لم يُلقِ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كلمة في قمّة الدوحة الأخيرة الطارئة، وذلك فيما يبدو تجنُّبًا للوقوع في فخ تكرار الإدانات، والاستنكار التي ملأت خطابات الزعماء والقادة، وذلك للتضامن مع قطر ضد العدوان الإسرائيلي لاغتيال قادة حماس على أراضيها.
لم يتجنّب الأمير بن سلمان فيما يبدو إلقاء كلمة في الدوحة، ليبقى في السّكون السّلبي، بل تحرّك بعد أيّام قليلة منها على أرض الواقع، ليظهر الأربعاء وهو يُوقّع على اتفاقية دفاع مُشترك مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، وفي توقيتٍ لافت، لم تعد فيه واشنطن حامي حما دول الخليج، وفي زمان تشعر إسرائيل بأنه الآمر الناهي في المنطقة، بل وترغب بالتوسّع.
المُثير للانتباه في هذه الاتفاقية، أنها تنص على أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما، وهو اتفاق يُعّزز هُنا قوّة المال السعودي، والقدرات العسكرية الباكستانية، والأهم العامل النووي الباكستاني.
السعودية، تجدر الإشارة إلى أنها صاحبة أكبر ميزانية في الخليج، وصاحبة أكبر احتياط نفط في المنطقة، وثاني أكبر احتياط عالميًّا.
وقال البيان المُشترك إنّ الخطوة تأتي “انطلاقاً من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو ثمانية عقود، بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستناداً على المصالح الاستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين”.
ولم يمر مشهد الاتفاق، مُرور الكرام، فحرص بن سلمان على استقبال محمد شهباز شريف ضمن مراسم استقبال رسمية مهيبة، حيث رافقت الخيول العربية موكبه، وعُزف السلامان الوطني الباكستاني والملكي السعودي.
ولم يقتصر المشهد الإعلامي على الاستقبال الرسمي المهيب للضيف الباكستاني، بل حرصت السلطات السعودية على الاستعراض، فتزيّنت أبرز أبراج مدن السعودية بعلمي المملكة وباكستان، احتفاء بتوقيع “اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المُشترك” بين البلدين، بل وتحشّدت مواقع التواصل الاجتماعي السعودية، وأبرز النشطاء السعوديين خلف هذه المُناسبة، ودعمتها ابتهاجًا.
وعرض التلفزيون الباكستاني لقطات لرئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهما يتعانقان بعد توقيع الاتفاقية، وجاء لافتًا حُضور التوقيع قائد الجيش الباكستاني الفيلد مارشال عاصم منير، والذي يعد أقوى شخصية في باكستان.
العربية السعودية اختبرت فيما يبدو الثقة بالحليف الأمريكي في تجربة مُباشرة، فبعد الاعتداء على قطر، ليس من المُستغرب أن تكون أي دولة خليجية هي الهدف التالي، وتحت أي ذريعة، ولا يبدو أن “التطبيع الإبراهيمي” الذي دُعيت إليه المملكة سابقًا، سيمنع التغوّل الإسرائيلي، فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُهدّد بإسرائيل الكبرى على حساب الأردن، مثلًا، رغم اتفاق السلام المُعلن بينهما.
صحيفة “فايننشال تايمز”، قالت إن اتفاقية الـ”دفاع المشترك الاستراتيجي” بين السعودية وباكستان، هي إشارة من الرياض إلى الولايات المتحدة، بأن المملكة مستعدة لتنويع تحالفاتها الأمنية في سعيها إلى تعزيز ردعها.
التساؤل الكبير المطروح، حول ما إذا كان يُمكن لباكستان الدفاع عن الرياض “نوويًّا”، مسؤول سعودي كبير قال لوكالة “رويترز” إنّ الاتفاق “يشمل جميع الوسائل العسكرية”، وذلك عندما سُئل عمّا إذا كانت باكستان ستكون مُلزمة بتزويد السعودية بمظلّةٍ نووية بموجب الاتفاقية.
وصرّح المسؤول السعودي ذاته لوكالة رويترز ردًّا على سؤال حول توقيت الاتفاقية: “هذه الاتفاقية تتويج لسنوات من المناقشات، إنها ليست ردًّا على دول أو أحداث محددة، بل هي مأسسة لتعاون طويل الأمد وعميق بين بلدينا”.
ونظرًا للتوتّر في المنطقة، سيكون الردع والرد على التغوّل الإسرائيلي في المنطقة، والضوء الأخضر الأمريكي لها، وتوقيت الاعتداء على الدوحة، هو الأساس بمُسارعة الرياض لطلب حماية باكستان النووية لفرض الردع.
وذكرت الوكالة السعودية للأنباء “واس” أن الاتفاقية تأتي “انطلاقًا من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو ثمانية عقود… وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستنادًا على المصالح الاستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين”.
ولافت أنّ باكستان سارعت لتوقيع اتفاقية دفاعية مُشتركة مع السعودية، حينما تعلّق الأمر بحمايتها من مخاطر إسرائيلية، وعدم ضمان الحماية الأمريكية حيث سبق ورفضت باكستان عام 2015 طلبًا سعوديًّا للمُشاركة بطائرات، وسفن، وقوات على الأرض في معركة “عاصفة الحزم” ضد اليمن.
وتحتلّ باكستان المرتبة 12 بميزان القوة العسكرية العام من أصل 145 دولة، فيما تحتل السعودية المرتبة 24 بميزان القوة العسكرية العام من أصل 145 دولة.
ويأتي الاتفاق السعودي بعد أشهر من خوض باكستان صراعًا عسكريًّا قصيرًا مع مُنافستها الهند في مايو، الأمر الذي دعا المتحدّث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جايسوال، في منشور على منصّة إكس، للقول اليوم الخميس، بأن الهند على دراية بالتطوّر، مُضيفًا أنها ستدرس تداعياته على أمن نيودلهي واستقرار المنطقة.
بكُل حال، يبدو أنّ وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم قصف الدوحة مُجدّدًا من قِبَل إسرائيل، لم يُقنع حليفته الرياض، وهي لا تُريد بالتالي المُغامرة بهيبة سيادتها، وأمان جبهتها الداخلية كما حصل مع قطر، فكان ذلك الاتفاق الدفاعي العلني مع باكستان، فكيف سيكون موقف واشنطن من هذه الاتفاقية المُشتركة، وهي التي تنتقد كُل من يذهب باتّجاه روسيا والصين حليفًا، وهل ستحذو بقيّة الدول العربية حذو العربية السعودية بإيجاد بدائل للردع والحماية، أمْ تختار التأكيد على الشّراكة الأمنية “دون مُراجعات” مع واشنطن، كما فعلت قطر، بعد الاعتداء الإسرائيلي العلني على سيادتها بمُوافقة ترامب؟!
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم