عندما تلتقي الجبال… (الجزء الثالث والاخير)

باسل علي الخطيب

قامت الدولة السعودية الأولى عام 1740 بعد ميثاق نجد بين امير الدرعية محمد بن سعود، و صاحب المذهب الوهابي محمد بن عبد الوهاب، هذه (الدولة) قضي عليها والى مصر من قبل العثمانيين محمد علي باشا بأمر من السلطنة العثمانية، حيث أرسل حملة عسكرية إلى شبه الجزيرة العربية بقيادة ابنيه طوسون باشا ومن ثم ابراهيم باشا، وذلك عام 1811، استمرت الحملة حتى عام 1818، عندما وصلت الحملة إلى الدرعية حيث دمرتها، وتم ارسال عبد الله بن محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب إلى الأستانة، حيث تم شنقهما….

قام الكيان الوهابي الثاني عام 1823 حتى عام 1892، وقد قضت عليه النزاعات الداخلية، ليحكم بنو الرشيد شبه الجزيرة العربية بعد ذلك….
في عشرينات القرن الماضي ساعدت بريطانيا بني سعود على استعادة السيطرة على شبه الجزيرة، حيث نشأ الكيان الوهابي الثالث…

قلنا إن الكيان الوهابي هو كيان وظيفي بامتياز، وكانت الغاية من اقامته تمهيد الأرضية لنشوء الكيان الصهيوني وضمان استمراريته، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد كانت الغاية من انشاء الكيان الوهابي مع وجود الحرمين في أراضي شبه الجزيرة، استثمار بعض الاسلام وفق المذهب الوهابي لخدمة المصالح الغربية….

في العقدين الأخيرين حدثت متغيرات هائلة على مستوى العالم كانت لها منعكساتها على مستوى المنطقة، ولاداعي للخوض في تفاصيل هذه المتغيرات، هذه المتغيرات أفقدت الكيانين الصهيوني والوهابي قدرتهما على القيام بدورهما الوظيفي كما يجب، عدا عن ذلك فقدت العقيدة الصهيونية قدرتها على أن تكون رافعة للكيان الصهيوني، لذا كان التوجه في الفترة الأخيرة نحو يهودية الدولة، على أساس أن تشكل هذه الفكرة حاملاً للكيان الصهيوني….

أما في السعودية فما عادت العقيدة الوهابية قادرة على أن تكون رافعة للدولة هناك، فهذه العقيدة تم استهلاكها إلى الحدود القصوى، ولم تكن مخرجاتها سوى وبالاً على العالم الإسلامي ككل وعلى الداخل السعودي….
كان انقلاب 2017 الذي قام به محمد بن سلمان هو إعلان نهاية الكيان السعودي الثالث، وقد ارتسمت امام ولي العهد مهمة صعبة لم يسبق أن فكر أي من حكام المملكة السابقين بها، ألا وهي تحويل الكيان إلى دولة، ولكن الدولة تحتاج إلى حامل أيديولوجي، لاتستطيع أن تكونه الوهابية قولاً واحداّ، فعدا عن أنه تم استهلاكها، فهي غير قادرة على الصمود في هذا الزمان….

حاول بن سلمان أن يصنع تعصباً (قومياً) عبر الحرب في اليمن، أو عبر الذهاب في العداوة مع إيران إلى الحدود القصوى، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، فالمجتمعات الخليجية عموماً ليست مجتمعات سياسية، ليست مؤدلجة، كانت تنتمي إلى عصر ماقبل الدولة ومازالت، لم يجد محمد بن سلمان كرافعة لحكمه إلا الشعبوية المكتسبة من نقل المجتمع من حالة الانغلاق المستتر المطلق إلى حالة الانفتاح الكامل، ومع وجود الوفرة المالية الكبيرة والعروض الكثيرة مع بعض السذاجة أو الكثير من الغباء والفوضى، ينتقل المجتمع السعودي وبتسارع كبير من التزمت المقيت إلى الانحلال الشديد، و رغم الشعبية التي يكتسبها هذا الانتقال، إلا أنه يصنع فجوة أخلاقية كبيرة ستهدد كيان الدولة لاحقاً بشكل خطير وجدي….

حسناً فعلت الدولة العميقة في السعودية ولم تسر إلى النهاية مع صفقة القرن، وان كان الأمر لم ينته بعد، فالصفقة مازالت قائمة، و إحدى قدمي السعودية عندها، والأخرى مازالت محتارة أين ستحط، وحسناً فعلوا أنهم اتجهوا الى الصلح مع إيران، ولكن خطوتهم الأهم كانت الصلح مع سوريا، ليس هذا فحسب، إنما يجب أن تكون هناك علاقات استراتيجية بين دمشق و الرياض، وحدها دمشق من تستطيع أن تمنح محمد بن سلمان المشروعية والشرعية، ووحدها دمشق من تستطيع منحه الحامل المناسب لدولته التي يريد، وكما أن السعودية تحتاج سورية في هذا الجانب، كذلك سوريا تحتاج السعودية، أن هذه الأخيرة بعلاقاتها الكثيرة وقدراتها المالية قادرة أن تساعد سوريا على استعادة عافيتها….

هذان الجبلان إن التقيا، سيكون نتاج ذلك تحالف قادر على أحداث التوازن المطلوب مع الطموحات الجيوسياسية لتركيا وإيران، والتخفيف من حدة التدخلات الخارجية في قضايا المنطقة، و كبح التهور الصهيوني…..

الرياض تحتاج دمشق، ودمشق تحتاج الرياض، ولكن الأهم أن العروبة والإسلام يحتاجان هذا التحالف، ولن تألوا موسكو وبكين أي جهد لدعم هذا التحالف، فليس ماهو افضل لموسكو وبكين من أن تكون دمشق وطهران معهما في نفس الخندق عندما يحين موعد ارماجادون…..
(سيرياهوم نيوز4-خاص)