عماد الدغلي
الرياضيات علم الدراسة المنطقية لكم الأشياء وكيفها وترابطها والدراسة المجردة البحتة التسلسلية للقضايا والأنظمة وهو مرتبط بتفاصيل الحياة اليومية وبالعلوم المختلفة إذ تتجلى التطبيقات الرياضية في الطبيعة والتكنولوجيا والفن والأدب والهندسة المعمارية والفيزياء وعلم الأحياء والعلوم البيولوجية وعلم الاجتماع والتاريخ وتشغيل الآلات ومجالات البناء والبنوك والأبحاث ورسم الخرائط.
ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار السوري وقارئ النقوش الكتابية القديمة في تصريح لـ سانا: إن الرياضيات هي سبب قدرة الإنسان على الاستدلال المنطقي والتفكير النقدي والفراغي والمكاني وبفضلها ترسخت لدى البشر مهارات التواصل اللازمة والفعالة في الحياة وتعززت لديهم القدرة على الابتكار من أجل الوصول إلى الحلول مبيناً أنه من خلال الرياضيات بفروعها المختلفة “الحساب والجبر والهندسة والفلك” تمكن الإنسان من دراسة وتحليل العلاقات بين الظواهر الطبيعية المختلفة والتعرف على بعض القوانين التي تحكم الكون.
ووفق المؤرخ السيد يمكن اعتبار الرسم والتلوين على جدران الكهوف والمغر أول أشكال الكتابة في التاريخ والمراحل الأولى التي سبقت اختراع نظم الكتابة فمع نهاية العصر الحجري بدأ الإنسان بالرسم والتلوين على الصخور وعلى جدران المغر والكهوف.
ويشير المؤرخ السيد إلى أن أقدم هذه الرسوم حتى الآن اكتشف في مغارة لاسكو شمال فرنسا وتناولت على الأرجح الطقوس السحرية للصيادين وتحتوي على أقدم دليل في العالم على استخدام الرسم في العد والإحصاء وعلى سبيل المثال فقد كرر الرسام في أحد الرسوم صورة الثور مرات عدة.
وتنسب للعصر الحجري وفق السيد بعض القطع العظمية المكتشفة التي رسمت عليها العديد من الخطوط أو الشقوق والتي ربما كانت وسيلة لحساب الأشياء مثل مرور الأيام أو الأشهر القمرية أو حساب عدد الطرائد.
ويبين السيد أن الدراسات اللغوية واللقى الأثرية والنقوش الكتابية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية توثق إسهامات الحضارة السورية ودورها الرئيس في ظهور نظم الكتابة والحساب وتطورها في العالم وريادة الحضارة السورية في ميدان الكتابة والحساب والتي لم تكن محض صدفة بل ثمرة التقدم الحضاري الذي دأب السوريون على إنجازه في العصور السابقة.
ويعتبر علم الحساب أول علم من علوم الرياضيات وفي سورية ابتكرت للمرة الأولى في العالم قطع حجرية هندسية صنعت وفق السيد من حجر كلسي بهدف العد وتدوين عدد من السلع المتبادلة اكتشفت أقدمها في موقع تل الجرف الأحمر ويبلغ ارتفاعها 1.7 سم وتؤرخ بالألف التاسع قبل الميلاد ومحفوظة بالمتحف الوطني بدمشق وهي أقدم من القطع الهندسية الصغيرة المصنوعة من الطين المشوي والمكتشفة في بلاد الرافدين والمؤرخ أقدمها بالألف السابع قبل الميلاد والتي تجسد حواراً بين شخصين بهدف تدوين عدد السلع المتبادلة بينهما وهذه الرموز تشير إلى الحيوانات والمنتجات الزراعية كالخراف والقمح والزيت.
وانطلاقاً من الألف الرابع قبل الميلاد ولتجنب فقدان هذه القطع وتسهيل عملية نقلها وحفظها تم وفق السيد وضعها داخل كرات طينية مجوفة ومغلقة كما صور على سطح هذه الكرات شكل القطع الموجودة في الداخل منعاً من التزوير واستخدمت في حساب الضرائب الواجب على المزارعين دفعها للملك مشيراً إلى أننا في سورية نملك الكثير من هذه النماذج منها كرة طينية ممهورة بختم اكتشفت في موقع تل حبوبة الكبيرة وتؤرخ بحوالي 3200 ق.م.
ويقول السيد: إن أولى محاولات التدوين على ألواح أو رقم مصنوعة من طين ظهرت في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد وكانت عبارة عن نصوص حسابية سجلت عليها أعداد رؤوس الماشية وأكياس الطحين وجرار الزيت ومنتجات أخرى واكتشفت أهم هذه الرقم في جبل عارودة وتل براك وتل حبوبة الكبيرة.
ويتابع: إنه في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد ظهرت الرقم الطينية التي وثقت بواكير محاولات الانتقال من الرمز الصوري إلى التدوين بالرموز المسمارية واكتشف أهمها في موقع تل براك وتل جبل عارودة والرقم محفوظة في متحف حلب ومتحف دير الزور.
ويقول السيد: في سورية اكتشف أقدم دليل في العالم حتى الآن على استخدام أداة تشبه القلم في التدوين والكتابة في موقع “تل الجرف الأحمر” الأثري على الضفة اليسرى لنهر الفرات وهو لوحات حجرية بازلتية حفر عليها أقدم أنواع الكتابة الصورية في العالم وأقدم دليل على العد والإحصاء في العالم حيث استخدم المدون نحت رأس الثور وكرره عشرات المرات في عملية الحساب ومع العلم أن صورة رأس الثور ترمز في الكثير من الكتابات القديمة إلى حرف الألف كما هو الحال في الكنعانية والكتابة الصورية البدائية السينائية والكتابة الفينيقية وتنسب اللوحات إلى عصر “النيوليت ما قبل الفخاري أ” ويمكن تأريخها في الفترة الواقعة بين 8700 و8500 سنة قبل الميلاد وهي محفوظة في المتحف الوطني بدمشق.
ويخلص السيد إلى أن ما سبق يوثق إسهامات الشعب السوري في ابتكار وتدوين العد والأرقام ويختلف العدد عن الرقم ويتكون العدد من خانة واحدة بينما يتكون الرقم من أكثر من خانة والرقم هو الشكل الرمزي للعدد والذي يعبر عنه بالكتابة لتمييزه عن غيره فالأرقام هي سلسلة من الرموز الثابتة للتعبير عن كمية ما لأي شيء معدود.
وأصبح العد في الألف الثالث قبل الميلاد نظاماً قائماً بذاته بفضل السومريين الذين هم أول من اكتشفوا الصفر في العالم وعبروا عنه بإشارة لوتد مزدوج مائل ومن بعدهم البابليون الذين أشاروا في بادئ الأمر إلى الصفر عن طريق ترك مسافة فارغة بين النقوش المسمارية التي تمثل الأرقام ثم دونوا الصفر برمز على شكل وتد مزدوج زاوي الشكل علماً أن أصل كلمة صفر ترجع إلى الترجمة الحرفية العربية للكلمة السنسكريتية سونيا وتعني الفراغ.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا