الرئيسية » ثقافة وفن » الفعل الثقافي والإدارة

الفعل الثقافي والإدارة

| إسماعيل مروة

جاء عن الإمام علي كرم الله وجهه (كل عيبٍ الكرمُ يغطيه) وقد حفظت هذا القول مبكراً لأنه من الشواهد في كتب النحو والألغاز النحوية، ولم يكن يخطر لي ببال أن يكون قول الإمام لا يقتصر على الشواهد النحوية القديمة، ولم يخطر لي أنّ هذا القول يجب أن يرافق حياتنا في كل المفاصل الحياتية، وترافق تذكري لهذا القول الذي لم يفارقني باستعادتي لقوله البليغ (لا مروءة لبخيل) فالبخل منهي عنه، والكرم خصيصة في القولين، وعلى كل صعيد، وعلى كل مستوى، ابتداء من الحياة الشخصية إلى الحياة الأسرية، إلى الجوانب العاطفية، إلى الحياة المجتمعية والمؤسسية.. وفي الفعل الثقافي تحديداً، من المفترض العمل وفق منهج الكرم، وفي مسار مضاد للبخل، فالكرم في البحث يصل بنا إلى الأبحاث اللائقة التي تستحق منا الجهد والتكاليف والأعصاب، وحين يتناقص العائد المادي الذي يحفظ الحياة والكرامة تنخفض الجودة، ويغيب التميز.

دولنا العربية والحكومات المتعاقبة أدركت خطورة غياب المجهود الفكري والبحثي الخلاق المميز، القادر على النهوض بالمجتمع، فألحقت صفات البحث العلمي بالوزارات المختصة، وقامت بتشجيع الجهود الفكرية والفردية الجمعية وأنشأت الجوائز والحوافز، وبين فترة وأخرى نرى نتيجة هنا وأخرى هناك، ولكن هذه الجهود لم تثمر، فمراكز الأبحاث العربية في كل البلدان ما تزال دون مستوى الطموح، وبعض هذه المراكز بدأت مبشّرة، ولكنها مع الوقت تحولت إلى مكاتب وظيفية تحتوي على مئات العاملين، وربما آلاف العاملين الذين يمارسون البطالة المقنّعة..!

وجامعاتنا العريقة القديمة التي خرجت العشرات من المبدعين، الذين عرفت إبداعاتهم ومواهبهم في ارض غير سورية، وغير عرية، هذه الجامعات تدنى مستوى تصنيفها على المستوى العالمي لأسباب تتعلق بالبحث العلمي والمستوى العلمي، قلّما نجد في هذه الجامعات العريقة فريقاً بحثياً في المجال العلمي أو الإنساني الأدبي، وتحول البحث والتدريس إلى عمليات آلية، يرتقي فيها ذاك الذي يجيد الصمت ولا يتمتع باللمعة الفكرية التي من الممكن أن تسبب كشف الفارغين، والسبب الأساسي والرئيسي الذي لا يمكن تجاهله هو السبب المادي، ولا يوجد سواه أي سبب، فالبحث العلمي والجهد الفكرية هو عمل استثماري يدر أرباحاً هائلة، لكنه يحتاج إلى الكثير من البذل، بل يحتاج إلى الكرم الزائد عن الحدّ، فما من مجهود فكري يمكن أن يكون من فراغ مادي، وليس من حق أي جهة في الحكومات أو المؤسسات أن تطلب التميز البحثي والفكري من خواء مادي، ومن فقر موجه، أو إفقار مقصود لهذه الشريحة التي تعتمد في سيرورتها على الفكر والعمل الثقافي، لابد من البذل المادي الكبير من أجل التميز، ومن أجل التفرغ للعمل الفكري أما أن أمارس أقسى أنواع الحرمان على هذه الشريحة، ومن ثم أطلب منهم الإبداع العلمي والطبي والهندسي، فلابد من تحقيق البيئة الملائمة والمناسبة للإبداع الفكري والعلمي، سواء كان ذلك فكرياً أم علمياً بحتاً.. والعالم المتحضر وصل إلى مراحل متقدمة فيما يسمى الاستثمار في الفكر والخبرة والرأي، فالمؤسسات الاستشارية تتواصل مع المبدعين والمفكرين وتأخذ خبراتهم، وفي أحايين كثيرة عبر وسائل التواصل، وتدفع لهم المبالغ الطائلة التي تتجاوز الحلم في كثير من الأحيان، وبشكل دوري ومنتظم، ونحن ما نزال نبحث عن الورقة والتوقيع والحضور! ألا تعرف الجهات الوصائية أن عشرات، بل مئات من الطاقات الشبابية والعلمية داخل سورية، يوجد من يرسل لها الأبحاث ويطلب استشارتها وحلولها، ولم يسبق أن التقوا بهم؟!

هل جربت الجهات المسؤولة أن تقوم بمثل هذه المشروعات والتجارب للمبدعين الشباب؟!

الاستثمار في الفكر غاية في القيمة والأهمية، ولكن بأن نشحذ الفكر ونحمسه وندفعه إلى الإبداع وإلى البحث عن حلول لكل ما يعترض، وليس بأن نقوم بتحويل الأفكار والمفكرين إلى شحاذين ومتسولين، إن عملوا معنا أخذوا الفتات! وأغرب ما في الأمر أن الذين يملكون طاقات فكرية وآراء تبحث عنهم مراكز الأبحاث والمؤسسات للاستفادة منهم، وإغراقهم في حياة هادئة تمكنهم من الإبداع واقتراح الحلول، أما نحن فالعمل يجري للبحث عنهم وتكبيلهم بالتزامات وضرائب ورسوم! وكأننا نقول له إياك أن تبدع لأننا سندفعك إلى الجوع حتماً!

ماذا ينتظر المبدع والمفكر والمخترع؟!

أي نوع من الطاقات والشباب نريد؟!

الثقافة والفكر والإبداع استثمار وصناعة، فلنجد إدارتها لتغدق علينا من دون أن نفرض ونحاصر ونقتل كل موهبة!

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن مسرحية معركة بدر بين أبي سفيان والنبي .. والمسرح الاسرائيلي الايراني

    نارام سرجون   أنا لاأصدق التاريخ وأعتبر أنه مليء بالطلاسم والألغاز والأكاذيب والتزوير .. ويستحق اي كشف تاريخي ان يجري صاحبه مثل ارخميدس ...