سامي حداد
حين تتكرر إطلالة رضا بهلوي على منابر مثل «فوكس نيوز» و«بي. بي. سي»، فذلك جزء من إستراتيجية إعادة تشكيل الرموز. يُعاد تعويم ولي عهد نظام سقط تحت ثقل شعبه، وتُفتح له المنصات كأنه «البديل الطبيعي»، في لحظة تصبح مشروعاً مكشوفاً لإعادة إنتاج الهيمنة
بينما تتعالى ألسنة النار بين الكيان الإسرائيلي وإيران، وتُفتح الجبهات العسكرية على الحدود، هناك جبهة أكثر هدوءاً، لكن أشد فتكاً: جبهة الإعلام. في قلب هذه الجبهة، عاد إلى المشهد مَن كان قد اختفى في هامش التاريخ: رضا بهلوي.
ابن الشاه، وولي عهد النظام الديكتاتوري الذي أطاحته الجماهير قبل أكثر من أربعة عقود، عاد فجأة، لا كذكرى، بل كأمل يُقدَّم بلطف أمام كاميرات الغرب.
ليس في السياسة مصادفة. حين تتكرر إطلالة رضا بهلوي على منابر مثل «فوكس نيوز» و«بي. بي. سي» ويُمنَح مساحة في صحف ومجلات كبرى، ويُقدَّم حديثه بلغة ناعمة، محايدة، فذلك ليس انفتاحاً إعلامياً، بل جزء من إستراتيجية إعادة تشكيل الرموز.
الإعلام، الذي تجاهل رضا لعقود، قرر فجأة أن يمنحه دوراً مركزياً، عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، ووسط حملة دعائية مركّزة تهدف إلى تفكيك صورة النظام، وإعداد الأرضية لنموذج بديل، أكثر طواعيةً، وأكثر قرباً من المزاج الغربي.
لا تكمن الخطورة في شخص رضا، بل في بنيته الرمزية. هو لا يأتي بوصفه مشروعاً وطنياً نابعاً من سياق معقّد، بل كمنتج سياسي مُعلّب، مُحمّل بكل «شعارات» العصر: الديموقراطية، والحريات، والتغيير السلمي.
حملة دعائية تهدف إلى تفكيك صورة النظام وإعداد الأرضية لنموذج بديل
إلا أنّ هذه المصطلحات، في فمه، لا تُنطق خارج ظلّ والده. كل كلمة يتلفّظ بها، تُرجع صداها الجدران الباردة إلى سجون السافاك، وترددها صيحات القمع والولاء للغرب… الغرب نفسه الذي باع الشاه بعد سقوطه وطرده من بلدانه.
لم يولد من ثورة، بل من قصر. لم يحمل إرادة شعب، بل ميراث عرش. وكل محاولاته لتقديم نفسه كرجل «جديد» تنهار أمام حقيقة واحدة: إنّه ابن النظام الذي أسقطته ذاكرة الناس قبل أن تسقطه المعارك.
الإعلام كأداة تعويم
ما تفعله وسائل الإعلام الغربية اليوم، ليس تغطية لـ «رأي معارض»، بل هندسة لرمزية جديدة تُصاغ بدقّة فائقة. تُنحت صورة رضا بهلوي كأنها حجر زاوية في بناء «إيران المرغوبة»، لا تلك الواقعية، بل تلك الممكنة في خيال العواصم الأجنبية.
وإن بدا هذا النحت ناعماً، فهو في جوهره تلغيم. فالإعلام الذي يحتفي به اليوم، هو ذاته الذي كان شريكاً في طرد والده حين انتهت وظيفته التاريخية. يعود اليوم ليصنع من الابن قناعاً للعبة القديمة نفسها، لكن بطلاء ديموقراطي.
يُعاد تعويم ولي عهد نظام سقط تحت ثقل شعبه، وتُفتح له المنصات كأنه «البديل الطبيعي»، في لحظة تصبح مشروعاً مكشوفاً لإعادة إنتاج الهيمنة ولكن بوجوه أكثر قبولاً، وأقل ضجيجاً.
رضا بهلوي لا يُطرح بوصفه زعيماً، بل كواجهة ممكنة في سياق محاولات الغرب إعادة ترتيب المشهد في طهران. وليس هو الهدف، بل الأداة. ليس الصوت، بل الصورة، وفي هذا كله، تتكرّر المعادلة: شخصيات تُدفع إلى الواجهة لا لحلولها، بل لسهولة تدويرها.
قد يقال إنّ الشعوب تنسى. حسناً لكن الذاكرة الجماعية لا تُصاب بالشلل الكامل.
تُرهقها الأكاذيب، نعم. تُربكها الكاميرات، ربما. لكنّها تظل تحتفظ بالبذور الصلبة: من كان حاكماً، من كان جلاداً، ومن جاء على ظهر التاج لا على أكتاف الناس.
مهما غيّر خطابه، يظلّ رضا بهلوي الابن الذي لم يغادر عباءة أبيه. وإن بدا ناعماً اليوم، فهو استمرار ليدٍ لم تترك سوطها إلا حين كُسرت.
وما يحاول الإعلام إخفاءه، يظهر في كل لقطة: ليس في ملامحه فقط، بل في صمته عن ماضيه.
في النهاية لا يمكن غسل التاريخ بالإضاءة. ولا يمكن فصل رضا جونيور عن صورة أبيه، مهما أجاد الأداء.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار