هناء الدويري:
الغاية النبيلة التي ينشدها الفنّ والفنانون هي الكلّ المتكامل الذي يحكي هموم الناس ويلامس دفء قلوبهم، ويبقى الفنان السوري ثمرة إرث حضاري تفوح منه أنسام معطّرة في ثقافة الوطن الذي ترعرع فيه هذا الفنان على الحبّ والإنسانية والسلام وأخذ على عاتقه أن يكون مبدعا خلاقا في مسيرة الحضارة والثقافة السورية، لذا لم نقلق يوما على الدراما السورية، ولم تعنينا مقالات وكتب ومحطات فضائية ومنصات مشاهدة ومواقع الكترونية ووكالات أنباء عالمية تنشر إحصائيات على هواها وتفنّد في الواقع الثقافي والفني والفكري في سورية، والأمر مفروغ منه فيما يخصّ الواقع السياسي فالقبب الأممية لاتترك مجالا إلا وتطعن فيه سورية، ليس في خاصرتها وحسب بل في قلوب وأفئدة الشعب كاملا ظنّاً منهم أنهم بذلك قد ينزلون من الهمم والعزائم…
بعد كلّ هذه السنين من أيام الحرب على سورية كلّ الفقاعات والعروض المفبركة والطحالب والقشريات التي نمت على أجساد وقوت الشعب السوري إلى زوال لأنها مزيفة زيف صانعيها، لأن الواقع الحقيقي الذي نعيشه واقع مختلف عمّا يسوّقون ويروجون، إنه واقع مختلف بكلّ المقاييس، إنه صمودٌ على كل الجبهات، والفضاء الأزرق لايعطي المؤشر الحقيقي لأناس حقيقيين يعيشون على هذه الأرض، فالحقيقيون هم من قدّموا فلذات أكبادهم وقطعا من أجسادهم وصبرا جميلا على كل أشكال الحصار والأوبئة…
الدراما السورية شكل من أشكال الفنّ السوري يلامس الواقع ويرتقي بالثقافة والإنسان، وينقل هموم وصمود السوريين وإرادة الحياة لديهم خلال سنوات الحرب، إرادة لم ينضب نبع عطاءاتها رغم قسوة الظروف التي تمرّ بها سورية، وكل محطات العالم واستنفار الإنتاج العالمي لم تُثنِ الدراما السورية عن هدفها وغايتها النبيلة، ولم يستطيعوا إلغاء وجودها بمسميّات جديدة مشتركة وغيرها، وبترودولارات إنتاجية تدسّ السّم في العسل، واستخدام الأراكوزات وخيالات الظلّ التي عاشت في كنف الدولة السورية ولاتزال تنمو كنبتة الهالوك على أمجاد وعراقة الفنّ والثقافة والحضارة السورية، لكن التاريخ سيذكر من تجذّر في الأرض السورية وينقل أخبارا وحكايات تتوارثها أجيال عاشت على هذه الأرض.. وكيفما شاءت الأهواء والأقدار لن يبقى إلا حكايات وفنّ من بقي وعاش دراما الواقع السوري بكلّ أطيافه وأزمات وتبعات الحرب وتفاصيل الحياة معها لن ينقلها إلا الذي عايشها بأمانة، وعمليات الفرز بين الأصيل والدخيل لم تعد صعبة فنحن الملايين صامدون صابرون لن نُكذّب أنفسنا ونصدّق من صادقت عليه دول الليبرالية العالمية، ولن يمحو أحد من ذاكرتنا أننا بذلنا الغالي والنفيس على ثرى هذه الأرض ونحن الباقين بحكم الطبيعة والموقف وكلّ ماعدا ذلك إلى زوال كما زالت وولّت أيام العمامة العثمانية والانتدابات وأشكال الاستعمار الغربي وباقي أذيالهم وأذنابهم
الفكر والفن الموبوء المشبوه الذي أفرزته “الأنا” الضّالة التي تريد لنفسها كلّ شيء ماهو إلا نتيجة حتمية لأرباب العمالة وعشاق الليبرالية التي فتكت بأنفس هؤلاء المأجورين الرخيصين بكل المقاييس، وكلّ أعمالهم شعارات وعناوين تلونت حسب الحاجة والظروف، وأكاد أجزم أنهم المشتغلون رغما عن أنوفهم لأن خسارتهم لأنفسهم أثقلت حياتهم بالذلّ والخذلان، هؤلاء لم تعد المواطنة السورية تليق بهم مهما كانت صفتهم أو مهنتهم، والمنطق هو الغائب الأكبر لديهم سواء في الفن أو الأدب أو الدراما أو النقد لأن كل مايفعلونه مأجور والمواطنة لاتقبل أنصاف الرجال والحلول، المواطنة حقوق وواجبات فأين هم من هذا الواجب، وأين هم من الرجالات، يكيلون التهم للناس في حبّ وطنهم والدفاع عنه…
أما نقاد الدراما السورية فلهؤلاء نقول إذا ما تمّت إعادة عرض مسلسل الخربة وضيعة ضايعة وضبّوا الشناتي وحارس القدس وغرابيب سود والندم وبقعة ضوء وغيرها الكثير الكثير من الدراما السورية، تبقى نسب المشاهدة عالية في كلّ مرة تُعرض فيه، وفيها من الجرأة مايكفي لتقديم الواقع والمفاهيم الاجتماعية وأحوال الناس في الحرب وغيرها…
وكثيرة هي الأعمال التي قدمت الحبّ والنزوح والمرض والفقر ورصدت الإرهاب والقتل والتدمير وانعكاسات الحرب على سورية خلال عشر سنوات، والكثير منها تم تصويره تحت نيران قذائف الحقد والغدر وفي ظروف قاسية، وصمدت شركات إنتاج وطنية وممثلون وكتّاب وموسيقيون ومبدعون لأنهم يشعرون بالمواطنة الحقيقية والواجب الحقيقي لوطن لم يبخل على أبنائه يوما…
المكانة الفنية للدراما السورية يعزّز وجودها الأصول الفكرية والإنسانية الحقيقية التي بنيت عليها منذ البدايات وسنوات عِجاف ومؤامرات خارجية لن تخرجها من دائرة التركيز الجماهيري لأنها ستبقى مبعث ثقة في كلّ الفضاءات.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة