آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » هيثم مناع: سياسة القتل والتنكيل نتاج مباشر لخطاب الكراهية

هيثم مناع: سياسة القتل والتنكيل نتاج مباشر لخطاب الكراهية

 

 

«القتل يبدأ بالكلمات». المذابح المروّعة التي وقعت في الساحل السوري أكّدت مرة أخرى هذه الحقيقة المرّة التي يعرفها جيداً الدكتور هيثم مناع، انطلاقاً من تجربته الطويلة كمناضل وخبير حقوقي شارك في عمليات تحقيق عديدة حول جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان عبر العالم، وبينها التحقيق حول جرائم الإبادة في رواندا. حول خلفيات هذه المذابح، وما قد يترتّب عليها من نتائج وتداعيات على مستقبل سوريا والإقليم، أجرت «الأخبار» مقابلة مع الدكتور مناع، أحد أبرز رموز المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا للديكتاتورية «بكل ألوانها»، كما حرص أن يقول، والذي يرأس اليوم المعهد الأسكندنافي لحقوق الإنسان – مؤسسة هيثم مناع. له عشرات المؤلفات حول قضايا التغيير الديمقراطي وحقوق الإنسان والإسلام والحركات الإسلامية وسياسات الهيمنة الغربية، آخرها «العدالة أو التوحّش: من أجل محكمة عالمية لفلسطين»

 

■ ما هي الخلفيات الفعلية للمذابح التي نُفّذت في منطقة الساحل السوري؟

 

سأبدأ معك من البداية، خاصة وما يحدث في الساحل السوري يذكّرني بالإبادة الجماعية في رواندا. كم أخّرت الحكومة الفرنسية استعمال هذا التعبير وكم حدّدت ما يحدث بالزمان والمكان بشكل يرفع عنها وعن الفاتيكان المسؤولية… بفضل منظمات حقوق الإنسان، كان حبل الكذب قصيراً، وبعد 25 سنة اعتذرت فرنسا عن تواطئها في الجريمة.

في «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، والتي وقّعت سوريا عليها في عام ميلادي وميلاد رفيقي وصديق الطفولة الدكتور عبد العزيز الخير، وهو، لمن لا يعرف، ابن عائلة علوية عريقة (عائلة مشايخ كما يقولون في القرداحة)، المغيّب قسرياً منذ 2012 من فرع المخابرات الجوية للنظام البائد، في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

 

أ) قتل أعضاء من الجماعة.

 

ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

 

ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

 

نحن اليوم أمام عمليات قتل لسوريين وسوريات من أبناء الطائفة العلوية بوصفهم كذلك. لكن لو عدنا إلى الجهاز التعبوي والبروباغندا لجبهة النصرة، لوجدناه يتغذّى من عناصر مكافحة الوجود العلوي في بلاد الشام، منذ نشأته، ولم يغيّر انشقاقه الأول عن البغدادي أو الثاني عن «القاعدة»، في بث خطاب الكراهية الطائفي شيئاً، بقي كتيب أبي مصعب السوري «أهل السنّة في الشام في مواجهة النصيرية والصليبية واليهود»، يُعلّم لأشبال «الجهاد»، وفتاوى ابن تيمية في تكفير الملل والنحل تُدرّس من المهد إلى اللحد.

 

وفي عام 2014 عندما حذّر قائد حركة أحرار الشام من صعود تيار خطير في صفوف الثورة السورية وطالب الجميع بالتوقيع على «ميثاق الشرف الثوري» رفضت جبهة النصرة هذا الميثاق وأنقل من ردّها عليه: «نصّ الميثاق على أن الفصائل الموقّعة على هذا البيان تريد أن تقدِّم رموز النظام ومجرميه إلى المحاكمة العادلة بعيداً عن الثأر والانتقام، وهذا مخالف لما قرّرته الشريعة أن أصحاب الردة المغلظة ليس لهم في الإسلام إلا السيف، وطواغيت النظام ورموزه وركائزه من أصحاب الردة المغلظة الذين أمر الشرع بقتلهم عند القدرة عليهم: “اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة”! هناك ثأر شرعي وانتقام شرعي قرّرته الشريعة الغراء. وإن عدم الانتقام لأهل الشام لهو الخذلان بعينه».

 

عندما يسلّم وزير الأوقاف الجديد أهم المساجد لدعاة معظمهم غير سوريين، لا يعرفون من الإسلام إلا التاءات الثلاث (التحريم، التكفير، التفجير)، عندما يسأل أي حاجز، رجل الأمن السوري أو غير السوري السائق: أنت سني أم علوي، عندما يُطرد من الوظائف الحكومية على الهوية الطائفية، عندما تقرأ على موقع جامعة إدلب، الذي تعتبره «هتش» نموذجها العلمي: «أبناء طائفة المكابس (الاسم الذي يستعملونه أحياناً في الطائفة العلوية): الكبير منهم شارك في مجازر حماة بقتل أهلنا وسرقتهم، والشاب منهم شارك في مجازر الثورة بقتلنا وسرقتنا، والصغير منهم ما إن تمكّن منا مرة أخرى عاد لأصله بالقتل والسرقة فهذا أصلهم وما جُبلوا عليه من قذارة-دون استثناء، فلا توقّروا كبيرهم ولا ترحموا صغيرهم وشتّتوا شملهم ما استطعتم فلم يعطهم حقهم إلا شيخ الإسلام ابن تيمية». ويدعو إمام مغربي من مسجد دمشقي لتنظيف بلاد الشام من غير أهل السنّة.

 

منذ مئة يوم وأنا أنتظر قرارًا ذكيا أو محاولة لطلاء بناء الديـكتاتـورية في سوريا بقليل من المساحيق

 

ماذا تريد أكثر لإشعال نيران التوحش؟ قامت مجموعة من بقايا المنتسبين إلى الجيش السوري بعملية مجرمة وحمقاء، واختطفت عدداً من قوات الأمن العام، فجرى إعلان النفير العام ضد طائفة بأكملها، وجاء المشبعون بخطاب عنصري وطائفي للانتقام من المدنيين…

 

القائمة التي تأكدت منها بالأمس وصلت إلى 2100 شهيد مدني ولكنّ فريقنا العامل في الساحل لم يصل بعد إلى إحصاء نهائي، تبع ذلك حوادث نهب وسرقة وحرق للبيوت وبدأت هجرة أكثر من عشرين ألف شخص إلى عكار والمدن غير العلوية المجاورة وقاعدة حميميم للنجاة بحياتهم.

 

■ هل للنظام الجديد في سوريا أجندتان واحدة معلنة وأخرى غير معلنة، ومطابقة لقناعات أيديولوجية يدّعي رئيسه وفريقه بأنهما أعادا النظر فيها؟

 

أجندة أو أجندتان أو ثلاث، ليس هذا هو السؤال، حركة الجهاد في مصر قامت بمراجعات عندما غيّرت مسلكها ومنطلقاتها، الأحزاب الحديثة، يسارية أو يمينية، تجري مراجعات أو نقداً ذاتياً، جبهة النصرة/هيئة تحرير الشام لم تقم يوماً بتقديم مراجعة لعمل قامت به. بل توجد قناعة عميقة عند شرعيّي الهيئة بأنهم لم يصلوا إلى السلطة إلا لثباتهم على مواقفهم.

 

لنتأمّل كيف تجري الأمور منذ مئة يوم: حلّ الجيش والشرطة والأمن وتنصيب قادة الهيئة جنرالات بتوقيع، عقد اجتماع للقادة العسكريين (باعتبارهم أهل الحل والعقد!) لاختيار الشرع رئيساً للجمهورية، تنظيم ما سُمّي بالحوار الوطني بمن يجري اختيارهم ويطلب منهم الحضور في 24 ساعة للمشاركة، مع العلم أن هذه المسرحية لا تعطيهم إلا الصفة الاستشارية، تكليف مجموعة لا تتمتع لا بالكفاءة أو النزاهة أو الخبرة بكتابة مبادئ دستورية تُعرض على «مجلس الشورى» لتنقيحها وتصدر… تشكيل لجنة تحقيق من أشخاص لم يكونوا بحياتهم في لجنة تحقيق محلية أو إقليمية أو دولية! ولجنة للسلم الأهلي من أشخاص ما زال خطاب الكراهية على مواقعهم الشخصية وعلى الشبكة الاجتماعية… هل هو مجرد غباء أو قلة خبرة؟ أين تجربة سبع سنوات ناجحة في إدلب كما يكرّر السيد حقان فيدان بمناسبة وبدون مناسبة؟

 

■ ألا يستشعر قطاع معتبر من السوريين مخاطر ما يجري راهناً واحتمال تطوّر الأوضاع باتجاه تفكّك البلاد، خاصّة في ظلّ سياسة إسرائيلية رسمية تحضّ على تقسيم سوريا وتواطؤ أميركي كبير معها؟

 

قطاع معتبر؟ هل قابلت سورياً واحداً، حتى عند المكوّعين والمحبكجية الجدد، كما نسميهم في سوريا، لا يستشعر مخاطر التفكك والانقسام والتقسيم والحرب الأهلية؟ الإسرائيلي يتعامل مع الملف السوري من زاوية الخلاص من سوريا كبلد وشعب، ولا يختلف لسان حال نتنياهو عن ما تمنّاه رابين يوماً لقطاع غزة: لو يبتلعه البحر.. الشعب السوري كان دائماً مع القضية الفلسطينية، لذا فهو مصدر قلق مزمن للمشروع الصهيوني الديني، الأميركي لا يزال يدرس الاحتمالات، وبشكل خاص في ضوء مستقبل علاقاته مع تركيا، المشكلة الحقيقية هي أن الدول العربية، باستثناء قطر، لم تستوعب ما يحدث، وكون أي تحول ديمقراطي في سوريا لا يعنيها بأي حال من الأحوال، فستكون آخر من يستشعر بوجود مجموعة إيديولوجية مغلقة وضعت في مفاصل الجيش والأمن السورييْن ملاحقين عندها.

 

■ من هم المتضرّرون من مشاريع الاحتراب والتقسيم في سوريا، إضافة إلى غالبية السوريين، في الإقليم والعالم، وما مدى قدرتهم على التأثير في مجرى الأحداث؟

 

إن أردت جواباً عقلانياً للسؤال: الجميع، ولكننا نعيش حقبة اللاعقلانية في الرؤى الجيوسياسية.

 

■ ما هو موقفكم من الإعلان الدستوري السوري الجديد؟

 

لقد قرأت دستور بينوشيه ودستور كوريا الشمالية، كان من وضعهما ديكتاتوراً، أو بشكل أدق ديكتاتورية خبيثة. منذ مئة يوم وأنا أنتظر قراراً ذكياً أو محاولة لطلاء بناء الديكتاتورية في سوريا بقليل من المساحيق، لكن كما يقول إخواننا في ليبيا… الله غالب. يعني أعطني مخرجاً دستورياً إذا ربّ العالمين أخذ أمانته ومات الرئيس؟

 

■ أنتم تحتفلون غداً (اليوم 18 آذار) بالذكرى الرابعة عشرة لما تسمّونه في درعا: ثورة الحرية والكرامة، ما هي المشاعر التي تنتابك اليوم وأنت ترى الوضع المأساوي للبلاد والعباد؟

 

لن نحتفل اليوم، ولا في عيد النيروز أو عيد الفطر هذا العام، حداداً على شهداء المجازر الجماعية في الساحل السوري. أنظر حولي في ما فقدنا من مناضلين ومناضلات، معن العودات، محمد عبد الرزاق الشرع، عدنان وهبة، عبد العزيز الخير، صلاح العودات، ماهر طحان، مشعل التمو، إياس عياش، رجاء الناصر، غياث مطر، جهاد شلهوب، خليل معتوق، رزان زيتونة، وائل حماده، سميرة الخليل، ناظم حمادي، مازن الدباغ… أسماء من كل أطياف الشعب السوري ومناطقه… كيف جرى إخراج معتقلي «القاعدة» من سجن صيدنايا لمواجهتهم، كيف تطيّفت المواجهات من بعدهم وتطرّفت… وكيف تآمر العالم على ربيع المواطنة… لكنّ الأفكار الأساسية التي طرحها هؤلاء الشهداء ما زالت شامخة أمامنا، فيوم عيد سقوط النظام البائد، لم يكتمل العرس وجرى إنزال العروس (سوريا) عن الجمل، لتُغتصب في وضح النهار. ما زالت مهمة الخلاص من الديكتاتورية بكل ألوانها شاخصة أمامنا، ومخاطر التقسيم والتقاسم والحرب الأهلية راهنة، وما زال التحدي أمامنا: أن نموت جميعاً، أو أن نحيا جميعاً في سوريا تشبه السوريين.

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لهذه الأسباب استأنف نتنياهو حربه العنيفة على غزة

يربط محللون إسرائيليون بين تكثيف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حرب الإبادة على الفلسطينيين بقطاع غزة وإمكانية عودة وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير إلى ...