الرئيسية » ثقافة وفن » الفوضى وإعادة القراءة

الفوضى وإعادة القراءة

 

| إسماعيل مروة

 

لم نصل اليوم على الرغم من كل المؤشرات إلى قناعات ولو براغماتية مصلحية في إعادة تقويم القضايا والمصالح، مع أننا عرفنا بما لا يقبل الشك الجيد من غيره، والصالح من غيره، والفاسد من سواه، ولا يعفى واحد من تبعات عدم المراجعة، ففي وسائل التواصل إيجابيات كما فيها سلبيات.

 

فوضى الميديا والإعلام ظاهرة طاغية اليوم، ومنذ مطلع الألفية الثالثة ظهر أثر هذه الفوضى، ومع ما أطلق عليه المنظّرون تسمية الربيع العربي لغايات وأهداف خاصة بهم، وبمن يقف وراءهم ويمولهم، وقد شهد المتابعون مع هذا الربيع القاحل والجاف والمدمر والقاسي ارتباط مراكز أبحاث بجهات خارجية عديدة في مصر وسواها، بل شهدنا ارتباط باحثين يجلّهم الناس ويقدمون لهم الاحترام، ويحضرون محاضراتهم بجهات خارجية تحت مسميات براقة، وكل غايتها، أي المراكز ومن يقوم عليها، المنفعة المالية، وتحويلات الأرصدة والنجومية، سواء للباحثين الكبار أو الباحثين الشباب الذين يشقون طريقهم في ميادين البحث العلمي، ولأن المراكز البحثية كانت داعمة لوسائل التواصل الاجتماعي، فقد عملت على منحها مفاتيح البيئة الاجتماعية التي يخاطبونها، فاعتمدوا في الخطاب على شعارات رنانة لم تتحقق يوماً، ولن تتحقق في يوم من الأيام، وركزوا على الخطاب العاطفي القادر على تجييش الشرائح الكبرى في المجتمع، سواء كان الخطاب الإيديولوجي أو الديني أو المذهبي والطائفي، ففجأة، ودون سابق إنذار بدأت شعارات تبحث عن إنصاف أقليات أو أكثريات لم يكن لها من وجود في معجماتنا الحياتية والسياسية، وظهر إخفاق الثوب المدني والعلماني الذي قدمته الأحزاب السياسية بكل توجهاتها، وصار شعار يأتي من واحد لا مكانة فكرية له يملك القدرة على تجاوز كل ما تم بناؤه خلال قرن من الزمن من بداية النهضة إلى مسيرة الدولة الوطنية، وهذه الأمور تجاوزت مراكز البحث والشباب والعامة لتصل إلى النخبة السياسية التي لا تملك مواصفات النخبة، واستفادت كل الفائدة من النظم السياسية، ولأنها تطمح إلى الأكثر، وربما إلى أبدية الفائدة والسلطة، جنحت إلى جانب آخر معتمدة على قراءتها السياسية في القدرة على الاستفادة من كل الظروف والأزمان، فبإمكانها أن تنقل البندقية من كتف إلى آخر لتبقى في الصدارة والفائدة، ومن هنا رأينا تأثير وسائل التواصل النفسي الكبير في تحييد نخبة سياسية في كل البلدان العربية بعد أن عاشت عمرها في الفضاء السياسي والحكم، وتنقلت في كل مكان ومنصب من السفارة إلى الاستشارة والوزارة وما إلى ذلك لتكتشف فجأة أن الأمر يحتاج إلى تغيير، والذي يدهش ويدفع إلى خوف قاتل يتمثل في النزعة العاطفية التي يطلق عليها ثقافة القطيع في المصطلح السياسي، فقد رأينا جماعات كثيرة، ولا أقول بالفرادى تنساق خلف واحد كان من أقسى القساة ومن أعتى العتاة، ويتحدثون بالإجلال عن شخص كان في مواقع فاعلة جداً في السلطة، وكان يستبيح كل شيء، ولو تمكن لنفى أي شخص يقول برأي يخالفه، لمجرد أن هذا الشخص غير موقع بندقيته بما يناسب العاطفة الغريزية المجتمعية، والتي نسيت في لحظة واحدة ما كانت فيه من بحبوحة وحياة، وتألبت مع المتألبين!

 

ورأينا حالات لا تقل تطرفاً عن الحالة من جوانب أخرى، وكأنها تريد أن تنفي كل شيء ما عداها، وبعد أكثر من عقد من الحرب على سورية، وأكثر من قرون من الدمار الذي طال كل شيء، وبعد تكشف الكثير من الحقائق في كل جانب، نجد من يقول: عنزة ولو طارت، فالذي كان يجول في شوارعنا، وطائرته تفلح الدروب ذاهبة آتية، وفجأة صار خصماً، وعنيداً وقاتلاً، يعترف بلسانه ويقول الحقائق المدهشة عن أولئك الذين كانوا في قمة هرم السلطة، وتعاونوا معه! شتمهم! لكن الأمر لا يعنيهم، تحدث عن أمنياتهم وأثمانهم فما اكترثوا، نال فكرهم وسياستهم وكل ما قدموه، وفضح الأثمان التي دفعت لهم، وكشف الغطاء عن مخازيهم، ومع ذلك هم يصممون على تصدر الشاشات ويقدمون الشهادات السياسية، ونسوا أن الذي انكشف من أحلامهم وأمانيهم أظهر عوراتهم كلها، ولم يبق من غطاء عليهم..! لجؤوا إلى التاريخ واستحضاره لتستمر الفتنة، بل لتستمر منافعهم ويتحدثون عن مأساة شعب كانوا وراءها وسببها وأساسها!

 

اليوم يتحدث هذا، ويتحدث ذاك، هذا من الداخل، وذاك من الخارج، وما من ضمير للناس والشعب يطلب منه أن يسكت، يقولون: الأدب الشعبي ينقل تجارب الشعوب، ويمثل ضمير الناس والشعب، هل انتهى هذا الضمير الشعبي؟ هل فقد صلاحيته مع المصالح والأموال والهبات؟ أما استوعب كل هؤلاء رحيل الكثيرين في كل مكان ومن كل جهة خلال هذه السنوات؟ أما شكلت مصائب البشرية رادعاً لهم للعودة مرة أخرى إلى الذات لتكون هذه النهايات أقل ألماً، وتقترب من التصالح؟!

 

وسائل التواصل التي أشعلت هي نفسها التي تفضح وتنقل النهايات، ومع ذلك يظن من قتلته الظنون أن ما قام به ويقوم به بعيد عن الأعين والناس! ولكن متى نعي مصالحنا وضرورة أن نحيا بهدوء مطلق؟ ومتى نخرج من انتماءاتنا الضيقة بالانتماء الأجوف لنعرف أن الحياة مصالح، وأن الحياة لا تتعلق باتفاق أو افتراق؟! بعد عقود من الصراعات ما زلنا نشهد بيننا من يريد أن يحيا هذه الصراعات، ولم يصل إلى نتيجة تعني قلب الصفحة إلى غير رجعة!

 

نحن بحاجة إلى مراجعات، وإلى اعتراف بأخطائنا مهما كانت هذه الأخطاء فظيعة، وأن نقبل دفع أثمان أخطائنا لننطلق إلى مرحلة أخرى من الحياة والتفسير والمعرفة والمحاسبة.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المثقف الذي نحتاج اليه للمجتمع والدولة

  بقلم:الباحث والكاتب أيمن أحمد شعبان * قبل أن نتحدث عن هذا المثقفِ الذي يمثلنا، لا بد لنا من أن نتحدث، ولو قليلاً، عن مفهوم ...