آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الروسفوبيا….سر العداء البريطاني لروسيا…. (الجزء الثالث).

الروسفوبيا….سر العداء البريطاني لروسيا…. (الجزء الثالث).

باسل علي الخطيب

تساءلنا في الجزء السابق، لماذا عدل هتلر عن غزو بريطانيا، وذهب بقواته لاجتياح الاتحاد السوفييتي الذي لم يكن يشكل أي خطر أو تهديد يذكر أبداً على المانيا…

يطلق الروس على حربهم مع ألمانيا النازية اسم الحرب الوطنية العظمى ( великая отечественная воина – إختصاراً ВОВ )…..لكن أوكرانيا أزالت مصطلح الحرب الوطنية العظمى من معجم اللغة الاوكرانية، بموجب قرار للبرلمان الأوكراني عام 2015، واستبدلته بمصطلح الحرب العالمية الثانية….لذلك نقول إن الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا أبعد من أن تكون مجرد معارك عسكرية، إنما هي في حقيقتها تحمل ابعاداً اعمق بكثير….

خلال الحرب الوطنية العظمى التي استمرت لأربع سنوات 1941 _ 1945، خسر الاتحاد السوفياتي في المعارك 6.4 مليون قتيل عسكري، إضافة إلى 4.4 مليون عسكري قضوا نحبهم في الاسر، إضافة إلى 22 مليون قتيل مدني، وذلك في أكبر خسائر بشرية تمنى بها دولة ما في التاريخ البشري خلال حرب واحدة…..

نعم، يعود الفضل للاتحاد السوفياتي، وللاتحاد السوفياتي فقط، أنه تم القضاء على النازية، كانت الجبهة الشرقية في الحرب مع النازية، تستهلك 80 بالمئة من القدرات العسكرية الالمانية، وكل الجبهات الأخرى في أوروبا الغربية وإيطاليا وأفريقيا ويوغسلافيا واليونان ال 20 بالمئة فقط….

كان بإمكان الحلفاء الانجلوساكسون فتح الجبهة الغربية في فرنسا أواخر عام 1942، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة الحرب، وبعد أن استعادت بريطانيا بعض عافيتها، لكن الانجلوساكسون أجلوا الإنزال على شواطيء النورماندي في فرنسا إلى أواسط عام 1944، حتى يتم استهلاك كلتا القوتين المانيا والاتحاد السوفياتي إلى أقصى الحدود….

هنا اريد أن أشير إلى نقطة قديمة جديدة، كان في عداد الجيش الالماني، قوات من الدول التالية: المجر، بلغاريا، تشيكيا، سلوفاكيا، رومانيا، كرواتيا، النمسا، النروج، ايطاليا، اسبانيا، هولندا….وتلك القوات لم تكن بضع مئات، إنما كانت بعشرات الالاف، ولعبت دوراً مؤثراً في العمليات العسكرية…
مرة أخرى، كل أوروبا تحارب روسيا ….

كان من نتاج تلك الحرب الدمار شبه الكامل للجزء الأوروبي من الاتحاد السوفياتي، و دمار ألمانيا بالكامل….
نعم، لو أن الاستخبارات البريطانية M6 قد خططت لكي يفعل نابليون و هتلر ما فعلاه، لما نجحت الخطة كما نجحت في واقع الأمر….

و لكن لماذا نقول لو؟… أيعقل أن فرنسا البونابورتية والامبراطورية البريطانية، أو ألمانيا النازية و الإمبراطورية البريطانية، لم يكونا إلا شركاء ألداء؟؟!!…
شركاء الداء قد تنازعوا أيهم ينال الحصة الأكبر من الكعكة؟ و إنهم و على مدى أكثر من ثلاثة قرون كانوا يرون في روسيا الخطر الأعظم الذي يهدد كل منظومتهم؟…

لاحظوا أن العداء من دول غرب أوربا لروسيا كان موجوداً دائماً بغض النظر عن النظام السياسي في روسيا، كان ذلك أيام روسيا القيصرية و روسيا السوفيتية و روسيا الحالية…
نعم، ذاك العداء لم يكن له علاقة بالتنازع على الفضاء الجيوسياسي أو أنه عداءً إيديولوجياً، العداء له أبعاد أكبر و أخطر بكثير….

العداء بين الغرب و روسيا هو اختلاف منظومتي القيم، هو اختلاف ثقافي تصل حدته إلى درجة الإلغاء أو التهديد الوجودي، و قد تجلى ذلك بشكل فج في الحرب الحالية….

روسيا لا تملك الآن تلك الطموحات الجيوسياسية كما كان الأمر أيام الاتحاد السوفييتي، روسيا الحالية تقدم نموذجاً قيمياً يخالف أو يكاد يقوض النموذج القيمي الليبرالي الغربي المتوحش، و هذا النموذج القيمي الروسي يلقى قبولاً عالمياً لا بأس به…..

بعد أن نجحت روسيا في النهوض من عثرتها في تسعينيات القرن الماضي، بدأت، شأنها شأن الاتحاد السوفييتي طرح بديلاً للعالم الذي بناه الأنغلوساكسون.. لتواجه بريطانيا روسيا بالاتهام دوماً أنها تسعى إلى تقويض النظام العالمي الحالي..
يتساءل المرء هنا، ما هي طبيعة هذا التقويض؟ و ما السر وراء رد الفعل البريطاني المبالغ فيه؟ فروسيا في نهاية المطاف، لا يمكن أن تتحدى الغرب اقتصادياً، أما من الناحية العسكرية، فروسيا أضعف من الناتو مجتمعاً، ولاتتفوق عليه إلا إذا تطور النزاع إلى حرب نووية….

الأمر يعود ببساطة إلى أن الإمبراطورية الأنغلوساكسونية شأنها شأن أي إمبراطورية كبيرة، في طريقها إلى الانهيار من داخلها تحت وطأة التشوهات الاقتصادية المتراكمة، و العلاقات الاجتماعية المنحرفة و غير القابلة للإستمرار و الحياة، و ذلك حكماً لا يندرج تحت مسمى صراع الإيديولوجيات السياسية، الحديث يدور هنا حول ما هو أعمق بكثير يدور حول انهيار منظومة القيم كما أسلفنا…

تتبنى روسيا نموذج الدولة المركزية القوية التي تستند إلى قيم تقليدية محافظة، فهي ترفض على سبيل المثال القبول بزواج المثليين، و تحافظ على قيمة الأسرة كإحدى القيم التي لا جدال عليها، و تدافع عن تلك الرؤية كبديل عن الرؤية الغربية….

يمكن الجزم أن العداء الأنجلوساكسوني لروسيا هو عداء أزلي، نعيد التكرار و القول أن ذاك العداء ليس مرتبطاً بالتنازع على الفضاءات الجيوسياسية أو المصالح الاقتصادية أو على صراع إيديولوجيات متضادة، هذه ليست إلا مخرجات ذاك النزاع القيمي الأخلاقي…

خلال السنوات العشرين الأخيرة، دخل النزاع عامل جديد، أخذ ابعاده الكبرى في السنوات الخمس الأخيرة، كان من التحولات الكبرى في السياسة الدولية في القرن الواحد العشرين، أن المال مع وسائل التواصل الاجتماعي صارا لاعبان جيوسياسيان مهمان…
منذ وصول بوتين سدة الحكم في روسيا عام 2000 صار المال أحد أدوات القوة الناعمة لروسيا….ضخت الأوليغاركية الروسية الكثير من الأموال في سوق المال و الاعمال في بريطانيا…
نشات نتيجة لذلك طبقة واسعة مستفيدة من المحامين و المحاسبين ووكلاء العقارات و مستشارو العلاقات العامة، لخدمة احتياجات رجال الأعمال الروس…
هذا الجيش لعب دوراً في توسيع النفوذ الروسي بشكل أفقي، و الاهم بشكل عمودي،الكثير من أعضاء مجلس اللوردات لديهم مصالح مرتبطة بروسيا، أو يعملون لدى شركات لها علاقة وثيقة بروسيا….روسيا صارت تمتلك تاثيراً كبيراً جداً في الداخل البريطاني، وعلى عدة مستويات، الأمر الذي استدعى تصنيف المخابرات البريطانية الداخلية M5 لهذا التأثير أنه من درجة عالية الخطورة جداً….

ما أن انطلقت الرصاصة الأولى في الحرب الاوكرانية، حتى وجدتها لندن فرصة سانحة لتصفية الوجود المالي والتأثير الروسي في الحياة العامة في بريطانيا…لا يخفى على أحد، أن لندن تعتبر أهم المراكز على مستوى العالم لإعادة تدوير رؤوس الأموال المشبوهة، يقدر راس المال الروسي المستثمر في بريطانيا ب 800 مليار دولار، هذا مبلغ كبير جداً، يسيل له لعاب الحكومة البريطانية، لذا تسعى بكل الطرق غير القانونية لوضع يدها عليه، والمثال الصريح على ذلك، الطريقة المشبوهة غير القانونية التي تم اعتمادها لوضع اليد على نادي تشيلسي اللندني لكرة القدم، والذي كان يملكه رحل الأعمال الروسي رامان ابراهوميتش، والذي يقال أنه مقرب من فلاديمير بوتين، تلك الطريقة التي خالفت كل قوانين الليبرالية الاقتصادية….

هل سبق وقراتم مذكرات ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني في ولايتين أعوام 1940-1945 و 1950-1955، والذي نال جائزة نوبل للأدب عام 1953، وهو السياسي الوحيد الذي حصل عليها، وليس هناك من سبب له علاقة بالقيمة الأدبية لمؤلفاته يخوله استحقاق تلك الجائزة، علماً أنه فشل في الحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1945، أما سبب فوزه بالجائزة فنتركه للجزء القادم من هذا البحث….
في تلك المذكرات، وفي مرات عدة عندما كان يتحدث ونستون تشرشل عن الروس، كان يتحدث ورائحة الكراهية، أو عدم الود ظاهرة من بين كلماته…
على فكرة عنوان الفصل الأخير من تلك المذكرات كان ( الستار الحديدي ) في إشارة للاتحاد السوفياتي… هكذا ينظر البريطانيون إلى الروس….

يتبع مع الجزء الرابع والاخير….
(سيرياهوم نيوز4-خاص بالموقع)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل تستجيب الأنظمة العربية لميزان القوى الجديد؟

  رأي طراد حمادة   ردّت إيران بقوة فائقة على اغتيال المستشارين في قنصليّتها في دمشق، وهو اعتداء مشهود وإرهاب صريح يكشف عن طبيعة حكومة ...