مروة جردي
لا تكاد حرب تشتعل بين طرفين في هذا العالم حتى يُستدعى اسم كيم جونغ أون كثالث لهما. ليس بوصفه لاعباً مباشراً، بل باعتباره شخصية رمزيةً، أو أيقونة «ميميّة» يستنجد بها جمهور غاضب ومقهور في وجه الغطرسة الغربية. الرجل الذي روّجت له الماكينة الإعلامية الغربية لسنوات بصورة «الديكتاتور المجنون»، المتقلب، الذي يهدد باستخدام النووي لأتفه الأسباب، تحوّل ـ من دون أن يدري ـ إلى بطل شعبي من نوع خاص: حادّ، غير متوقَّع، ومحصّن ضد سطوة الرأسمالية العالمية.
يا كيم.. أطلق النووي وريحنا!
هذا الهتاف بات يتكرر مع كل مجزرة أو عدوان ترتكبه إسرائيل أو حلفاؤها الغربيون. ومع كل قصف على غزة، أو تهديد لإيران، تنتشر صور معدلة للزعيم الكوري الشمالي، حاملاً صاروخاً تحت إبطه، أو يضغط زر الإطلاق من غرفة معتمة، بينما يعلو تعليق ساخر: «يا كيم… اضرب! » أو السخرية من أنّ القوى الغربية تتجرأ على الجميع ما عدا «كيم» في إشارة إلى قوته.
في الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، تضاعف هذا الخطاب الشعبي، وسط إحساس عام بأنّ العالم منحاز بالكامل، وأن الأمم المتحدة والنظام الدولي صارا جزءاً من أدوات القتل لا منعه. هنا لا يُرى كيم كمخلص، بل كأداة انتقام رمزية من عالم لا عدالة فيه، أو كحالة يسعى الجميع للوصول لها أن «يخاف العالم منك» حتى «الغرب المتوحش المتنمر».
هكذا انتشرت تغريدات فكاهية بين من تدّعي استعداد كوريا الشمالية لدخول الحرب إلى جانب إيران، أو أنّ على كيم الرد لأنّ «نتيناهو أساء الأدب معه»، وبين منشورات تحرّض كيم بأن صواريخه سيصيبها الصدأ إذا لم يستخدمها الآن، وغيرها الكثير:
بعيداً عن النووي والصواريخ، فإن صورة كيم في المخيلة الشعبية اليوم ترتبط برفض الغرب من حيث الأساس: لا «آيفون»، لا «ماكدونالدز»، لا خضوع لشروط البنك الدولي، لا تقنيات خفية تخترق شبكات الدولة. جمهورية معزولة لكن صلبة، تصنع أدواتها بنفسها، وتعيد اختراع كل شيء بطريقتها. حتى لو كان ذلك على حساب حرية شعبها، فإن ما يراه جزء من الجمهور العربي والعالمي هو هذا: دولة لم تُخترق بعد. كأن كيم يقول للعالم: يمكن الوقوف في وجه النظام الدولي، حتى ولو كنت وحدك. فهو بذلك يخاطب أحلام الأفراد والجماعات معاً.
بطل مضاد أم شرير حليف للضحايا؟
قد لا يكون كيم بطلًا بالمقاييس التقليدية، لكنه بالتأكيد ليس شريراً في سرديات المهمّشين. بل لعله أقرب إلى «الشرير الطيب» في أفلام الكرتون، ذاك الذي يظهر في المشهد الأخير لينتقم من شرير أكبر. إنه «الظل» في مقابل «الظل الإمبريالي»، و«السلاح الأخير» الذي يعرف الجميع أنه لن يُستخدم، لكنهم يستلذّون بفكرة وجوده.
رغم أن كيم جونغ أون لا يمثل الدفاع عن الحقوق، ولا يُناصِر القضية الفلسطينية مباشرة، فقد تحوّل – من دون قصد – إلى رمز لمقاومة قوية ضد هيمنة لا تُقارن بالقوة العسكرية وحدها، بل بالحضور الإعلامي. في المشهد العالمي الأخير، أثبت أنّ بعض الدعوات الساخرة أو المطلقة للعنف تخفي رغبة جماعية متراكمة للتحرر والمواجهة، ولو بذريعة زعيم مجهول لصراعات لم يبدأ فيها من الأساس.
في زمن تعجز فيه الدول عن الدفاع عن نفسها، ويتحوّل الإعلام إلى شريك في القتل، قد يصبح «دعاء الضحايا» موجهاً إلى زعيم بعيد، لا يتكلم لغتهم، لكنه ـ بنظرهم ـ أقرب إلى العدالة من كل مؤسسات العالم.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار