آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » ” حكلّي.. لحكلّك” !!

” حكلّي.. لحكلّك” !!

د.بسام الخالد

قديماً قيل: « ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك » ، وقد قيل هذا المثل ليعزز مقولة الاعتماد على الذات ونفي التواكل الذي يعشش في نفوس الكسالى من أبناء المجتمع بمناحيه المختلفة. ومع تشابك المصالح الحياتية التي انطلقت مع نظرية « العقد الاجتماعي » في طـور تشكل المجتمعـات البشرية الأولى، بدأت علاقات التبادل الإيجابي ـ إن صحت التسمية ـ بين الناس، أو ما يسمى بعلم الاقتصاد « المقايضة » بمعنى أن كل شريحة بشرية كانت تقايض إنتاجها بإنتاج آخر ليس متوافراً لديها لتسد حاجاتها وتكتمل دورة الحياة لديها. في هذا الأسلوب من التبادل، الذي مازال سائداً حتى يومنا هذا، نلاحظ نوعاً من التكامل الاقتصادي والتعاون الاجتماعي بشكله الراقي الذي تفرضه حياة المجتمعات، وقد تطور هذا الأسلوب بنظمه ومعاهداته ومواثيقه ليتخذ أشكالاً معقدة تفرضها طبيعة الحياة. وقياساً على هذا التطور فقد تعقدت شبكات التبادل لتشمل المصالح السياسية والاقتصادية والفكرية وبدأت تمارس فيها الضغوط بين مجتمع غني ومجتمع فقير بحكم الحاجة والعرض والطلب، مما أثّر على علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وأصبحت المصالح والمنافع هي السائدة في الكثير من معاملات المجتمع.. فلا خدمة من دون هدف، ولا عمل من دون عملٍ مقابل، حتى بات المثل القائل: « حكّ لي.. لأحكّ لك » هو السائد في العديد من صور التعامل اليومية بين الأفراد وفي مناح متشعبة لا مجال لحصرها الآن، حيث دخلنا في زمن تتسارع إيقاعاته، وتتبدل قيمه وتتعزز فيه الأنا وتطغى فيه لغة المنافع والمصالح، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماهي أسباب تدهور العلاقات الإجتماعية التي شكلت إلى زمن قريب دفء العلاقات بين الناس، ولماذا أصابت النفوس تغيرات بنيوية جذرية ومعها سادت حالة من صقيع القلوب؟! تدخل أحد المكاتب التجارية فتلتقط أذناك عبارات مثل: ” مشّينا الموضوع ونحنا ما رح ننساك” .. ويضيف المتحدث: ” انت أبوها وأمها، وما بينخاف عليك، حصتك محفوظة مع بوسة وحبة مسك” ! في إحدى الدوائر تسمع عبارات مثل: ” معاملتك بدها دراسة.. تعال بعد كم يوم” .. تخرج ملتزما بقرار الموظف فيلاقيك أحد السماسرة ويعرض عليك خدماته مقابل أن تدفع، وأمام الحاجة تدفع ما تيسّر وتكتشف أن معاملتك أصبحت منجزة بقدرة سمسار! تذهب إلى إحدى الدوائر لتقابل مديرها، يفاجئك مشهد لم تعتد عيناك عليه.. استاذ جامعي يطلب مقابلة المدير فيتذرع مدير مكتبه أنه سيخرج سريعاً الى اجتماع، وبقدرة قادر يدخل شخص آخر بترحاب، ويتبين أنه سمسار، أو ( مفتاح) للمدير! تذهب لقبض قيمة “كشف” عن قيمة أعمال نفذتها، فيماطلك المحاسب ويتذرع بنقص السيولة وعدم توفر المبلغ المرصود حاليا، تخرج وتعود والذرائع والمماطلة هي.. هي، وبعد أشهر تتعلم الدرس ويأتيك (الشيك) موقعاً ومختوماً وجاهزاً للقبض.. لكن بحضور المحاسب الذي يرافقك للبنك لقبض حصته! لقد أصبحت لغة المصالح والمنافع هي السائدة، فأينما تكن المصلحة تجد الرغبة في نسيج علاقة، غالباً ما تكون نفعية، فالعلاقات بين البشر محكومة دائماً باستمرار المنفعة المتبادلة الأمر الذي أدى إلى تراجع القيم الأخلاقية وتنامي النزعة الاستهلاكية، لأن العلاقات النفعية تترافق مع التنازل عن الكثير من القيم الأخلاقية والسلوكية إلى حد الوضاعة. هذه المصالح المتبادلة ما زالت تتحكم بعلاقات الناس في مجتمعنا، وهناك أمثلة لا تعدّ ولا تحصى في شتى مفاصل حياتنا، من أصغر القضايا إلى أكبرها، فقد بات الاستغلال والابتزاز والرشى والشطارة عناوين لقصص تروى كل يوم، ومع ذلك لا يصدق أحد أن أموره تمشي من دون مقابل، فيقتنع بالمثل القائل: (حكّ لي.. لأحكّ لك) لدرجة أن بعض الأظافر قد تآكلت من الحك وبان من تحتها اللحم الحي!!

(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب28-1-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المالُ وحَماقَةُ البَشَريَّةْ!.

    أحمد يوسف داود   أَرجو المَعذِرةَ إن قلتُ: إِنّني لاأظنُّ أنّ البَشريّةَ عُموماً قد عَبدتْ يَوماً إلّا حَماقاتِها!.. وهذهِ بَعضٌ من أَدِلَّتي: تُرى، ...