عبد الرحمن جاسم
ربما هي محاولات هوليوود ــ عبر أذرعها القوية ــ لتسليط الضوء مجدداً على تنظيم «داعش» الإرهابي، وخصوصاً بعد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية وتصدّرها واجهة الأحداث. إنّها لعبة هوليوود شبه المكشوفة في إعادة تذكير المجتمعات الأوروبية بأن الفلسطينيين عرب، وبأنّ جزءاً من المقاومة الفلسطينية ذو توجّه إسلامي، وأنَّ «داعش» تنظيم إسلامي متطرّف. هذا الربط بين الاثنين يبدو منهجياً في مسلسل مثل the veil الذي يقدّم الفلسطينية اللبنانية يمنى مروان والبريطانية الأميركية إليزابيث موس.يحكي المسلسل القصير (يمتد على ست حلقات، ومرشح لجزءٍ ثانٍ) الذي أنتجته وعرضته شركة «أف اكس» الأميركية، قصّة عميلة جهاز الاستخبارات البريطانية (mi6) ايموجين سالتر (إليزابيث موس)، التي تذهب إلى الحدود السورية التركية لمساعدة هاربة من «داعش» تدعى «عديلة الإدريسي» (يمنى مروان). يتضح لاحقاً بأنها لم تكن إلا أحد أهم قادة «داعش» وكانت تدعى «جنّية الموصل». تتعقّد الحكاية عندما يحاول أكثر من طرف الحصول على الإدريسي، فيما سالتر ترغب في الحصول منها على المعلومات قبل الآخري
يحاول النص، الذي كُتب على عجل من قبل ستيفن نايت، استخدام كل أنواع الكليشيهات حول «داعش». البطلة العربية والمسلمة قادمة من عائلة جزائرية فرنسية، وجدّها كان أحد أبطال حرب التحرير الجزائرية. لكنه سرعان ما يشعر بأنّ الجزائر لم تعد له، فيتركها. سرعان ما تصبح الفتاة الصغيرة شيوعية ويسارية رافضة لكل شيء، قبل أن تجد في «داعش» ضالتها. هكذا، تأتي لكي تقتل النساء والأطفال والأبرياء. اللافت أنّها لا تنكر الأمر، ولا ترفضه، بل تقبله باعتباره ضرورياً. بحسب النص، لم تكن «جنّية الموصل»، مدركةً لما تفعله، أو حتى تفلسفه أو حتى تعطيه بُعداً يريحها عقلياً، بل ببساطة تؤديه، وهذا يوضح سطحية النص في التعامل مع قضية معقّدة من نوع: لماذا أنتِ مع «داعش»؟ لماذا فتاة من بيئة يسارية تنتمي إلى تنظيم إسلامي شديد التطرّف؟ هذا السؤال تطرحه البطلة سالتر على عديلة: لكن لا إجابة محددة. بالمنطق، هذا ما يستطيع الغرب فهمه عن المشرقيين. طبعاً، تستخدم عديلة كلّ الكليشيهات الشهيرة: لقد «قتلتمونا، لذلك سنأتي لقتلكم». طبعاً، لا ذكر لفلسطين وما يحدث فيها، مع أنَّ المسلسل صُنع وعُرض خلال أحداث «طوفان الأقصى». تحضر في المسلسل نقطتان مهمتان، الأولى الصراع الغربي الغربي، وإظهار الوجه الحقيقي للجمعيات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني. نشاهد مثلاً ممثل الأمم المتحدة وبعض ممثلي المجتمع المدني، يستغلون بشكلٍ جنسي فاضح وقذر، السيدات في مخيمات اللجوء. اللافت أن هذه الشخصية تبرّر ما تفعله، وتُعيد خلق «قانون» و«نظام» لمن لا يمتلكونه؛ على اعتبار أنّ المشرقيين كانوا يعيشون في خرابات وحظائر قبل وصول الأوروبي إليهم. أما الصراع الغربي الغربي، فنجده في صراع الاستخبارات الأميركية والفرنسية، ونشهد الصلف والتكبّر والتعامل الفوقي الأميركي مع الفرنسي، رغم تحالفهم معاً في الظاهر والعلن
صُنع مسلسل the veil وعُرض خلال أحداث «طوفان الأقصى
أدائياً، فإنّ إليزابيث موس «نجمة التلفزيون الأشهر حالياً» بحسب مجلّة «فاريتي»، واحدة من أفضل المؤديات في العالم حالياً، ويمكن اعتبارها مع سايورشي رونين أفضل مؤديات جيلها. إلا أن رونين كسولة مقارنة بموس التي عرفها الجمهور عبر المسلسل الشهير «حكاية خادمة» (a maid’s tale) واستطاعت تقديم موهبتها واستغلالها بشكلٍ كبير في العمل. مثلاً نشاهدها بلا مكياج تقريباً في معظم المشاهد، تؤدي مشاهد العنف والأكشن بنفسها، وتحاول التحدّث بالعربية، وإن بصعوبة، كما تستعمل الفرنسية وبعض السويدية (لغة والدتها الأصلية). يُذكر هنا أنها أصيبت برضة قوية في عمودها الفقري أثناء التصوير، أقعدتها لمدة من الزمن. من جهتها، عرف الجمهور الممثلة اللبنانية الفلسطينية يمنى مروان (مواليد بيروت قبل أن تهاجر إلى أميركا)، عبر أعمال عدة أبرزها فيلم «النهر» لغسان سلهب، ومسلسل «باب الجحيم» من إنتاج «شاهد». تجهد مروان في تقديم شخصية القائدة في «داعش»، وإن لم يساعدها النص في ذلك، فبدت بأسنانها الملمعة وعمليات التجميل أبعد ما تكون عن سيدة أمضت سنوات من عمرها في مدنٍ تأكلها الحروب مثل الموصل والبصرة والرقة وسواها. الأمر نفسه ينسحب على منطق حياتها ووجودها كمقاتلة في «داعش». لكن هذا لا يعني أنها لم تنجح في تأدية دورها باحترافية عالية، فمعظم الأخطاء في العمل ـ باستثناء أسنانها وعمليات التجميل ـ ناتجة من منتجي العمل ومخرجه وكاتب
لا مشكلة في مشاهدة المسلسل لتمضية الوقت، لكنّ الإشكالية الكبرى في أن يتحوّل مسلسلٌ مماثل إلى مرجع تاريخي لجيلٍ جديد لا يعرف عن «داعش» والتدخل الغربي (الأميركي الأوروبي) في بلادنا. صُوِّر المسلسل في تركيا، فبدت المشاهد هناك خلابة، ليتبعه التصوير في باريس ولندن وحتى في «كاتدرائية كانتربري» البريطانية الشهيرة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية