| إسماعيل مروة
الخميس, 02-09-2021
أؤكد مجدداً أنني لا أتحدث عن طبقة الفقراء من الناس، وإنما أتحدث عن اعترافات الميسورين الذين تحولوا إلى مستورين بالاقتصاد، فهذا الصديق المستور همس لي بأنه عمل خارج سورية وشقي كثيراً، وكان صاحب عبارة (هنا الحياة الدنيا والحياة الآخرة في سورية) أي عاش عيشة الكفاف في الخارج ليرتاح في سورية، ومن سوء حظه أنه عاش سنوات أكثر من اللازم، فاستنزف كل شيء، يعمل على مدار الساعة، ولا يكفيه ما يعمل به، ولكنه كان يسحب من مدخراته التي جاء بها من الحياة الدنيا حتى لم يبق منها شيء.. ورأى أناساً من الذين لا يعملون يتصدرون الواقع ويجلسون في أبهى حلة وأعظم مكان، فهذا تابع للجهة الفلانية، وذاك تابع للحزب الفلاني، وثالث يتبع منظمة محددة، وكل ذلك في الداخل، داخل سورية، وليس مرتبطاً بالخارج!
وحين سألته: قال لي: أنا أنتمي للعمل، لم آخذ يوماً ما لا أستحقه، ولم أمدّ يدي، ولا أنتمي لأي جهة، فعرفت ذنبه، وسألته بخبث: لكنك تعيش وتتدبر أمورك كيف تتمكن؟
ضحك صديقي بمرارة وقال لي: أنا أعمل في كل مكان، ولا أسرق، ولا أخالف قناعاتي، لكنني أعترف بأنني أغض الطرف عن مبالغة أصدقائي في مكافأة عملي وتقديره، فهذا أقدم له خدمة، أو أراجع له أمراً، أو أسهل له أمراً، أو أتابع له قضية، فيرسل التعويض المبالغ لي، وهنا أغض الطرف، وأرى أنه يكافئني بأجري الذي أستحق وأمشي من دون أن ألتفت حتى لا يرى مرارتي!
نعم هذا ما قاله صديقي المستور في لحظة اعتراف، بأن أصدقاءه يكلفونه أعمالاً قد لا يكونون بحاجتها لتقديم عون له، وهؤلاء الأصدقاء في الداخل والخارج، وهم وطنيون حتى لا يذهب بأحدهم الظن وطنيون ضمن معايير أكثر المحللين تشدداً، وحين قال لي صديقي المستور هذا الأمر أعاد إليَّ ذكرى جميلة تشبه ما قاله، فقد كنت أراجع ترجمات الصديق الراحل البارع عفيف الرزاز، وآخرها كتاب (العراق بمجلداته الثلاثة) و(المجتمع الفلسطيني) وذات مرة عرف عفيف أنني في ضائقة، فأعطاني كتاباً ترجمه عن الإيطالية عن عمر المختار، وأخبرني أنه يجهزه للطباعة، فقمت بقراءته وتصحيحه، ولم أجد فيه غلطاً، بل رأيت ما يشير إلى أنه مصحح تماماً، لكنني تغاضيت عما عرفت، وسلمته لصديقي الذي ناولني ظرفاً فيه مكافأتي، وكانت مضاعفة، وتغاضيت مجدداً، وتظاهرت بأنني أتوهم أنه يساعدني.. وحين توفي صديقي عفيف الرزاز كان كتاب عمر المختار من الكتب غير المعدة للطباعة، لأنه في أثناء ترجمته طبع بترجمة أخرى، وقد ضرب صفحاً عن طبعه، والملاحظة التي كتبها على الكتاب تدل دلالة قاطعة على أنه فعل ما فعل معي لإخراجي من ضائقتي من دون أن يجرحني! لروحه الرحمات لا تتوقف، وهو الذي كان يسارياً مادياً حسب تعبير سادتنا المشايخ والعلماء!
المهم أن صديقي المستور أفصح عن أمور تشبه هذه تغلف بغلاف العمل والإكرام وما شابه، لأن أي أمر آخر لا يقبله، فالمساعدة المباشرة التي تظهر بوقاحة لا يقبلها، خاصة إن كانت لقاء رأي أو اعتقاد، أو تسيء إلى مواقفه.
أيها المسؤولون التنفيذيون، هل تعرفون ما يجري وتتظاهرون بعدم المعرفة؟ ألا تسمح لكم سياراتكم بالرؤية! تدعوننا إلى الصبر والمقاومة وتحدي الظروف، وعندما يرحل أحدكم من موقعه نكتشف عقارات ومحاضر له في أكثر من مكان، فعن أي مقاومة يتحدث؟
والمحلل العظيم الذي لا تقبل أسرته سماعة وهم يعرفون ارتباطاته يجلس ليعلمنا الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وبعد نزوله عن الشاشة يذهب إلى أحد المرابع الليلية ليؤدي ما عليه من رسوم لسهرات غنائية يصرف فيها المبالغ الطائلة، فمن أين جاءت؟
ضحك صديقي المستور وقال: من المؤكد ليس من مكافآت ظهوره على الشاشة الوطنية، فقد ظهرت عشرين عاماً، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم، وكل ما أخذته من عوائد لا يكفي لشراء حذاء فاخر كالذي يلبسه المحلل العظيم..!
بل في مرحلة ألغوا مكافأة الظهور وعدّوها مهمة وطنية، بينما الآخر حصل على ما يريد واشترى سيارة فارهة..
في رحلة البحث عن الفلافل، كان الدّاعي إلى الموقف في نادٍ مهم يشرب ويرقص.
لا كرامة لجائع يا هذا!
(سيرياهوم نيوز-الوطن2-9-2021)