محمود الصالح
الأحد, 03-10-2021
تركزت مناقشات ورشة العمل التي أقامها المرصد العمالي للدراسات والبحوث التابع للاتحاد العام لنقابات العمال، حول سياسات الدعم الاجتماعي في سورية والبدائل المقترحة، على مجموعة من الحقائق المطبقة في البلاد منذ سنوات طويلة، والمنعكسات التي نتجت عن عملية الدعم الاجتماعي، وقدم المشاركون في ورشة العمل التي حضرها وزراء التجارة الداخلية عمرو سالم والشؤون الاجتماعية والعمل محمد سيف الدين ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي فادي خليل وجمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال ونخبة من الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين وأعضاء مجلس الشعب العديد من الآراء والطروحات الغنية حول سياسة الدعم.
الأسئلة الحائرة
رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري أكد أن هذه الورشة تأتي في إطار الدور الذي يقوم به الاتحاد العام لنقابات العمال لكونه يمثل الشريحة الأوسع في المجمع، وهذه الشريحة هي الأكثر حاجة للدعم الاجتماعي لأنها تكاد تكون الوحيدة التي أصبحت تحت خط الفقر.
وأشار القادري إلى أشكال ومظاهر الدعم التي تقدمها الدولة، والتي لا تقتصر على محدودي الدخل بل هناك دعم للمنتجين والمستهلكين، ومازالت الدولة تدعم الفقراء والأغنياء على حد سواء، وتساءل القادري: هل يصل الدعم اليوم إلى مستحقيه ويحقق غاياته؟ مشيراً إلى وجود الكثير من الأسئلة الحائرة على ألسنة كل أفراد المجتمع.
وأشار القادري إلى أن الخلل لا يمارسه فقط الأفراد، فصاحب المحطة الذي يسرق، يفعل ذلك لأن ربحه غير واقعي. متأسفاً لوجود استسهال في استخدام الأرقام التي توضع على أساسها خطط وبرامج غير صحيحة، ومثال ذلك أن وزارة الكهرباء لديها فاقد 40 بالمئة من المنتج، والحكومة تعتبر هذا الفاقد دعماً اجتماعياً، وهذا في المنطق غير صحيح، لأنه يجب أن تعمل الوزارة على تقليص هذا الفاقد إلى حدوده الدنيا. ودعا القادري إلى تحقيق التناغم بين السياسات الاجتماعية والاقتصادية. ونبه القادري إلى أن أغلب فئات المجتمع في سورية أصبحت قادرة على المعاوضة باستثناء العاملين في الدولة، والحكومة تقول إنها تقدم الدعم بقيمة 5000 مليار سنوياً، منها 3500 مليار دعم اجتماعي و1500 مليار دعم للكهرباء، ويمكن حل مشكلة العاملين في الدولة بنصف هذا المبلغ في حال تثبيت الأسعار، وتوجيه الدعم لمن يستحقه.
وتساءل القادري عن دور السورية للتجارة: فإذا كانت مؤسسة تدخل إيجابي فهذا يعني أنه غير مطلوب منها تحقيق أرباح، وهي كانت خلال الربع الأخير من العام الماضي قد ربحت 1.4 مليار، وإذا كان الهدف من وجودها كسر الأسعار في الأسواق يجب أن تكون خاسرة لمصلحة المنتج والمستهلك في آن واحد.
زادوا ضريبتهم برضاهم
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم بين أن هناك 3 محافظات ليس من الممكن تطبيق البطاقة الذكية فيها ومنها حمص، وأشار إلى أن العمل الآن يتم على محورين، الأول تحديد الفئات المستحقة وموعد تنفيذ ذلك، وتحديد الهدر والسرقة التي تحدث بسبب الدعم وهي هائلة جداً.
وبين سالم أن الدولة تدعم البنزين والمازوت ومازال يسرق، لأن ما هو موجود في السوق السوداء لا يأتي تهريباً بل من خلال السرقات من المحطات، والسبب تخصيص المحطات بشكل شخصي من دون أن يكون لها حاجة إلى تلك الكميات، اليوم نعمل على دراسة تحقيق الربح للمحطات والأفران ومن ثم نحاسبهم على أساس ذلك.
وأكد وزير التجارة الداخلية أنه لا يمكن العودة بالأسعار إلى ما كانت عليه في عام 2011، ولكن الحكومة قادرة على تخفيض الأسعار بشكل ما، وأوضح سالم أن السورية للتجارة هي اليوم تشكل أكبر سلسلة سوبر ماركت في العالم حيث تضم 1600 صالة وهذا غير موجود في العالم.
وعما يشاع عن وجود تسويات خاصة لبعض كبار التجار نفى وزير التجارة الداخلية بشكل قاطع هذا الموضوع، وأضاف إن الفساد موجود لكن تتم معالجته، حيث كانت مديرية الأسعار في الوزارة تعمل على مدى سنوات لمصلحة التجار.
وعن وجود ظلم لبعض التجار ورجال الأعمال بين سالم أنه ليس صحيحا لأن البعض منهم وافقوا على مضاعفة ضريبتهم 22 مرة برضاهم ودون أي ضغوط عندما تمت مواجهتهم بحقيقة أعمالهم، ودعا إلى تقديم شيء مختلف للعاملين في الدولة، وقدم مجموعة من الأمثلة عن وجود عمال في المخابز يعملون 13 ساعة يومياً، في ظروف بيئية لم يستطع الوزير تحمل وجوده نصف ساعة فيها على حد قوله، ومع ذلك استكثر البعض عليهم عطلة يوم الجمعة، وعمال المطاحن حتى اليوم لا يحصلون على أكثر من 150 ليرة طبيعة عمل في الشهر.
«علمني الصيد»
وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سيف الدين أشار إلى أن الوزارة عملت مؤخراً من خلال صندوق المعونة الاجتماعية على تقديم الدعم لأكثر من 400 ألف أسرة بمبلغ تجاوز 7.5 مليارات ليرة. وأشار سيف الدين إلى أن قانون التأمينات الاجتماعية يتعامل مع القطاعين العام والخاص على حد سواء، وبين أن الوزارة عملت على برامج تنموية للشباب وفق مبدأ أن «تعلمني الصيد أفضل من أن تعطيني سمكة»، وأشار وزير الشؤون إلى أن مقدار الدعم الاجتماعي السنوي الذي تقدمه الوزارة من خلال مختلف برامجها يصل سنوياً إلى 15 مليار ليرة.
الأغنياء يحصلون على الدعم الأكبر
رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي فادي خليل كشف أن الدعم في الفترة السابقة كانت تستفيد منه الفئات الأكثر غنى، حيث إن من يملك فيلا ومسبح فيها يحتاج إلى الكهرباء والمازوت المدعوم عشرات أضعاف ما يحتاجه المواطن الفقير لتشغيل مدفأة واحدة في بيته، وبالتالي كان الغني هو الأكثر استفادة من الدعم.
وأشار رئيس الهيئة أن هذه العمل يحتاج إلى منظومة إلكترونية دقيقة وتوفيرها يحتاج من 6-12 شهراً، حينها ستكون البدائل مريحة لتحقيق الغاية المرجوة، من خلال وجود مؤشر يعطي دليلاً واضحاً على من يستحق الدعم، حين سيتحول الدعم الذي يحصل عليه غير المستحق إلى دعم لمن يستحقه بشكل فعلي. وأشار رئيس الهيئة أن هيكلة الدعم لن تطول القطاع التعليمي والصحي لأنه سيبقى من حق الفقير والغني أن يذهبا للجامعة والمشفى.
الاستيراد متاح لأشخاص محددين
وكان عدد من الخبراء والمختصين ممن شاركوا في ورشة العمل قدموا مداخلاتهم حول موضوع الورشة. ومنهم الأستاذ الجامعي علي كنعان الذي رأى أن هناك مشكلة مزمنة في سورية في قضية التسعير، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة على مدى قرن مضى من حلها، حيث نجد سعرين لنفس السلعة بين المنطقة الفقيرة والغنية وهذا مرفوض في الاقتصاد، لأن السعر يجب أن يحدد من خلال التكلفة وليس مكان بيعها، كما أن هناك مشكلة في عدم تمكن الجميع من الاستيراد والتصدير لأنه متاح لأشخاص محددين، وهم الذين يحددون أسعار مستورداتهم شخصياً، حيث يصل سعر الزيت في أوكرانيا إلى 800 ليرة وإيصاله إلى سورية لا يزيد عن 1200 ليرة ونجدهم يسعرونه بقيمة 8 آلاف ليرة، وأشار كنعان إلى أن العامل لا يجوز أن يأخذ إعانة اجتماعية بل من حقه أن يحصل على الراتب المتوازن مع السلة الغذائية في البلاد.
ربط الدعم بقيمة العملة الوطنية
الإعلامي جانبلات شكاي تساءل عن حقيقة الالتزام بالمدة التي حددها رئيس هيئة التخطيط لإنجاز العملية، مبدياً أمله بألا يحصل الأغنياء على الدعم كما يحصل عليه الفقراء، وتخوف شكاي من أن تكون هذه الخطوة تمهيداً للتخلص من الدعم شيئاً فشيئاً، ودعا شكاي إلى ضرورة ربط الدعم بقيمة العملة الوطنية بشكل مستمر حتى يحقق الغاية المرجوة منه، لأنه لا فائدة من إعطاء مبلغ 100 ألف دعم وبعد فترة تصبح قيمتها في السوق قليلة جداً.
الدعم النقدي أقلها فساداً
رئيس المجلس الاستشاري في مجلس الوزراء محمود زنبوعة أكد أن سياسة الدعم المتبعة لم توصله إلى مستحقيه، ولم تلغ التفاوت الطبقي، لكن هذه السياسات أدت إلى زيادة الاستهلاك للسلع والهدر الكبير في المواد المدعومة، لذلك نحن اليوم بحاجة إلى إجراء مسح شامل لتحديد من يستحق الدعم، ويرى زنبوعة أن الدعم النقدي هو أحد أشكال الدعم وأقلها فساداً، ومن أهم مؤسسات الدعم هي السورية للتجارة التي تحتاج إلى إعادة هيكلة وتحديد دورها إن كان اجتماعياً أم اقتصادياً، اليوم الحكومة تعمل على إدارة النقص وهذا غير صحيح لأنه يجب العمل على زيادة الإنتاج وضبط الاستيراد وألا يكون محتكراً لقلة من التجار، وألا ندعم مستلزمات الإنتاج بل ندعم المنتج النهائي.
الحكومة سبب رفع الأسعار
الأكاديمي عابد فضلية أسف لعدم التطرق للمشكلة الأساسية وهي الفرق بين الدخل والإنفاق وهذا السبب عائد لحالة الفقر، ودعا إلى زيادة القوة الشرائية من خلال مشروعات تقودها الدولة وإصلاح القطاع العام ومكافحة التهريب وخلق بيئة استثمارية، لزيادة الإنتاج وليس بزيادة الضرائب، لأننا اليوم نعيش حالة أن القوة الشرائية هي أكبر من القوة الإنتاجية، ويجب أن يتم احتكار القلة للإنتاج والاستيراد.
وكشف فضلية أن الحكومة هي التي تسببت برفع الأسعار عندما رفعت أسعارها من 40 إلى 60 بالمئة، مما تبعه رفع الأسعار في السوق، وطلب فضلية تحريك الدور الاجتماعي للقطاع الخاص كما هو موجود في كل دول العالم، ورفض فضلية التمييز في الدعم بين الفقير والغني لأن الغني على حد رأيه يدفع ما عليه من ضرائب للدولة وبالتالي يعود مواطناً عادياً.
الأكاديمي أحمد حامد أشار إلى أن كل مادة يتم بيعها بموجب البطاقة الاجتماعية هناك مقابلها سوق سوداء، والسورية للتجارة غير قادرة اليوم على تأمين احتياجات الناس، وكانت سابقاً تأخذ 15 بالمئة من الكميات التي يستوردها القطاع الخاص، ولكنها لم تؤد دورها ويجب أن يتم تعديل مرسوم إحداثها، لأن هناك مليارات الليرات السورية قدمت لها من الحكومة وبدل أن تشتري بها مواد يحتاجها المواطن اشترت بها أدوات كهربائية ومفروشات غير مطلوبة وخزنتها في المستودعات، وطلب أن يكون هناك تأمين صحي شامل لجميع العمال وعائلاتهم وبشكل مفتوح.
دعم البرغل بدل الرز
الباحث طارق الأحمد دعا إلى ضرورة أن يكون هناك توازن بين القطاعين العام والخاص حيث أن جميع من يقبضون في القطاع الخاص سواء قيمة عمل أم سلعة تتم بموجب الدولار، أما القطاع العام فتتم بالليرة السورية.
وأشار الأحمد إلى وجود سؤال مزمن: لماذا كل برامج الدعم تأتي على مواد مستوردة بالدولار (سكر – شاي – رز – زيت)، ودعا إلى أن يكون الدعم للحاجات وليس للعادات، حيث يجب أن ندعم البرغل بديلاً عن الرز وزيت الزيتون بديلاً عن الزيت المستورد.
ماجد أبو حمدان اختصر الروائز المطلوبة لاستفادة الأسرة أن نبدأ بأسر الشهداء والجرحى والنساء المعيلات للأسرة والأسر المهجرة والأسرة التي لا تملك مسكناً من ذوي الدخل المحدود، والنتيجة يجب أن تصل السلع والخدمات إلى مستحقيها بشكل فعلي. وذلك من خلال بطاقة معونة تعتمد طريقة النقاط، والاستفادة منها على مدى العام وليس شهرياً وعدم تحديد صالات لسحبها وإعادة تفعيل صندوق المعونة الاجتماعية.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)