أحمد العبد
لا حدود لصدمة الإسرائيليين، الذين لم تغفُ عيونهم ليل أمس أيضاً، على وقع رشقة صاروخية إيرانية نوعية بأكثر من 100 صاروخ، حوّلت ليل تل أبيب وحيفا إلى نهار، في مشهد وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ«يوم القيامة». وأحدثت الصواريخ الإيرانية التي تساقطت تباعاً ما يشبه الزلزال في كل أرجاء فلسطين التاريخية، حيث شعر بها سكان مدن الضفة الغربية وقراها، وطالت، باعتراف الاسرائيليين، منشآت عسكرية ومعسكرات للجيش شمالاً، ومنشآت إستراتيجية حساسة في حيفا وتل أبيب وأحياء محيطة بها، متسبّبةً في دمار غير مسبوق، جراء انهيار أبنية عدة.
ولعلّ من بين أكثر ما بدا لافتاً في ضربة فجر الإثنين الإيرانية، استهداف ملجأ محصن في مدينة «بيتاح تكفا» التي تعرضت لكمية كبيرة من الصواريخ، أصاب أحدها ملجأ هناك ودمّره بشكل كامل، ما تسبب في مقتل 5 مستوطنين، في ما ظهر بمنزلة تأكيد فعلي لإعلان الناطق باسم القوات المسلحة الإيرانية أن الملاجئ لن توفر الحماية للمستوطنين الذين عليهم الهروب.
واعترفت سلطات الاحتلال بمقتل 8 مستوطنين ومئات الجرحى في هجوم فجر الإثنين، من بينهم 3 قتلى في حيفا التي تعرضت محطة الكهرباء فيها لأضرار كبيرة جراء إصابتها بشكل مباشر في القصف الصاروخي. كما أعلنت الجبهة الداخلية في إسرائيل ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين بفعل الصواريخ الإيرانية إلى 24 منذ بدء الحرب، في حين قدرت أن حوالى 350 صاروخاً، تزن حوالى نصف طن، سقطت على الكيان حتى الآن.
وفي تحقيق أولي أجرته قيادة الجبهة الداخلية في جيش العدو حول تدمير ملجأ «بيتاح تكفا»، قالت إن «الصاروخ أصاب الجدار مباشرة وضرب بين غرفتي الحماية»، مشيرة إلى أن «غرف الحماية ليست مصمّمة لمواجهة الضربات المباشرة»، فيما أكد المتحدث باسم إسعاف الاحتلال أن الملاجئ قد لا تصمد في وجه الصواريخ.
ويأتي ذلك في وقت كشفت فيه الصواريخ الإيرانية هشاشة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وعدم قدرتها على اعتراض الصواريخ والمسيرات كافة، وهو ما يدفع جيش الاحتلال إلى إخفاء ذلك الفشل عبر محاولات طمس الأضرار الناجمة منه، سواء عبر استعجال رفع الأنقاض والدمار، أو التعتيم الإعلامي.
وفي السياق نفسه، أصدر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بياناً مشتركاً مع وزير الاتصالات، طالبا فيه الشرطة بملاحقة مصوّري مواقع سقوط الصواريخ، وتشديد الرقابة على مراسلي الوكالات الأجنبية والعالمية الذين يغطون الأحداث داخل إسرائيل. وأشار بن غفير إلى أن «من يدعم إيران يدعم الإرهاب»، مهدّداً بأن «الحكومة لن تتسامح مع أي مظاهر فرح بسقوط الصواريخ الإيرانية، سواء داخل السجون أو خارجها».
اضطر مئات آلاف المستوطنين إلى النوم قرب الملاجئ ليل الأحد – الإثنين، لنحو 4 ساعات
وكان قد اضطر مئات آلاف المستوطنين إلى النوم قرب الملاجئ ليل الأحد – الإثنين، لنحو 4 ساعات، بناءً على تحذير الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الهجوم الإيراني، وفي ظلّ تصاعد الشكوى والغضب من عدم وجود ملاجئ كافية للسكان، ما اضطر بعض المستوطنين إلى الذهاب إلى محطات القطارات للنوم فيها. وبعدما تعرض رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لانتقادات حادّة من المستوطنين الذين تُركوا لوحدهم، بينما اختبأ هو ووزراؤه في أماكن محصنة، قام نتنياهو، الأحد، بجولة في المواقع المستهدفة، في وقت ظلّ فيه معظم وزرائه لا يزالون «غائبين عن السمع».
وتعليقاً على ذلك، قالت «هآرتس» إن «نتنياهو لا يجيب عن الأسئلة، وبالتالي يصعب معرفة ما إذا كانت لدى إسرائيل إستراتيجية لإنهاء الحرب»، في حين وُجهت انتقادات لاذعة مماثلة إلى وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الذي وصف القيادة الإيرانية بأنها «جبانة» تستهدف المدنيين، متوعداً بأن سكان طهران «سيدفعون الثمن قريباً». وعقّب الكاتب والمحلل الإسرائيلي، يوسي مليمان، على منصّة «إكس»، على حديث كاتس بوصف الأخير بـ«الأخرق»، مشيراً إلى أنه «بعد قول الوزير كاتس: «مواطنو طهران سيدفعون الثمن»، عاد وعدّل موقفه وقال: «لا نية للإضرار مادياً بسكان طهران مثلما فعل الديكتاتور القاتل أمام مواطني إسرائيل، سكان إيران سيضطرون إلى دفع ثمن الديكتاتورية والنزوح من منازلهم في المناطق التي يكون ضرورياً قصف أهداف للنظام وبنى تحتية أمنية فيها»».
أما الصحافية الإسرائيلية، إيريس ليال، فقالت: «ليُسكت أحدٌ هذا الرجل الذي يظن فعلاً أنه وزير دفاع. 3 أيام مليئة بالتوتر وليال بلا نوم ومعظم الناس فقدوا صبرهم تجاه الثرثارين»، فيما أشار عضو «الكنيست» سابقاً، زهاڤا جالون، إلى أن «وزير الأمن كاتس يعلن في بيان متباهٍ أن سكان طهران سيدفعون الثمن قريباً، وفي هذه الأثناء، الإسرائيليون هم من يدفعون ثمناً مروّعاً بأرواحهم، في حين أن هذه الحكومة مستعدة للتضحية بأربعة آلاف مواطن، ولا أحد يوقف هذا الجنون».
ورأى الصحافي والمحلل الإسرائيلي، رافيف دروكر، بدوره، أن «نتنياهو أقدم على مخاطرة غير معقولة»، مشيراً إلى أن «إسرائيل لا تقدر على منع الأضرار البالغة التي تُحدثها الصواريخ الإيرانية»، مضيفاً أن هذه الأخيرة «تُحقق إصابات بدقة لم نرَ مثلها من أي عدو سابق»، وأن «كثيراً من الأضرار لا تنشرها وسائل الإعلام بحجة عدم كشف معلومات للعدو، وهكذا لا يعلم الإسرائيليون حجم الثمن الذي يدفعونه».
ولفت إلى أن «الجيش ينشر بيانات حول ضرب منصات صواريخ إيرانية وتقليص قدراتها، ولكن خبراء في المجال يشككون في قدرته على هذه المهمة أمام دولة مساحتها 1.6 مليون كيلومتر مربع». وفي الإطار نفسه، أشارت صحيفة «هآرتس»، أمس، إلى أن «البرنامج النووي الإيراني هو الهدف المركزي المُعلن، ولكن يبدو أن الإنجازات فيه محدودة»، مؤكدة أن الذخائر الإيرانية دقيقة إلى حدّ كبير وفقاً لما تُظهره بعض الضربات الموثّقة، حيث تُخلّف رؤوس الصواريخ دماراً هائلاً.
وبالفعل، تُبيّن مقاطع الفيديو القليلة التي يتم نشرها، وجود معرفة إيرانية بالمقار العسكرية والأمنية الحساسة ومنظومات التصدي القائمة في قلب الأحياء المدنية في إسرائيل، ولعلّ هذا ما قصده المتحدث باسم القوات العسكرية الإيرانية، حين قال إن إسرائيل تستخدم المستوطنين دروعاً بشرية.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار