تسعى عقول مصرية مقيمة في الخارج إلى المساهمة في اقتحام مصر واحدة من أسرع الصناعات نمواً عالمياً، عبر مشروع طموح لإنشاء أول مصنع عملاق لإنتاج بطاريات الليثيوم أيون، في خطوة تهدف إلى تحويل البلاد من مجرد مستهلك ومستورد للتكنولوجيا إلى مركز إقليمي لصناعة تكنولوجيا الطاقة النظيفة وتصديرها.
مقترح المشروع الذي يقوده الدكتور ماهر القاضي، الباحث في جامعة كاليفورنيا الأميركية، بمشاركة علماء مصريين في الخارج، يندرج ضمن رؤية استراتيجية تستهدف إدخال مصر في سلاسل الإمداد العالمية في مجال السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة.
مصنع عملاق
يقترح العلماء المصريون إنشاء مصنع بقدرة إنتاجية مبدئية تبلغ 20 جيغاواط/ساعة سنوياً، يمكنه توفير بطاريات تكفي لتشغيل نحو 280 ألف سيارة كهربائية، وتحقيق إيرادات تقدّر بنحو ملياري دولار في العام، مع تكلفة إنشاء تقارب المليار دولار، بهامش ربح متوقع يصل إلى 45 في المئة.
وخلال مقابلته مع “النهار”، يقول الدكتور ماهر القاضي “إن المشروع يرتكز على بطاريات فوسفات الحديد الليثيوم (LiFePO₄)، نظراً إلى كونها أكثر أماناً، وأفضل أداءً في المناخ الحارّ، وأقلّ تكلفة مقارنة بالأنواع الأخرى. كذلك تعتمد هذه البطاريات على موادّ متوافرة محلياً، مثل الفوسفات، الحديد، والمنغنيز، مما يمنح مصر ميزة تنافسية لتوطين صناعة متكاملة لمكونات البطارية”.
الدكتور ماهر القاضي.
القاضي، الذي يمزج بين عمله الأكاديمي ومساهمته في تأسيس شركة متخصصة في إنتاج البطاريات منذ عشر سنوات، يرى أن العالم يشهد سباقاً محموماً لإنشاء مصانع البطاريات، التي تمثل العمود الفقري للثورة الصناعية الجديدة.
ويُتوقع أن يصل الطلب العالمي على بطاريات الليثيوم أيون إلى نحو 4700 جيغاواط/ساعة بحلول عام 2030، أي ما يعادل سبعة أضعاف حجم السوق في عام 2022. وقد بدأت دول عدة باتخاذ خطوات فعلية، ومنها المغرب الذي وقع اتفاقاً مع شركة صينية لإنشاء مصنع بطاقة إنتاجية مماثلة.
تمتلك مصر مؤهلات فريدة لدخول هذا الأجال، تتوزع بين موقع جغرافي استراتيجي يربط أوروبا وإفريقيا وآسيا، واتفاقات تجارية تتيح التصدير من دون جمارك، وموارد طبيعية ضخمة في الفوسفات والمعادن، فضلًا عن بنية تحتية في مشروعات الطاقة المتجددة، على ما يقول القاضي.
ويُتوقع أن يُحدث هذا المشروع أثراً اقتصادياً واسع النطاق، يبدأ بتنشيط مجال التعدين والصناعات الكيميائية، ويمتد إلى دعم الصناعات المغذية لقطاع السيارات الكهربائية، فضلًا عن تحفيز البحث العلمي والابتكار في مجالات إعادة تدوير البطاريات وتحسين كفاءتها في البيئة المحلية.
فرصعمل
يؤكد صاحب المبادرة أن “المشروع مرشّح لتوفير نحو 3500 فرصة عمل مباشرة عالية المهارة، بالإضافة إلى قرابة 20 ألف فرصة عمل غير مباشرة، خصوصاً مع توافر الكوادر البشرية المؤهّلة لتنفيذ المشروع”.
كذلك أوضح أن الشريك الأجنبيّ المقترح للدخول في الشراكة سيضطلع بدور محوريّ في تدريب خريجي الكليّات التقنية من الشباب المصري وتأهيلهم، بما يساهم في نقل الخبرة والتكنولوجيا بشكل فعّال.
يتضمن مقترح المصنع العملاق كل مراحل المشروع المستقبلية.
كذلك يشكّل المشروع فرصة استراتيجية لتصدير البطاريات إلى أوروبا، خصوصاً في ظلّ السياسات الأوروبية والأميركية الساعية إلى فكّ الارتباط الصناعي مع الصين، مما يمنح مصر ميزة تنافسية عبر اتفاقات الشراكة الأوروبية، التي تتيح دخول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأوروبية من دون رسوم، بشرط تحقيق نسب تصنيع محلي مرتفعة.
ولتفعيل هذه الرؤية، يوصي القاضي بحزمة من السياسات تشمل تقديم حوافز ضريبية وجمركية، وتوفير أراضٍ صناعية بأسعار رمزية، إلى جانب تسهيل الشراكات مع الشركات العالمية لنقل التكنولوجيا وتأهيل الكوادر المصرية، لافتاً إلى وجود تحديات في المراحل الأولى من المشروع، أبرزها الحصول على شهادات الجودة والأمان وفقاً للاختبارات والمعايير الدولية المعتمدة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية