الدكتور خيام الزعبي
12 عاماً مرت لتبقى الأزمة السورية معلقة بين تضارب المصالح داخلياً وخارجياً وبين ضرورات الواقع التي تحتم إغلاق الملف على حل دائم، لذلك تؤكد كل الشواهد أن الأيام القادمة من عمر هذه الأزمة، ستكون مليئة بالتحديات وتحمل في طياتها تداعيات مصيرية على درجة كبيرة من الخطورة، قد تؤدي الى عصف المنطقة بالكامل.
خلال الأزمة في سورية كانت أمريكا صاحبة الحضور الأبرز فيها والممول والمستفيد الأول من نتائجها، فالولايات المتحدة لا تزال تخوض الحرب ضد سورية، من خلال استخدام تنظيم “داعش” الإرهابي ، الذي تبنى الهجوم الذي استهدف قبل عدة أيام قوات الجيش السوري بريف دير الزور الشرقي، وخلّف حوالي 30 شهيداً، كما تعتمد الولايات المتحدة في حربها ضد سورية على الاعتداءات الصهيونية المتكررة ، والتي استهدفت دمشق وحمص.
اليوم ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الخبيثة من نشر الفوضى وتقسيم الدول إلى دويلات من أجل نهب وإستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في بلدنا .
يرى العديد من المحللين السياسيين أنَ أجواء التوتر بين أمريكا وروسيا في شمال شرق سورية، تزداد حدة، ويمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة في ظل الهجمات الروسية المتكررة ضد طائرات مسيرة أمريكية فوق سورية، حيث دعت واشنطن إلى وقف عملياتها “المتهورة” في سورية، فسلسلة حوادث الاصطدام المتكررة بين واشنطن وموسكو، تعد مؤشراً على التصعيد المستمر للنزاع الممتد بينهما من أوكرانيا إلى سورية، بموازاة حراك اقليمي دولي تصادمي تستعر نيرانه في ظل الصراع الدولي الكبير الأمريكي-الروسي -الصيني على السيطرة على مناطق النفوذ ومنابع الطاقة والذهب والموارد الطبيعية الغنية في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا والعالم.
على خط مواز، لا يمكن لأي متابع ان ينكر حقيقة أن السوريين يواجهون مشروعآ غربيّآ الهدف منه تقويض الجهود السورية في الوصول الى الأمن والإستقرار، مع محاولات غربية- أمريكية لتفجير الداخل السوري، وما يدلل على ذلك هو حجم الدعم الأمريكي –الغربي والعلني للمتطرفين، واستقدام المزيد من التعزيزات العسكرية إلى شمال شرقي سورية، وإقامة قواعد عسكرية جديدة هناك، ومن هنا يبدو أن مفاعيل ومسارح الإشتباك الدولي بين دمشق وواشنطن قد وصل الى درجة الخطوط الحمراء والتي لا يمكن ان يصمت عليها السوريين.
لذلك يعرف الرئيس الأمريكي بايدن أنه في ورطة كبيرة لا يستطيع أن يمنع الجيش السوري من تحرير المنطقة من عصابات الإرهاب وفي نفس الوقت يدرك عواقب فشله في سورية، ويعرف العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع بايدن مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن، وسيتقبل بحدود الدور المقرر له بعد التطورات الميدانية في سورية، كما يعرف أن القادم أصعب بالنسبة له كونه يدرك أن التراجع في سورية يعنى الهزيمة الصعبة التي وصلت إليها مغامراته في سورية.
وسط هذا الزخم من الإدعاءات حول سورية يبدو أن الرئيس الأسد، مازال واثقاً من ذاته، ومقتنعاً بأن أوراق اللعبة مازالت في يديه هو وحلفائه وخاصة أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتبعات الحرب، إذا قررت أمريكا ضرب سورية، لأننا لا نتحدث عن منطقة واحدة، فثمة مناطق أوسع، إذا ضربت في مكان ما، فعلينا أن نتوقع التبعات في مكان آخر، وبذلك إذا حصلت ضربة فستكون هناك تبعات ضد الولايات المتحدة، ويبدو أن استخدام أمريكا لأكذوبة محاربة داعش مستمرة حتى تحقق أمريكا مآربها في المنطقة.
أمام هذا الواقع تخوض المقاومة الشعبية معارك متقطعة ضد فوات الاحتلال الأمريكي والتي ستجبرها الى الانسحاب من سورية ، وبالمقابل هناك مقاومة بقيادة الجيش العربي السوري وحلفائه لخوض معركة التحرر من أجل تحرير الشمال الشرقي من الاحتلال الأمريكي ووكلائه في المنطقة ميلشيات “قسد”، وتحقيق الدولة الوطنية السورية سيادتها الكاملة على الشرق السوري، الذي يزخر بالثروات الباطنية لهدف توظيفها من أجل خروج سورية من أزمتها الاقتصادية الخانقة، لا سيما في مجال الكهرباء والمشتقات النفطية (البنزين والمازوت) وكذلك الغاز، وتحقيق أمنها الغذائي.
لا أحد ينكر أن الانسحاب الأمريكي سوف يصب في مصلحة الجيش السوري وحلفائه ” روسيا وايران” وسيزيد من إحكام سيطرتهم على المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة الأمريكية أو سيطرة حلفاؤها.
أما الخاسرون في معادلة “سورية من دون قوات أمريكية” هو الشعب الكردي، الذي سيفقد، حليفه الأساسي في المنطقة وسيترك معلقا بين مطرقة تركيا وسندان الجيش السوري، ف الولايات المتحدة كانت حليفا داعما للفصائل الكردية في الشمال السوري منذ عام 2015 والانسحاب الأن سوف يترك هذه الفصائل – ومصير الشعب الكردي في المنطقة – تحت رحمة تركيا، والرئيس التركي لم يخف نواياه بتدخل عسكري في الشمال السوري يوحي بأنه على استعداد لتنفيذ ضربة ضد القوات الكردية هناك.
بالمقابل تأتي خسارة إسرائيل كنتيجة منطقية للربح الإيراني في المنطقة، فإسرائيل تعتبر هذا الوجود خطراً رئيسياً يهدد أمنهاً، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إن إسرائيل ستصعد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سورية بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، كما تشعر إسرائيل بالقلق أيضا من أن خروج أكبر حليفة لها قد يقلص نفوذها الدبلوماسي في مواجهة روسيا أكبر داعم للحكومة السورية.
وفي إطار ذلك يمكنني التساؤل، هل ستسقط الولايات المتحدة بتهورها أم تجر ذيول الهزيمة والإذلال؟ وهو الثمن الذي ستدفعه نتيجة أخطاءها في سورية وسعيها الفاشل لإسقاطها، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على أمريكا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان خاصة بعدما بدأ الجيش العربي السوري يزداد تقدماً إلى الأمام ويلقن العدو الدروس في الصمود والثبات، لذلك فإن الأيام القليلة القادمة ستشهد مفاجأت مهمة تعمل على قلب الموازين في المنطقة بأكملها.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم