطن من ملاذ آمن إلى ساحة مفتوحة للترهيب والخوف.
لكن القمع ليس وحده السمة المشتركة. في ظل هذه الأنظمة، تصبح الثروات الوطنية حكرًا على فئة صغيرة من المنتفعين الذين يكدّسون المال والسلطة، بينما تعاني الأغلبية الساحقة من الفقر والتهميش. الفساد يصبح ثقافة عامة، والبطالة والجوع والجريمة تنتشر كالنار في الهشيم، لتُثقل كاهل المواطن الذي يجد نفسه عالقًا بين مطرقة القمع وسندان الفقر.
ولم تقتصر ممارسات هذه الأنظمة على الداخل فقط، بل امتدت لتشمل خيانة قضايا الأمة. من الشرق إلى الغرب، تتشابه الأنظمة المستبدة في تفريطها بالمصالح الوطنية والقومية، واستبدالها بالتحالفات الخارجية التي تضمن استمرارها على حساب تطلعات شعوبها. في اليمن وليبيا وسوريا، كان ثمن هذا التواطؤ باهظًا، حيث أُهدرت الأرواح وضاعت الثروات تحت ستار المصالح الضيقة.
لكن عجلة الزمن لا تتوقف، وكما أن هناك بداية لكل طغيان، فهناك أيضًا نهاية حتمية. تنهار قواعد الشرعية التي تستند إليها هذه الأنظمة تدريجيًا، مع تزايد وعي الشعوب وتصاعد غضبها. النخب المستفيدة من فساد هذه الأنظمة تنأى بنفسها مع اشتداد الأزمة، والجيوش وأجهزة الأمن التي كانت حصنًا لها تتحطم أمام الإرادة الشعبية. الحلفاء الخارجيون الذين طالما مدّوا الأنظمة المستبدة بمقومات البقاء يتخلون عنها عندما تصبح عبئًا سياسيًا.
التاريخ مليء بالأمثلة على ذلك. من سقوط شاه إيران، إلى انهيار نظام حسني مبارك في مصر، وصولاً إلى نظام بشار الأسد الذي كان رمزًا للقمع والاستبداد لعقود. الثورة السورية كانت صرخة مدوية في وجه الطغيان، استمرت لأكثر من عقد، ودفع فيها الشعب السوري ثمنًا باهظًا من أرواح أبنائه ومقدرات وطنه. لكنها كانت أيضًا دليلًا على أن الشعوب لا تُقهر، وأن فجر الحرية لا بد أن يبزغ مهما طال الليل.
إن الثورة ليست مجرد فعل احتجاجي، بل هي نتيجة حتمية لممارسات الطغيان. مع نضوج الوعي الثوري لدى الشعوب، يتحوّل الغضب الشعبي إلى بركان ثائر لا يمكن احتواؤه. تدرك الشعوب في النهاية أن الصمت على الظلم يعني استمرار القمع والاضطهاد والفساد، وأن الطريق إلى الحرية لا يمر إلا عبر المواجهة والصمود.
الثورة السورية خير مثال على ذلك. كانت الثورة أكثر من مجرد انتفاضة ضد نظام مستبد؛ كانت تعبيرًا صادقًا عن تطلع الشعب السوري إلى الكرامة والحرية. أصبحت رمزًا عالميًا للصمود في وجه الظلم، ومصدر إلهام للشعوب الأخرى التي ما زالت تخضع لأنظمة استبدادية مشابهة.
ختامًا، الطغاة قد يظنون أن قبضتهم الحديدية كفيلة بحمايتهم إلى الأبد، لكن التاريخ يثبت عكس ذلك. الشعوب لا تنسى، والظلم لا يدوم. السؤال الآن ليس هل ستثور الشعوب، بل متى ستثور؟ الإجابة تكمن في إيمان الشعوب بحقها في التغيير، وفي قوة إرادتها لتحقيق الحرية والكرامة. الثورة ليست خيارًا، بل هي قدرٌ تفرضه الشعوب عندما تعي قوتها وتكسر قيودها.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم