آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » أ . د . اسماعيل أبو صفية: “من الحب ما قتل”.. مشاركة من روائع الأدب العربي

أ . د . اسماعيل أبو صفية: “من الحب ما قتل”.. مشاركة من روائع الأدب العربي

أ. د . اسماعيل أبو صفية

لفت انتباهي تحليل أدبي يشير إلى شاعر عربي  قديم تركت قصته أثرا كبيرا في الأدب العربي ، كما كان لتلك القصة أيضا تأثير في الأدب الفارسي حيث وردت تلك القصة في ملحمة الكنوز الخمسة للشاعر الفارسي نظامي كنجوي كما رسموا  للقصة منمنمة فارسية  قبل ٥٠٠ عام تقريبا ، كما أنها أثرت في الأدب التركي والهندي والأوردي كما أن ذلك الأثر امتد ليشكل نواة مستوحاة من أدب الحب العذري ليترك بصمة في  الأدب الغربي في القرون الوسطى وما تلاها وخير مثال على ذلك روميو و جولييت … مثلا …

فمن هو هذا الشاعر الفذ وما قصته؟

إنه قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى عاش في الفترة ٦٤٥م _ ٦٨٨م ، لم يكن مجنونا ولكنه

لقب بذلك لشدة هيامه وحبه لليلى العامرية إبنة عمه وقد تربيا معا في الصغر وكانا يرعيان مواشي أهليهما وكانا رفيقا لعب قبل الصبا حيث يقول :

تعلقت ليلى وهي غر صغيرة          ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا      إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

فأجابته ليلى وهي باكية لما سمعت شعره :

وكلٌ مُظهرٌ للناس بُغْضًا        وكلٌ عند صاحبه مكينُ

تُخبرنا العيون بما أردنا        وفي القلبين ثمَّ هوىً دفينُ

وكما هي عادات البادية، حُجبت ليلى عنه عندما كبرت ويبدو ذلك في الأبيات السابقة التي يتمنى فيها لو أنهما لم يكبرا ولم تكبر المواشي .

ونتيجة لهذا الحجب اشتد به الوجد وصار يتذكر الأيام الخوالي متمنيا أن تعود معبرا عن ذلك بشعر مرهف بالمشاعر الجياشة خلدته كتب الأدب ..

تبعا لذلك قرر أن يخطبها وهنا ظهرت مصيبة أخرى لقيس متمثلة برفض طلبه للزواج من محبوبته متذرعين بأنه شبب بها أي قال فيها غزلا والتشبيب كان في عرف البادية من موجبات عدم زواج المتغزل بالمتغزل بها وإلا كان عارا وفضيحة تلتصق بالقبيلة .

ثم تفاقمت الأمور بعد أن جاء عريس آخر _ورد العقيلي _ من ثقيف فزوجوه إياها عنوة رغم أن قيس قدم مهرا من ٥٠ ناقة حمراء في حين أن المهر الذي قدمه ورد كان فقط ١٠ نياق

هنا جن جنون قيس غضبا وألما وحزنا وهام على وجهه في البراري والقفار متغنيا بحبه العذري بأجمل الأشعار في الشام أحيانا وفي نجد أو الحجاز أحيانا أخرى .

نشأ قيس وليلى في قرية صغيرة اسمها الآن ليلى تقع إلى الجنوب الشرقي من الرياض في  نجد وهي معلم سياحي يزوره حجاج هندوس و بوذيون وغيرهم تبركا بمغارة قيس على جبل الثوبان(التوباد) في تلك القرية ولهم طقوسهم الخاصة أثناء الزيارة .

ومن أشعاره بهذا الخصوص :

تذكرت ليلى والسنين الخواليا        وأياما لا أعدي على الدهر عاديا

أعد الليالي ليلــــــة بعد ليلـــــــة    وقد عشت دهرا لا أعد اللياليــــا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدمــــــا    يظنان كل الظن أن لا تلاقيــــــا

ويقول أيضا :

وإني لأهوى النوم في غير حينه     لعل لقاءا في المنام يكـــــــــــون

تحدثني الأحـــــــــلام أني أراكم     فيا ليت أحــــلام المنام يقيـــــــن

ويقول أيضا:

أليس الليل يجمعني وليلـــــــــى ؟   كفاك بذاك فيه لنا تدانــــــــــــــي

ترى وضح النهـــــــــار كما أراه   ويعلوها النهـــــار كما علانــــــي

بلغ الحزن منه إلى حد الهوس فاقترح أحدهم أخذه للحج عسى أن يدعو ربه فيشفى وعندما وصل الكعبة المشرفة وتعلق بأستارها قال :

“اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا”

ونظرا لما آل إليه حاله من سوء وتردي أشفق عليه كثير من الناس فاقترحوا أن يطلبوا من ورد العقيلي زوج ليلى أن يسمح له بالزيارة لعل في ذلك شفاء وتخفيف من سوء ما آل اليه ،

وافق ورد على قبول الزيارة  مرحبا وما كان من قيس إلا أن يبادره بشكل مباشر بهذه الأبيات الشعرية :

بربك هل ضممت إليك ليلى؟      قُبيل الصبح أو قبلت فاها؟؟

وهل رفت عليك قرون ليلى؟      رفيف الاقحوانة في نداها؟؟

فقال له ورد: أما إذ حلفتني… فنعم ….

فقبض قيس بكلتا يديه على النار ولم يتركها حتى سقط مغشيا عليه.

وبعد مدة بلغه أن ليلى مريضة في العراق فقال :

يقولون ليلى بالعراق مريضة        فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

ثم توفيت ليلى فجن جنونه ألما وحسرة وهام على وجهه وقال :

أمرُ على الديار ديار ليلى      أُقبلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي    ولكن حب من سكن الديارا

وظل على هذه الحال إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت وروي أن امرأة من قبيلته كانت تحمل له الطعام إلى البادية كل يوم وتتركه فإذا عادت في اليوم التالي لم تجد الطعام فتعلم أنه ما زال حيا وفي أحد الأيام وجدته لم يمس الطعام فأبلغت أهله بذلك فذهبوا يبحثون عنه حتى وجدوه في واد كثيرالحصى وقد توفي ووجدوا بيتين من الشعر خطهما باصبعه هما :

توسد أحجار المهامة والقفر       ومات جريح القلب مندمل الصدر

فيا ليت هذا الحب يعشق مرة      فيعلم ما يلقى المحب من الهجر

ومن أشعاره :

ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر    حبيبا ولم يطرب إليك حبيب

ويعتبر قيس واحدا من شهداء الحب العذري لما أبداه من عفة ونبل عواطف. ونختم بقوله

ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة        اناجيكم حتى أرى غرة الفجر

لقد حملت أيدي الزمان مطيتي     على مركب مستعطل الناب والظفر.

هذا مختصر شديد لقصة من روائع الأدب والتراث العربي القديم أتمنى أن أكون قد وفقت في توصيلها رغم الإيجاز الشديد.. وحيث إن الشجى يبعث الشجى فإنني  أسجل أنني اندمجت مع الأحداث والأشعار و حزنت حزنا شديدا رغم أنني أعرف أحداث القصة وما يرافقها من أشعار منذ زمن بعيد ..فهل حزني مبرر ؟؟؟؟

 

سيرياهوم نيوز- رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حلب تودع أحد أعلامها الذين عشقوا التاريخ العريق لسورية … محمد قجة موسوعي حدد منزل المتنبي وأمين حلب عاصمة للثقافة الإسلامية ونال جائزة الدولة التقديرية في النقد والدراسات

مصعب أيوب   نعت الأوساط الثقافية السورية ممثلة بوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، الباحث والكاتب السوري محمد قجة الذي غادرنا أمس الأربعاء عن عمر ناهز ...