الرئيسية » صحة و نصائح وفوائد » نهاية «صفر كوفيد»: الصين نحو «حياة طبيعية» قريباً

نهاية «صفر كوفيد»: الصين نحو «حياة طبيعية» قريباً

| أدهم السيد

يتطلّب تحديد موقف من سياسة «صفر إصابات» المعتمَدة في الصين، العودة إلى بداية جائحة «كورونا»، ومراجعة الإجراءات التي اعتمدتها بكين للسيطرة على الفيروس. إجراءاتٌ، ومنذ بدء تنفيذها، جاءت تحت بند «صحة وحياة الشعب أوّلاً». وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شُنَّت العديد من الحملات السياسية والإعلامية ضدّ هذا البلد، تدّعي تارةً أنّه «تأخّر في تنفيذ إجراءات الحَجْر والإغلاق»، علماً أن هكذا إجراءات لم تُنفَّذ سابقاً في أيّ بلد، ويمكن اعتبارها «ابتكاراً صحيّاً صينياً»؛ وتتحجّج تارةً أخرى بأن الصين «تُنفّذ إجراءات مناهضة لحقوق الإنسان تتمثّل في الحَجْر والتتبّع». أمّا الجديد الآن، فهو الحديث عن أن الجمهورية الشعبيّة تشهد «احتجاجات واسعة ضدّ سياسة صفر كوفيد».

لكن، وقبل سرْد بعض أهمّ مراحل السيطرة على الفيروس منذ بداية الجائحة وصولاً إلى اليوم، لا بدّ من تعريف كلمة «احتجاجات» أو «احتجاجات واسعة» في بلد يبلغ عدد سكّانه 1.4 مليار نسمة، ومساحته 9.6 ملايين كيلومتر مربّع. فما جرى من احتجاجات، خلال الأسبوعَين الماضيَين، لم يكن محدوداً فحسب، إنّما حصل على مستوى عدد قليل من المجمّعات السكنية في عدد أقلّ منه من المدن (في الصين، يعيش معظم الناس في مجمّعات سكنية قد يصل عدد سكّانها إلى 1000 شخص وأكثر). وبالتالي، لا يمكن الحديث عن احتجاجات، ناهيك عن «احتجاجات واسعة»؛ فإلى اليوم، لم تشهد أيّ مدينة صغيرة كانت أم كبيرة، تظاهرات أو احتجاجات خارج الإطار المشار إليه سالفاً، فيما يُستبعد أن تحدث هكذا تحرّكات في المستقبل القريب. وعلى رغم ما تقدَّم، يمكن الجزم بأن الاحتجاجات المحدودة كانت محقّة، خاصّة أن السلطات المركزيّة بدأت بمعاقبة الكثير من المسؤولين المحليّين الذين اعتمدوا الحَجْر الشامل، من دون أيّ مبرّر صحي. وممّا لا شكّ فيه، أن الكثير من التعدّيات والمخالفات تتمّ خلال تنفيذ هذه السياسة، ولا سيما أن هذه الإجراءات متواصلة منذ ثلاث سنوات، ما يولّد ضغطاً كبيراً على السكان، كما على المسؤولين والعاملين.

أما الفيديو الشهير من مدينة شنغهاي الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خارج الصين، فلم يكن «احتجاجاً على الإغلاق في المدينة»، كونها لا تخضع للإغلاق أصلاً. لذا، وبالنظر إلى الشعارات المرفوعة، والمكان الذي أقيم فيه الاعتصام، فالأكيد أنه كان عبارة عن «وقفة تضامنيّة» على إثر حريق حصل في أحد المباني السكنية في مدينة أورومتشي، والذي أدّى إلى وفاة عشرة أشخاص. أما الشعارات السياسية التي رُفعت خلال الاعتصام، والتي ميَّزت هذا الفيديو عن غيره، فهي، كما وصفها كثيرون في الصحافة الغربية، أتت من خارج أيّ سياق، وبالتالي فهي شعارات لا صدى لها ولا أرضيّة سياسيّة.
في الوقت نفسه، هناك نقاش واسع جداً داخل الصين يجري اليوم حول الاستمرار في سياسة «صفر إصابات» من عدمه؛ وهذا النقاش واضح جداً على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، إذ يعكس نقاشاً علمياً يدور على أعلى المستويات ويتمظهر في مقالات توجَّه إلى الجمهور وتَحمل وجهات نظر مؤيّدة أو معارضة للاستمرار في اتباع هذه السياسة. كما أنه انعكاس لنقاش آخر يجري على المستويات السياسية والصحيّة، أدّى، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، وبالاستناد إلى تقييم الوضع الوبائي، إلى تعديل هذه السياسة والتخفيف من الإجراءات أكثر من مرّة. وبالتالي، فإن الوضع الحالي لم يتخطَّ النقاش حول قضيّة مجتمعية مهمّة جدّاً تتعلّق بصحّة الناس وبحياتهم اليوميّة وأعمالهم، كما أنّها تتعلّق باقتصاد البلاد.
تسلسل زمني
في 31 كانون الأوّل 2019، أَبلغت لجنة الصحة في بلدية ووهان عن تشخيص 27 حالة إصابة بـ«الالتهاب الرئوي الفيروسي المجهول المصدر»، الذي عُرف لاحقاً بأنّه نوع جديد من فيروسات «كورونا». وحتى أواسط شهر كانون الثاني 2020، لم يكن هناك دليل على أن الفيروس ينتقل بين البشر. وفي 18 كانون الثاني 2020، شكّلت لجنة الصحة الوطنيّة في الصين، فريقاً وطنيّاً برئاسة كبير خبراء الجهاز التنفسي، تشونغ نان شان، أُرسل إلى مدينة ووهان لتقييم الوضع الوبائي. وبعد فحوصات ومداولات، أكّد الفريق أن عدوى «كورونا» الجديد يمكن أن تنتقل من إنسان إلى آخر. واستناداً إلى هذا الاستنتاج المفصليّ، وبهدف «منع انتشار الفيروس على نطاق واسع، ومن أجل حماية صحّة الناس»، أمر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في 22 كانون الثاني 2020، بفرْض قيود صارمة في مقاطعة خوبي ومدينة ووهان، تمثّلت بحجر شامل على المقاطعة والمدينة، استمرّ لمدّة 76 يوماً (8 نيسان 2020).
هذه الإجراءات غير المسبوقة، كانت مؤشّراً إلى مدى جديّة الصين في التصدّي لهذا الفيروس. فَلَم يسبق للبشرية أن شهدت عمليّة إغلاق كالتي فُرِضت في مدينة ووهان ومقاطعة خوبي، حيث خضع أكثر من 50 مليون إنسان لحجر صحيّ متواصل لما يقرب من ثلاثة أشهر. لذا، وبحسب الكثير من الخبراء، فإنّ هذه الإجراءات والالتزام الصارم بتنفيذها كانا الخيار الصحيح لوقف انتشار الفيروس والسيطرة عليه. وفي هذا الإطار، دعت «منظّمة الصحة العالمية»، في أكثر من مناسبة، إلى استقاء الدروس من تجربة الصين، وتطبيقها على بقية دول العالم من أجل الحدّ من انتشار المرض.
بعد السيطرة على الموجة الأولى من الوباء في النصف الأول من عام 2020، تبنَّت الصين سياسة «صفر إصابات»، التي تعتمد على إجراءات وقائية مشدَّدة تمنع انتشار الفيروس مجدّداً على نطاق واسع. وتشمل هذه الإجراءات الحجر الفندقي الإلزامي لكل الوافدين إلى البلاد، بالإضافة إلى اتّخاذ إجراءات سريعة في حال اكتشاف أيّ حالة إصابة بالفيروس، تشمل العزل والحجر والفحوصات لكلّ السكّان الموجودين في دائرة الخطر، فضلاً عن إجراءات التتبّع التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتطبيقات خاصة بالصحّة يتمّ تحميلها عبر الهواتف الذكية تُظهر الأماكن التي زارها الشخص، بحيث يتغيّر لون «رمز الصحّة» من أخضر (يشير إلى الأمان) إلى الأصفر (متوسّط الخطورة) أو الأحمر (شديد الخطورة)، في حال زيارة هذا الشخص مناطق ينتشر فيها الوباء أو احتكاكه بأشخاص مصابين بالفيروس أو مخالِطين. إذاً، وعلى رغم انحسار الوباء، بَذلت السلطات الصينية جهوداً بالغة في بناء قدرات إضافية للاستعداد لمواجهة موجات جديدة محتملة من الوباء.

لا يمكن الحديث عن احتجاجات، ناهيك عن «احتجاجات واسعة» تشهدها الصين

ومن خلال هذه الإجراءات، حقّقت الصين نجاحات مهمّة جدّاً على صعيد حماية صحّة الناس، ومنع انتشار الفيروس مجدّداً. ففي النصف الثاني من عام 2020 وكامل عام 2021، كانت الصين تبدو وكأنها تعيش حياة طبيعية خالية من الوباء؛ فحالات الإصابة كانت نادرة، ولم يسجّل البلد أيّ حالة وفاة ناتجة عن الإصابة بالمرض في تلك الفترة، بينما كانت بلدان أخرى حول العالم تسجّل ملايين الإصابات وعشرات آلاف الوفيات اليوميّة. وفي الوقت نفسه، سمحت هذه السياسات بكسْب وقت ثمين كانت تحتاج إليه الصين من أجل إنتاج لقاحات مضادة للفيروس. وشهدت سنة 2021 حملة تطعيم واسعة النطاق، حيث وصلت نسبة الحاصلين على جرعتَين من اللقاح، إلى 91% من سكّان الصين.
مع نهاية عام 2021 وبداية 2022، حصلت تحوّلات دراماتيكية، حيث بدأت تَظهر متحوّرات أكثر خطورة، تميّزت بسرعة انتشارها. كما أَثبتت كل اللقاحات المتوفّرة أنها لا تستطيع منْع الإصابة أو الحماية الكاملة من الأعراض الخطيرة. وبما أنّ عدد سكان الصين كبير جداً، ونسبة الذين لم يحصلوا على اللقاح – لأسباب مختلفة – وصلت إلى 9% إلى 11% من السكّان، أي ما يقارب 160 مليون إنسان، بدأت الصين بتشديد إجراءات الوقاية، فوصلت مدّة الحجر للقادمين من الخارج إلى 28 يوماً، كما خضعت العديد من المدن المهمّة مثل شنغهاي وشيآن وشنزنغ، وحتى أحياء من العاصمة بكين للحجر، وأصبحت عمليّة إجراء فحْص الحمض النووي دوريّة.

وبفعل هذه الإجراءات، تمكّنت بكين مجدّداً من السيطرة على الفيروس، ولكن بكلفة أعلى بكثير من تلك التي كانت في ووهان. ففي عام 2022، كانت الصين تشهد إغلاق عدد كبير من المدن في وقت واحد، بينما كان الأمر، في عام 2020، شبه محصور بمدينة ووهان ومقاطعة خوبي. وهذه العمليات كانت تؤثّر على حياة الناس بشكل مباشر. ومع تراجع حدّة الفيروس، وانخفاض عدد الحالات الخطيرة الناتجة عن الإصابة فيه، تمّت مراجعة الإجراءات أكثر من مرّة خلال النصف الثاني من هذا العام؛ فتمّ، على سبيل المثال، تخفيض إجراءات الحجر للقادمين من الخارج إلى سبعة أيام في الفندق، وثلاثة أيّام في المنزل. كما تم تخفيف الحجر المنزلي للأشخاص المخالطين أحد المصابين. إلاّ أن إخفاقات عديدة حصلت خلال تنفيذ سياسة «صفر إصابات»، حيث توجّه العديد من المسؤولين المحليّين إلى فرْض إجراءات الإغلاق الشامل على أحياء ومدن من دون التقدير الدقيق للوضع الوبائي، وبالتالي، لم يتمّ الالتزام بالتعليمات، ما دفع مواطنين في مجمّعات سكنيّة في عدد من المدن، إلى الاحتجاج على عمليّات الإغلاق، خاصة في مدينة Zhengzhou.
بناءً على هذه المستجدات، وعلى تقييم الوضع الوبائي، عُقد في 11 تشرين الثاني الماضي، اجتماع عالي المستوى حضره الرئيس شي جين بينغ، وأعضاء المكتب السياسي لـ«الحزب الشيوعي الصيني»، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الصحيّين في البلد. وصدر عن الاجتماع تعميم بـ20 نقطة يعيد تصويب الإجراءات التي يجب اتباعها، فيما وجّه المجتمعون انتقاداً شديد اللهجة إلى المسؤولين الذين يعتمدون عمليّات الإغلاق لفترات طويلة، ووعد بمحاسبة كل من سيخالِف التعليمات. وجرى، خلاله، تعديل العديد من الإجراءات، مثل تقليص مدّة الحجر إلى خمسة أيام، وإلغاء تصنيف «منطقة متوسّطة الخطورة»، ليصبح «مرتفعة» أو «منخفضة» الخطورة.
هذا النقاش المجتمعي حول سياسة «صفر إصابات» كان يترافق مع نقاش في الوسط العلمي؛ فبعدما كان هناك إجماع علمي في الصين على ضرورة اتباع هذه السياسة، ظهرت، خلال هذا الشهر، أصوات كثيرة تجادل بأن متحوّر «أوميكرون» لم يعد يشكّل خطراً كبيراً. وكانت هذه الآراء تستند إلى بيانات صادرة عن لجنة الصحة الوطنية الصينية، إذ إن حوالى 90% من حالات الإصابة، لم يكن يظهر عليها أيّ أعراض، كما أن حالات الوفاة نادرة جدّاً. وجادل آخرون بأنه من الأجدى استثمار الجهود المجتمعية والموارد المالية في عملية تعزيز القطاع الصحّي من أجل التمكُّن من استيعاب الإصابات الشديدة في حال حدوثها، داعين إلى إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي.

خاتمة
تمكّنت الصين، من خلال سياسة «صفر إصابات»، من تحقيق الهدف الرئيس والمباشر لهذه السياسة، أي حماية صحّة الناس. فالصين اليوم، تسجّل أقلّ عدد وفيات ناتجة عن الإصابة بفيروس «كورونا» في العالم (5233). لذا، وبالنظر إلى هذا الجانب، يمكن اعتبار أن هذه السياسة نجحت في تحقيق الهدف الرئيس لها. في المقابل، عندما تمّ اعتماد سياسة «صفر إصابات»، لم يكن المسؤولون الصينيون يتوقّعون أن تطول المسألة إلى هذا الحدّ. وعلى رغم الالتزام شبه الكامل من الصينيين خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى رغم الإجراءات التي يتمّ تعديلها بشكل مستمرّ، إلّا أنه لا يمكن الاستمرار في هذه السياسة لفترة أطول، خاصّة أن الصين بلد كبير، وقد يقع فيه حوادث جانبية (مثل حريق أورومتشي) يتمّ استغلالها لزعزعة الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد.

إضافة إلى ذلك، بدأ النقاش العلمي الدائر حالياً في الصين، يميل بشكل أكبر إلى أن البلد قادر على التعامل مع الفيروس من دون الحاجة إلى تنفيذ إجراءات حجر وفحوصات شاملة. ويتعزّز هذا الرأي من خلال الدراسات الأخيرة التي أَثبتت أن الفيروس أصبح أقلّ تأثيراً لناحية الإصابات الشديدة والوفيات. لذا، يُتوقّع أن تحصل عمليّة تخفيف جديدة للإجراءات قريباً، وصولاً إلى إعادة الحياة إلى طبيعتها مع نهاية فصل الشتاء.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل تشرب كمية كافية من الماء بين الإفطار والسحور؟

مع استمرار شهر رمضان الكريم، يتزايد البحث عن أفضل العناصر الغذائية والمشروبات التي تفيد الصائمين خلال وجبتي الإفطار والسحور. وبغض النظر عن الشهر، يظل كوب ...