أتى قرار الانسحاب الأميركي الجزئي من العراق، والذي سيفسح في المجال أمام اضطلاع «الناتو» بدورٍ أكبر في هذا البلد، كمحاولة لامتصاص الغضبة التي أثارها اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بداية العام الجاري. إلا أن حسابات دونالد ترامب الانتخابية تبدو هي الأخرى حاضرة في آلية تنفيذ الانسحاب، وفق ما يبيّنه السياق الذي أوصل إلى إعلان خفض عديد القوات الأميركية في العراق إلى الثلث
أكد ماكنزي أن واشنطن ستواصل دعم الجيش العراقي في معركته ضدّ «داعش»
وبسعيه إلى ترسيخ معادلة تفيده في الإقليم، يكون الرئيس الأميركي قد حقّق اثنين من أهداف برنامجه الانتخابي: أولهما، دفع حلفائه الأوروبيين إلى المساهمة بشكل أكبر ضمن «حلف شمال الأطلسي» الذي سيتوسّع دوره في العراق بعد لملمة رايات «التحالف الدولي»، وثانيهما، تقليص عديد القوات الأميركية الموجودة في المنطقة بما يتناسب مع وعود حملته الانتخابية، على أمل أن يُحقِّق ذلك خرقاً يعزّز حظوظه المنهارة في السباق أمام خصمه جو بايدن؛ إذ جدّد ترامب في لقاء انتخابي في كارولاينا الشمالية، قبل أيام، وعده بالانتهاء من «الحروب التي لا تنتهي»، قائلاً إنه سيعيد «قواتنا إلى البلاد من كل تلك الأمكنة البعيدة»، بعدما «صرفنا مليارات الدولارات، وما الذي حقّقناه من ذلك؟». وأثناء اجتماعه الأول مع رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في واشنطن الشهر الماضي، أكد الرئيس الأميركي أن قوات بلاده ستغادر العراق، «لكن إذا فعلت إيران أيّ شيء، فسنكون هناك لمساعدة الشعب العراقي»، من دون أن يحدِّد جدولاً زمنياً أو مستويات محدّدة للقوات، لكنّه لفت إلى أن الشركات الأميركية تعقد بالفعل «صفقات نفطية ضخمة» في هذا البلد.
الانسحاب الجزئي المعلَن جاء أيضاً استناداً إلى طلب البرلمان العراقي إلى الحكومة إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، إثر اغتيال الأميركيين قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير 2020، وما أعقب ذلك من عمليات عراقية ضدّ المصالح الأميركية في البلاد، وضربات صاروخية إيرانية على قاعدتَي «عين الأسد» وأربيل الأميركيتَين. إلا أن حكومة الكاظمي لا تزال تتباطأ في تبنّي قرار البرلمان بشأن إخراج القوات الأجنبية، على اعتبار أن «التحالف الدولي» بدأ منذ آذار/ مارس بسحب قواته بهدوء، بينما قلّص وجوده في عشرات القواعد في جميع أنحاء البلاد إلى ثلاثٍ فقط. وبحسب مسؤولين أميركيين تحدّثوا إلى «فرانس برس»، فقد أُعيد نشر بعض القوات في القواعد الرئيسة في بغداد وأربيل في الشمال و»عين الأسد» في الغرب، لكن معظمها نُقل إلى خارج العراق. وأشاروا إلى أن التقليص كان مخطّطاً له منذ فترة طويلة بعد هزيمة تنظيم «داعش»، لكنهم اعترفوا بأنه تمّ تسريع الجدول الزمني بسبب الضربات الصاروخية وفي ظلّ تفشي وباء «كورونا».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)