| منذر عيد
لم يفلح رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان على ما يبدو في اللعب هذه المرة على حبال المراوغة، وهو من أجاد ذلك مراراً وتكراراً فيما يخص الوضع في سورية، ولم يستطع أخذ الحكومة السورية إلى حيث لا تشاء، من خلال «معمعة» التقارب التي استطاع إحداث جلبة كبيرة حولها خلال الأسابيع الماضية، بسلسلة من التصريحات، والاتصالات مع موسكو، تؤكد جميعها نيته إعادة الأمور مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل 2010، إلا أن الرد السوري جاء بشكل واضح وجلي على لسان الرئيس بشار الأسد خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألكسندر لافرنتييف والوفد المرافق له نهاية الأسبوع الماضي، بأن اللقاءات مع الجانب التركي حتى تكون مثمرة فإنها يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سورية وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سورية من هذه اللقاءات انطلاقاً من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب.
الحقيقة التي أكدها الرئيس الأسد، وهي إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب، كانت بمنزلة العلقم في فم الإدارة التركية، لظنها أن التقارب مع دمشق يمكن أن يجري لمجرد التقارب، دون أن يسبقه معطيات تمهد أو تبرر له، فظنت الإدارة التركية أن بمقدورها الوصول إلى دمشق مع بقاء قواتها المحتلة في مناطق شمال شرق وغرب البلاد، دون أن تعي استحالة هذا الأمر، وخاصة مع تبريرها غير الواقعي لوجود قواتها، حيث يرى المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم أن «تركيا ليست قوة احتلال في سورية»!، دون أن يوضح ماهيتها إن لم تكن كذلك، وماذا تفعل في مناطق تشارك السيطرة عليها إلى جانب تنظيمات إرهابية.
فشل أردوغان الصيد في «المياه السياسية العكرة»، وعدم قدرته على الحصول على هدية مجانية من دمشق، وهي من أكدت مراراً وتكراراً أنها لا تقدم هدايا بالمجان، كورقة التقارب، لتتمكن من استخدامها وبشكل رابح في الانتخابات المقبلة في حزيران المقبل، دفع به إلى العودة إلى «موال» شن عدوان جديد على مناطق شمال شرق سورية، بعد أن عدل عن التغني به، طوال فترة محاولة «الصيد بالمياه السياسية»، ليعود صوت قعقعة السلاح إلى ما كان عليه في نهايات 2022، وليدفع جيشه المحتل بتعزيزات عسكرية إلى مناطق سيطرته وميليشيا ما يسمى «الجيش الوطني» الموالي له في حلب، وليقوم بإنشاء مهبط للطيران المروحيّ قرب قاعدة لقواتها في بلدة بليون بجبل الزاوية، ضمن منطقة خفض التصعيد في إدلب، مع مواصلته التصعيد في شمال وشمال شرق سورية، وإدخاله رتلاً عسكرياً إلى مدينة الباب شرق حلب، لتكون تلك التطورات الأولى من نوعها بعد الاجتماع الذي ضم وزراء دفاع وأجهزة المخابرات في كل من سورية وروسيا وتركيا في موسكو 28 الشهر الماضي.
من الواضح أن أردوغان يستعجل الأمور، من خلال سعيه إلى القفز إلى النتائج، دون دفع ثمن أو تسوية ما خربته سياسته إزاء سورية طوال 11 عاماً مضت منذ بداية الحرب الإرهابية الكونية على سورية، وعينه في ذلك على صناديق الاقتراع في حزيران المقبل، إذ يعتبر إنجاز التقارب مع دمشق انتصاراً دبلوماسياً كبيراً له، الأمر الذي أكده سفير تركيا السابق لدى دمشق عمر أنهون بقوله: «إذا تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من التحدث مع الرئيس بشار الأسد وتحقيق أي شيء يمكن اعتباره إنجازاً، فإنه سوف يحقق نجاحاً دبلوماسياً كبيراً آخر»، غير أن حسابات الحقل السياسي للإدارة التركية لا تتوافق والبيدر السوري، إذ نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مطلّع على سير المفاوضات إن سورية تريد من تركيا سحب قواتها من مناطق في الشمال ووقف دعمها لثلاثة فصائل «معارضة رئيسية» وأنها حريصة على رؤية تقدم بشأن تلك المطالب من خلال لجان المتابعة قبل الموافقة على اجتماع لوزراء الخارجية.
لا شك أن الأيام القليلة سوف تحمل تطورات على خط أنقرة- دمشق، وخاصة مع ترقب نتائج الحركة السياسية الكثيفة التي تشهدها المنطقة، من خلال زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة، وزيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن، ما قد يفضي إلى زيادة زخم الحراك السياسي باتجاه دمشق، أو ارتفاع صوت قعقعة السلاح في الشمال السوري.
سيرياهوم نيوز 1-الوطن