يوسف فارس
جمّدت خرائط إعادة الانتشار في قطاع غزة، والتي حملها الوفد المفاوض الإسرائيلي في جعبته إلى الدوحة، مفاوضات صفقة التبادل، بعد أن رفضت المقاومة تلك الخرائط وتمسّكت بخطوط الانسحاب إلى ما قبل 2 آذار الماضي. ووفقاً لما تمّ تسريبه من معلومات، فإن إسرائيل تسعى من خلال ما حدّدته من خرائط لتثبيت أمر واقع مستدام، يفضي إلى احتلال نحو 40% من مساحة القطاع، تمتد على طول الحدود الشمالية والشرقية له، من بيت حانون وصولاً إلى بيت لاهيا وحتى محور «فيلادلفيا» في مدينة رفح جنوبي القطاع.
وتقول مصادر فصائلية مطّلعة إن «خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي تبقي كل مدينة رفح تحت الاحتلال، وهو ما اعتُبر تمهيداً لتطبيق خطة التهجير بجعل رفح منطقة تركيز للنازحين لتهجيرهم إلى مصر أو عبر البحر. كما تقضم الخريطة مسافة عميقة على طول حدود غزة تصل في بعض المناطق إلى 3 كيلومترات، وتضم أجزاء واسعة من مدينة بيت لاهيا وقرية أم النصر ومعظم بيت حانون وكامل بلدة خزاعة، وتقترب من شارع السكّة في مناطق التفاح والشجاعية والزيتون، وتصل إلى قرب شارع صلاح الدين في دير البلح والقرارة.
وبالتالي، تمنع الخريطة نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى بيوتهم، ما يجعلهم بلا مأوى ويدفعهم إلى السكن في مركز تجميع النازحين في مدينة رفح. وفي الإعلام العبري، تتصدّر المشهد «مدينة الخيام» المنويّ إنشاؤها على خرائب رفح والتي ستُخصّص لاستيعاب 700 ألف نازح سيُعاملون معاملة السجناء، وصولاً إلى إجبارهم إلى الهجرة من القطاع إلى دولة تستقبلهم.
وفي محاولة لإجهاض المخطّط المرتبط بالإبقاء على احتلال محور «موراغ»، أبلغت «حركة حماس الوسطاء بأنها غير مستعدّة لمناقشة قضايا أخرى في الدوحة في الوقت الحالي مثل قضية تبادل الأسرى حتى يتم حلّ الخلاف حول محور موراغ»، بحسب ما ذكرته «القناة 13» العبرية، فيما قدّرت قناة «كان» بأنه في حال وافقت إسرائيل على الانسحاب من «موراغ» في إطار صفقة تبادل أسرى، فإن خطة إقامة ما يُسمى «مدينة إنسانية» ستُلقى في سلة مهملات التاريخ.
إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي تبقي كل رفح تحت الاحتلال تمهيداً لتطبيق خطة التهجير
وتكمن خطورة الإبقاء على خطوط إعادة التموضع الإسرائيلية، في التسليم لفرضية اقتطاع بلدات وأحياء ومدن بأكملها من جغرافيا القطاع، تشكّل الحيز المكاني لما نسبته 35% من تعداد سكانه؛ إذ يسكن مدينة بيت حانون مثلاً، التي سيصادر الاحتلال 90% من أراضيها، نحو 50 ألف إنسان. أما حي الشجاعية، فيسكنه نحو 100 ألف نسمة، فيما يتجاوز عدد سكان مدينة رفح المدمّرة نحو 170 ألفاً. ويضاف إلى ذلك أن المناطق الشرقية للقطاع تمثّل مصنع القطاع وسلة الغذاء الأكثر أهمية، حيث تتركّز فيها أنشطة الزراعة وتربية الدواجن ومزارع الأبقار.
وعلى الخط الشرقي لصلاح الدين، تمتد عشرات المصانع وورش الحدادة والنجارة والأغذية. واستناداً إلى ما سبق، تُحوّل السيطرة الإسرائيلية على هذه المساحات غزة إلى مدينة مشوّهة ومنزوعة من ذخرها الاقتصادي والزراعي. ويتحوّل التهجير من فكرة شائنة ومرفوضة، إلى طموح وأمنية، خصوصاً لهؤلاء الذين سيغدون بعد انتهاء الحرب بلا بيت ولا أنقاض ولا ذكريات.
وعليه، قدّم المفاوض الفلسطيني تعليقه على خريطة إعادة الانتشار، بالتمسّك بالعودة إلى خريطة اتفاق 19 كانون الثاني الماضي، فيما يزعم الإسرائيليون أنهم يبدون مرونة في مناقشة التعديلات المطلوبة. ويقدّر المراقبون، أن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ألقى بورقة محور «موراغ»، لكي يتنازل عنه لاحقاً لمصلحة البقاء في محور «فيلادلفيا» الحدودي، الذي يعتبره خط الضمان الأخير الذي لن يسمح للمقاومة بإعادة ترميم قدراتها في السنوات المقبلة.
غير أن هذا التقدير المتفائل، محاط بواقع ميداني تعمل فيه الجرافات والآليات الإسرائيلية على مسح آلاف المنازل والبنى التحتية في الأحياء التي تشملها الخريطة الجديدة. ويعني ذلك، أن الانسحاب العسكري الإسرائيلي لا يكفي وحده لإجهاض مخطط التهجير، إنما سيدخل الغزاويون في معركة إعادة الإعمار التي قد تستغرق سنوات، وهي فترة من الضياع يراهن الإسرائيليون في خلالها على أن مئات الآلاف لن يجدوا بديلاً من الهجرة.
على الصعيد الميداني، كثّف جيش الاحتلال خلال الأيام الثلاثة الماضية ارتكاب المجازر الجماعية وعمليات نسف المنازل وتدميرها في مناطق القطاع كافة. وسُجّل أول أمس، استشهاد نحو 115 فلسطينياً، معظمهم قضوا في استهداف تجمّعات المواطنين في المناطق المُصنّفة على أنها مناطق إنسانية في غرب مدينة غزة، حيث استشهد 18 مواطناً، عشرة منهم من الأطفال، في استهداف سيارة مياه في مخيم الشاطئ غرب المدينة. كما استشهد 15 مواطناً في استهداف سوق شعبية بالقرب من مفترق السامر المكتظّ بالنازحين شرق المدينة. ودمّر جيش الاحتلال، أيضاً، عشرات المنازل على رؤوس سكّانها، وارتكب مجزرة بحق منتظري المساعدات في مدينة رفح ومحور «نتساريم».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار