آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » دولار المودعين في المصارف اللبنانية بين خيارين

دولار المودعين في المصارف اللبنانية بين خيارين

 

 

د. غازي وزني

 

يعاني المودعون في لبنان منذ أربع سنوات ونيف من سياسة تذويب قسري لودائعهم بالعملات الأجنبية والاقتطاع من قيمتها الفعلية عند كل عملية سحب يقومون بها. وينتظرون منذ انتهاء مفاعيل التعميم 151 في نهاية كانون الأول 2023 تحديد السلطتين التنفيذية والنقدية سعر صرف جديد لدولار السحوبات. ويتوقف هذا السعر على المعطيات الآتية:

1- السياسة النقدية:

تستخدم المصارف المركزية السياسة النقدية في اطار تحفيز النمو الاقتصادي، وتخفيف الأعباء عن المالية العامة، ومكافحة التضخم، ومواجهة التقلبات الاقتصادية، وحماية الاستقرار النقدي. وتستعين لتحقيق أهدافها بأدوات نقدية متعددة منها الفائدة، السيولة والاحتياط الالزامي.

في لبنان، قرّر المصرف المركزي تبني سياسة نقدية متشددة للحفاظ على الاستقرار النقدي عبر تجفيف السوق من الليرة اللبنانية مستنداًمن جهة على توسيع وتعزيز رقعة دولرة النشاطات والعمليات الاقتصادية والمالية من خلال دفع الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، تحصيل فواتير الكهرباء والاتصالات، وقبض الرسوم والضرائب.ويستند الاستقرار النقدي من جهة ثانية على ضبط شديد للكتلة النقدية بالليرة التي انخفضت من 83 تريليون ليرة في نهاية العام 2022 الى 50 تريليون ليرة في شباط 2024 على حساب حقوق موظفي القطاع العام، وانكماش النمو الاقتصادي، وتهاوي التقديمات

 

الاجتماعية (الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية)، وتداعي الانفاق الاستثماري على البنية التحتية من طرقات وجسور وصرف صحي، وتزايد كبير للتضخم بحيث إحتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً، وخسارة النقد الوطني دوره كعملة للتداول والادخار وثقة المواطنين.

2- التعميم رقم 151:

قرّر مصرف لبنان عدم تعديل أو تمديد التعميم رقم 151 الذي صدر في 21 نيسان 2020 المتعلق بإجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية، والذي مكّن المصارف من بيع ودائعها بالعملات الأجنبية الى مصرف لبنان علــى أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد ثم الى 8000 ليرة وصولا الى 15000 ليرة، وانتهت مفاعيله في نهاية كانون الأول 2023. يعتبر هذا التعميم منذ اليوم الأول لاصداره مجحفاً وغير عادل بحق المودعين، هدفه تذويب أموالهم بالعملات الأجنبية وبالفعل نجح في تذويب عشرات المليارات من الدولارات، وتنفيذ اقتطاعات كبيرة على قيمتها بحيث وصلت الى 87%. حدّد التعميم سقف السحوبات الشهرية بـ 24 مليون ليرة ما كان يوازي 1600 دولار.

ادى عدم تمديد مصرف لبنان التعميم رقم 151 وعدم تحديد سعر صرف جديد للسحوبات الى تخبط وضياع كبيرين في القطاع المصرفي ولدى المودعين ويجري تقاذف مسؤولية تحديد سعر الصرف بين مصرف لبنان ووزارة المالية والحكومة علماً ان مسؤولية تحديد سعرصرف المنصة كانت منذ بداية الازمة على عاتق مصرف لبنان.

وفي هذا السياق، من المفيد التذكير برفض وزارة المال في نيسان 2020 اقتراح حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة مناقشة موضوع سعر المنصة حينذاك، وبالتالي تحمّل مسؤولية تحديد سعر الصرف لأن ذلك ليس في صلب صلاحيات وزير المال تحديداً. وكانت النتيجة أن حاكم مصرف لبنان هو من تحمّل مسؤولية تسهيل سحوبات المودعين والعمليات المصرفية.

3- التعميم رقم 167:

أصدر مصرف لبنان تعميماً مهماً رقمه 167 بتاريخ 2 شباط 2024يتعلق بأصول تحويل الموجودات والمطلوبات المحررة بالعملات الأجنبية الى الليرة اللبنانية ويهدف الى توحيد سعر الصرف وفق مطالب صندوق النقد الدولي ووقف عمليات الـ”هيركات”. جاء هذا التعميم مُتسرعاً، لأنه لم يُقيّـم بشكل كافٍ وتحديداً لناحية تبعاته المالية والمحاسبية والقانونية على صعيد ميزانية المصارف وملاءتها ورسملتهاوخسائرها، وعلى صعيد سقف سحوبات المودعين الشهرية وأسعار الشيكات المحررة بالليرة وبالدولار في السوق الموازي، ولم يأتِ نتيجة إصلاحات بنيوية او هيكلية للقطاع المصرفي والمالية العامة والمديونية والنمو الاقتصادي.

يطلب التعميم رقم 167 من المصارف عند اعداد الوضعيات المالية (الميزانيات)، اعتماد سعر الصرف المعلن على منصة مصرف لبنانكأساس لتحويل موجوداتها ومطلوباتها بالعملات الأجنبية الى الليرة،ما يعني ان الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف باتت مقيّمة على أساس سعر المنصة أي 89,500 ليرة للدولار الواحد ويتوجب على المصارف عند السحوبات تطبيق هذا السعر. وفي حال اعتماد المصارف سعراً آخر للسحوبات على سبيل المثال 25 الف ليرة للدولارالواحد، تعتبر هذه العملية شطباً كبيراً من قيمة الوديعة ومجحفة بشكل غير مقبول ومنطقي بحق المودع اذ تؤدي الى تحقيق مصرف لبنان أو المصارف ربحاً خيالياً ومفرطاً ناتجاً من الفروقات ويوازي 64,500 ليرة للدولار الواحد على حساب المودع.

في السياق نفسه ولأجل التطابق المالي والتقني، قرّر مصرف لبنان احتساب موجوداته ومطلوباته بالعملات الأجنبية عند اعداد ميزانيتهعلى أساس سعر صرف 89,500 ليرة للدولار الواحد، ما يعني ان ودائع المصارف بالعملات الأجنبية لديه باتت مسجلة على أساس هذا السعر.

4- التعميم رقم 166:

أصدر مصرف لبنان تعميماً ملتبساً رقمه 166، وشروطه غير واضحة، يُعطي المستفيد حق سحب مبلغ زهيد من حسابه، قيمته 150 دولاراًشهرياً لفترة تمتد الى 29 شهراً، فيكون مجموع السحوبات 4360دولاراً اميركياً. يعتبر التعميم استمراراً لسياسة شراء الوقت التي اعتمدها مصرف لبنان سابقاً اذ لا يقدم حلولا جدية لمعالجة الازمةالمصرفية والنقدية ويتابع سياسة التذويب التدريجي لأموال المودعين.

5- حكم مجلس الشورى:

أصدر مجلس شورى الدولة حكماً ملزماً أبطل بموجبه قرار مجلس الوزراء المتعلق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وما تمثله تلك الالتزامات من ايداعات للمودعين لدى المصارف. وحذّر القرار السلطتين التنفيذية والنقدية من شطب الودائع أو من قيمتها الفعلية، وفرض عليهما المحافظة على حقوق المودعين وأموالهم، وضرورة اعادتها لأصحابها بالطريقة التي تحقق لهم الإيفاء الفعلي ولا تلحق بهم أي ضرر، ما يعني ان حكم مجلس الشورى أعطى المودع الحق بسحب ودائعه بالعملات الأجنبية على أساس السعر الفعلي (سعر السوق) وليس على أساس سعر آخر.

نستخلص من هذه المعطيات بأن المودع بات له الحق بسحب ودائعهبالدولار على أساس السعر الفعلي أي 89,500 ليرة للدولار الواحد بعد إصدار التعميم رقم 167 وقرار مجلس شورى الدولة وطلب الحكومة من المواطنين دفع الضرائب والرسوم على أساس هذا السعر.

هل هناك خيارات أخرى أمام السلطتين التنفيذية والنقدية أم أنها محكومة بالخيار الذي يتقاطع مع المعطيات أعلاه؟

أعتقد أن السلطتين التنفيذية (مجلس الوزراء) والنقدية (مصرف لبنان) أمام خيارين لا ثالث لهما:

الخيار الأول هو خيار قانوني يفرض على السلطتين تطبيق السعر المعتمد للدولار في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان ما يعني اعتماد89,500 ليرة للدولار الواحد مع تحديد سقف للسحوبات حتى لا يؤثر على حجم الكتلة النقدية المتداولة وعلى الاستقرار النقدي. هذا الخيار من شأنه أن يُنصف المودع ويضع حداً لسنوات من الغبن والخسائر والاقتطاع، وفي الوقت نفسه يُوحّد سعر الصرف ويتطابق مع أرقام الميزانيات المعلنة.

أما الخيار الثاني، فهو مالي وتقني حيث تتم التحويلات على سعر لا يتطابق مع السعر المعتمد في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان. على سبيل المثال 30 أو 35 الف ليرة للدولار الواحد مع تحديد سقف للسحوبات بالليرة شهرياً. من خلال هذا الخيار تستمر السلطتانالتنيفذية والنقدية بسياسة الاقتطاع من حقوق المودعين وتذويب الودائع، مع إعطاء مصرف لبنان والمصارف إمكانية تحقيق أرباح مفرطة تصل الى 70% من قيمة الوديعة على حساب المودع.

(*) وزير المال السابق

(سيرياهوم نيوز ٣-مجموعة منتدى الفكر السياسي والادبي)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المخلّصون الجمركيون: لسنا فاسدين … جمعية المخلصين : كل ملفات الفساد والتزوير في البيانات من نفذها «شقيعة» ومن يطلق عليهم «مستعيرو الأختام»

عبد الهادي شباط   كشفت وزارة المالية عن نقاش بين الوزارة والمخلصين الجمركيين قالت إنه يهدف لتسهيل عملية الاستيراد وتحفيز حركة التجارة، وإن وزير المالية ...