آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » عامٌ على سوريا الجديدة: هل وُلدت الحرّية الثقافية أم تبدّلت أقنعة الرقابة؟

عامٌ على سوريا الجديدة: هل وُلدت الحرّية الثقافية أم تبدّلت أقنعة الرقابة؟

 

شربل البكاسيني

 

إنّه عام المساحات الرمادية. سوريا الثقافية أشبه بمن استيقظ من كابوس طويل ليجد نفسه وقد تبدّلت غرفته، لكن الهواء ما زال ثقيلاً.

 

يمكن القول إنّ التبدّل السياسي فتح الباب على تحوّل نوعي في شكل الرقابة، وعلى إعادة خلطٍ لمواقع السلطة الثقافية وحدود الإبداع والأخلاق والهوية. انتقالٌ ثقيلٌ بين نظام قديم لم يمت تماماً، وسلطة جديدة لم تنجح بعد في بلورة نموذج ثقافي متحرّر وواضح، ولا في الطمأنة.

 

طوال عقود، كانت الرقابة في سوريا جزءاً بنيوياً من النظام الثقافي، تُشرف عليها مؤسسات رسمية، وتُنتج ما يشبه “أدب النجاة”: نصوص تمشي على الحافة، تتنقّل بين التلميح والتورية، وتتفاوض يومياً مع الخطوط الحمر. وبعد السقوط، تغيّر المشهد شكلاً؛ لم تختفِ الرقابة بل تغيّرت طبيعتها، وأصبحت ذاتيةً، تتجاوز الخوف لتصل إلى المسؤولية الفردية، حيث المثقّف يُمارس رقابة على نفسه لتبنّيه قناعات فُرضت عليه، فاقتنع بالاقتناع بها.

 

ويتبدّى أنّ الرقابة لم تعد مجرّد موظف يضع ختمه على صفحة، بل شبكة مركّبة تمتدّ من خوف الكاتب، إلى ضغط المجتمع والدين، إلى تجاهل المؤسسات، في مشهد لا تزال قواعده قيد التشكّل.

 

على صعيد آخر، تُجمع الشهادات على أنّ النقابات الثقافية، رغم تغيّر السلطة، ما زالت عالقة بين إرث التسييس القديم وتعيينات جديدة لم تُترجم إلى ديموقراطية حقيقية، ما يجعل إصلاحها مشروعاً مؤجلاً وثقة المبدعين بها هشّة.

 

حتّى الجامعة دخلت قلب الجدل مع قرار كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق منع استخدام “الموديل العاري” في مشاريع التخرّج تحت طائلة وضع علامة الصفر للطالب المخالف. الضوابط الأكاديمية ضرورية، شرط ألا تتحوّل إلى أدوات أيديولوجية أو أخلاقية تُملي على الطالب ما يراه وما لا يراه. فكلما ابتعد الفن عن الأجندات المباشرة، احتفظ بقدرته على إنتاج الجمال والمعنى.

 

يمكن رسم ملامح المشهد الثقافي في سوريا بعد عام على تغيّر السلطة كالآتي: الحريات موجودة، لكن معلّقة. الإبداع يتحرك في حقل ألغام رمزي. الرؤية الثقافية الواضحة غائبة. المؤسسات الثقافية لم تُنقَذ بعد، والجامعة ساحة أساسية للصراع. وفي ضوء ذلك، يصعب القول إن سوريا دخلت عصر الحرية الثقافية، وربّما عادت إلى أمجادها، كما يصعب بالقدر نفسه الزعم أن شيئاً لم يتغيّر. لقد تبدّل الشكل إلى حدّ بعيد، لكن الجوهر لا يزال موضوع نزاع وتجاذب. الحرية اليوم ممكنة لكنها غير مضمونة، والرقابة مختلفة لكنها لم تختف.

 

إن بناء نموذج ثقافي جديد في سوريا ما بعد الحرب يتطلّب ما هو أبعد من سقوط نظام سياسي: رؤية ثقافية واضحة، ومؤسسات ديموقراطية شفافة، ومناخاً يحمي التعددية، وحواراً هادئاً مع الهواجس الأخلاقية والدينية من دون تحويلها إلى سيوف فوق الخيال.

 

ويبقى السؤال مفتوحاً، ليس اتهاماً بل دعوة للتفكير: هل تسير سوريا بالفعل نحو حرية ثقافية حقيقية تُصان بالقانون والمؤسسات، أم نقف أمام إعادة تدويرٍ للرقابة بأسماء جديدة ووجوه جديدة، في مشهد تغيّر سطحه، وبقي صراعه العميق على معنى الحرية كما هو؟

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مي عز الدين توجه تحية خاصة لريم البارودي عبر “إنستغرام”

تستعد النجمة مي عز الدين للبدء في تصوير مشاهدها ضمن مسلسلها الجديد “قبل وبعد”، المقرر عرضه في الموسم الدرامي الرمضاني لعام 2026. يأتي العمل من ...