عباس إبراهيم: ترمب وافق على شروط دمشق… وحديثه عن “اغتيال الأسد” أوقف وساطتي السرية

* يتم تداول معلومات أنك ساهمت في ترتيب وتنسيق زيارات لمسؤولين أمنيين غربيين كبار إلى دمشق.

– وسوريين إلى أوروبا…

* هل يمكن ذكر بعض الأمثلة؟ هل نظمت زيارة لمدير الاستخبارات الفرنسية إلى دمشق؟

– طبعا نظمت زيارته منذ سنتين أو أكثر.

* زيارة سرية؟

– سرية، أصبحت علنية معك اليوم… إلى دمشق.

* ما سبب زيارته؟

– اللواء علي مملوك زار روما رغم الحظر المفروض عليه وبترتيب مني أيضا بين الاستخبارات. كان هذا طلب من الاستخبارات الإيطالية. وزار مدير الاستخبارات الإيطالية في حينها سوريا برفقتي، ووجه دعوة للواء علي. واللواء علي مملوك انتقل إلى روما، وقابل وزير الداخلية الإيطالي في حينها، وكانت تجمعهما معا صورة طائرة في مكتب وزير الداخلية الإيطالي… لفتت نظر اللواء علي أنه عمل على الطائرة نفسها عندما كان في القوات الجوية. وصورة هذه الطائرة في مكتب وزير الداخلية الإيطالي جعلت العلاقة أقرب بينه وبين اللواء علي مملوك. لاحقا حصلت عاصفة ارتدادية على زيارة اللواء علي في الاتحاد الأوروبي، وأنا أفتخر أنني رتبت هذه الزيارة.

* وماذا عن زيارة مدير الاستخبارات الفرنسية؟ ما سبب الزيارة؟ متى تمت؟ ما التفاصيل؟

– أنا في النهاية أؤمن أن إغلاق الأبواب بين سوريا وكل هذه الدول التي كانت تُصنف صديقة خطأ قاتل لهذه الدول ثم لسوريا. من هذا المنطلق عملت. التفاصيل لن أقولها، تبقى سرا أو تبقى أمانة بين الطرفين. إنما عندما طُلب مني أن أسهل هذه الزيارة قمت بواجبي على أكمل وجه وسهلت هذه الزيارة.

* إذن فقط هي زيارة اللواء علي مملوك إلى روما وزيارة مدير الاستخبارات الفرنسية إلى دمشق؟

– لا، أنا فقط أعطي مثلا وأرد على أسئلتك ولن أذهب بعيدا لأن الحلقة لن تكفي لذكر الزيارات وما جرى.

* هناك ملف أساسي أنت توسطت فيه. وهو موضوع الحوار الأمني بين واشنطن ودمشق. بدأ حول إطلاق الصحافي أوستن تايس، ثم تشعب وتضمن أيضا زيارة لمبعوثَين من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى دمشق. هل من الممكن أن تعطينا تفاصيل أكثر عن هذا الحوار؟

– أنا أتذكر، كان هناك مبعوث أميركي خاص اسمه أوبراين، زارني في مكتبي للمرة الأولى موفدا من قبل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وعرّف عن نفسه أنه مكلف بمتابعة شؤون الأميركيين المفقودين في العالم. رحبت به وعُقد لقاء في مكتبي. ومنذ تلك اللحظة أُسس لهذه العلاقة المتعلقة بالمفقودين الأميركيين أو الرهائن…

* تقريبا عام 2015…

– نعم 2015. كان اسمه مايكل أوبراين. زرت الخارجية الأميركية بعد هذه الزيارة وناقشنا موضوع كثير من الأسماء التي ربما تكون في سوريا، وعملنا على الكثير من الملفات وصولا إلى ملف نزار زكا، اللبناني الذي كان محتجزا في إيران. ثم تدحرجت الأمور إلى أوستن تايس في عهد الرئيس ترمب. زارني كبير مستشاريه. طلب موعدا فقلت له أهلا وسهلا. أتى، وهو آسيوي الجنسية، وقال لي أنا كبير مستشاري الرئيس ترمب والرئيس كلفني بمهمة. وأذكر أنه أعطاني هدية صغيرة من الرئيس ترمب مكتوبا عليها…

* ما هي الهدية؟

– صورة الرئيس، شيء شخصي من الرئيس ترمب.

* صورة ترمب موقعة فقط؟ أم كتب عليها شيئا ما؟

– لا فقط موقعة. قال لي هذه من الهدايا النادرة التي يهديها الرئيس لشخصيات في العالم. ومجسم صغير لطائرة الرئيس ترمب التي يستعملها. تحدث معي عن قصة أوستن تايس، طلب مني التوسط مع السلطات السورية لجلاء الغموض حول هذه القضية.

* هذا الكلام عام 2018؟

– نعم 2018. قلت له سأتابع هذا الموضوع. هذا الكلام قبل نهاية عهد الرئيس (ترمب) بأشهر.

* وفي أغسطس/آب 2019 ذهبوا إلى دمشق…

– صحيح، ثم زارني لاحقا مع روجير كارستنز. روجير هو المكلف الجديد بموضوع متابعة ملف الرهائن في العالم، وهو ضابط سابق في الوحدات الخاصة وأنا من الوحدات الخاصة، فكان لقاء شيقا على مستوى الزمالة العسكرية. في نهاية اللقاء، طلبوا مني زيارة سوريا. يريدون أن يتكلموا مع السلطات السورية مباشرة في هذا الموضوع.

* هل تذكر تاريخ هذا اللقاء؟ مارس/آذار… ربيع 2019؟

– نعم في الربيع. كما تعرف مع الإخوة السوريين الأمور تأخذ وقتا… جواب وسؤال وسؤال وجواب…

* تحتاج توجيها سياسيا…

– وإقناع المستوى السياسي في سوريا بهذه الزيارة وأهميتها، وأن يأتي هذا الوفد ممثِلا للرئيس ترمب تحديدا. بعد أشهر تمت الموافقة على الزيارة، اتصلت بالأصدقاء الأميركيين في حينها، بالوفد، وأتوا إلى بيروت. زاروني في منزلي. ناقشنا التفاصيل.

* أي تفاصيل؟

– أنا كنت قد وضعت بكل صراحة سقفا لهذه المفاوضات… سأخبرك الآن إذا كنت مهتما بالتفاصيل.

* مهتم جدا…

– ناقشنا التفاصيل وطرحت على الإخوة السوريين العناوين التي وضعتها، فوافقوا.

* ما هي؟

– ذهبنا إلى سوريا في اليوم التالي. كان اللواء علي مملوك يجمع في مكتبه كل الأجهزة الأمنية، وكان الوفد الأميركي وأنا شخصيا. فتم في الأول تعارف، يحتاج لقاء مثل هذا إلى وقت لكسر الجليد بعد كل هذا التراشق السياسي بين البلدين والوجود الأميركي على الأراضي السورية وإلى آخره. وهذا موضوع حساس جدا بالنسبة إلى الرئيس الأسد، الذي كان وضع قاعدة أن أي دولة لديها عسكر على الأراضي السورية، هم عسكر محتلون…

* غير شرعيين…

– مرفوض بالنسبة إليه (الأسد) لقاؤهم. لكنه عمل استثناء هنا. حصل اللقاء وهو لقاء يتيم، أنا كنت قد وضعت شروطا لهذا اللقاء وناقشت هذه الشروط مع اللواء علي مملوك مطولا إلى أن وصلنا إلى بنود. مقابل هذا الملف طرحنا ثلاثة عناوين…

* ما يعني أنه مقابل الحديث عن أوستن تايس تريد سوريا مناقشة ثلاثة مواضيع…

– ليس مناقشة… أرسلت أنا هذه الشروط إلى السلطات الأميركية ووافقت عليها: انسحاب القوات الأميركية من منطقة محددة شمال شرقي سوريا، كي لا نقول انسحابا كاملا، رفع العقوبات عن سوريا أو بعضها، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مقابل proof of life (دليل على الحياة) فقط…

* دليل على أن الصحافي تايس على قيد الحياة أو ميت…

– تماما. بعدها تم توجيه دعوة لي إلى البيت الأبيض. وأرسلوا لي طائرة خاصة إلى بيروت وذهبت إلى البيت الأبيض. وشعرت أن كل الأجواء إيجابية، والتقيت بمستشار الأمن القومي مرتين، مرة في البيت الأبيض، ومرة على عشاء عند صديق أميركي مشترك. ناقشنا التفاصيل إلى أن أصبت بكورونا وأنا في أميركا وبقيت في الفندق.

* أنت ذهبت إلى أميركا بعد زيارة الوفد الأميركي إلى سوريا؟

– نعم ذهبت لوضع اللمسات الأخيرة على الموضوع. فصدر تصريح عن الرئيس ترمب مستفز لسوريا.

* التسلسل، أنت ذهبت إلى البيت الأبيض ووضعت جدول الأعمال ثم أتوا إلى دمشق أم العكس؟

– لا قبل، هم أتوا إلى دمشق، وضعت معهم أنا هذه الخطوط العريضة…

* عندما أتوا ماذا طرحوا في دمشق، فقط قالوا نريد معلومات عن أوستن تايس؟

– أنا كنت نصحتهم بأن يناقشوا أمورا ليست مرتبطة بأوستن تايس، وفي نهاية الاجتماع يُحكى عن موضوع أوستن تايس، طرحوا موضوع الانسحاب، طرحوا عناوين قريبة إلى هذه الشروط الثلاثة، لأنني كنت قد وضعتهم في الأجواء أن هذا ما نريده منكم. طرحوا عناوين قريبة…

* وهي مثلا الانسحاب من آبار النفط في دير الزور، شيء من هذا القبيل؟

– انسحاب من الرقة كاملة في وقتها، ورفع معظم العقوبات عن سوريا…

* أو لأسباب إنسانية، استثناءات لعقوبات محددة…

– صحيح. ذهبنا، أصبت بكورونا… أثناء انتظاري فترة التعافي للسماح بالسفر…

* ولكن كنت قد اجتمعت مسبقا في واشنطن مع مستشار الأمن القومي، وعلى العشاء…

– التسلسل مثلما أخبرك، أتوا إلى منزلي، ذهبنا إلى الشام، اجتمعنا مع اللواء علي والشباب كلهم. كانت العناوين بيني وبين اللواء علي مملوك.

* ولكن هم قالوا نحن نريد معلومات عن تايس…

– في آخر اللقاء. أولا تكلمنا عن العناوين، جلنا حول العناوين، لم نناقشها وهي الانسحاب…

* الانسحاب والعقوبات والعلاقات الدبلوماسية…

– نعم من بعدها…

* فعلا وافقوا على هذه الأمور؟

– وافقوا… لكن الرئيس ترمب وأنا في أميركا خرج بتصريح أنه يريد أن يغتال الرئيس الأسد، فأوقفت سوريا هذا الموضوع.

* من كان مستشار الأمن القومي حينها؟

– وقتها كان أوبراين.

* إذن الوفد الأميركي أتى إلى دمشق ثم ذهبتَ أنت إلى واشنطن اجتمعت مع مستشار الأمن القومي…

– لننهي هذا الموضوع، مقابل كما قلت لك proof of life، هل هذا الرجل حي أم ميت. ثم وأنا في واشنطن أو أميركا، لأنني لم أكن في واشنطن في تلك اللحظة للدقة…

* أين كنت؟

– لا كنت في أميركا في زيارة عمل أيضا ولكن ليس في واشنطن.

* في مقر الاستخبارات الأميركية؟

– لا، تركت واشنطن وفرجينيا، وذهبت إلى غير ولاية. فأطلق تصريح الرئيس ترمب في إطار حملته الانتخابية لأنه كان في آخر أيامه…

* في 2019…

– صحيح. أنه يخطط أو يعمل…

* أو فكر أو أعطى أمرا لاغتيال الأسد…

– اغتيال الرئيس الأسد. كان هذا التصريح يتناقض كليا مع الروح الإيجابية الموجودة. تلقيت اتصالا من سوريا…

* من اتصل بك من دمشق؟

– اللواء علي طالبا تجميد كل الجهد الذي يُبذل في هذا الاتجاه.

* بماذا شعرت وقتها؟

– لا شيء. دائما أصل إلى هذه المراحل ثم نتراجع أو نكون بحالة شبه يأس ثم تفتح الأبواب. قلتُ له أوكي.

* إذن جُمد المسار؟

– أبلغت الأميركيين أن هذا المسار جُمد. هذا الموضوع مقفل حاليا نتيجة تصريح رئيسكم. كانت ردة فعل سلبية جدا. قلتُ لهم أنتم تتحملون المسؤولية. بعد أيام عدة تركت الفندق الذي كنت محجورا فيه وعدت إلى بيروت وذهبت إلى اللواء علي وناقشنا الموضوع.

* ماذا ناقشتم؟

– أخبرني ما الذي حدث، وأيدته في أنه يجب أن يتوقف هذا الملف، إذا كنا باتجاه إيجابي إلى هذه الدرجة وفجأة تصدر مثل هذه التصريحات.

* لكن لاحقا أعتقد أن هناك مبعوثَين من قبل الرئيس جوزف بايدن أيضا زارا دمشق، أم لا؟

– لا، لأنه أيام الرئيس بايدن بعد الانتخابات اللبنانية في شهر مايو/أيار منذ سنتين ونصف، أيضا أرسلوا لي طائرة أقلتني إلى البيت الأبيض وناقشنا هذا الموضوع.

* اجتمعت مع ويليام بيرنز؟

– نعم، ومع أركان البيت الأبيض.

* في مايو/أيار 2021 أم 2022؟

– 2021، اجتمعت معهم. وكان أحد العناوين موضوع تايس، وكانت هناك أمور لبنانية: موضوع النفط، موضوع الكهرباء من مصر، مواضيع كثيرة أثيرت معي ولا أنسى أنه فُتح البيت الأبيض يوم الأحد. قلت لهم دعونا ننتظر حتى الغد، للاثنين. ذهبت إلى البيت الأبيض كان مقفلا، صاروا يفتحون الأبواب والحواجز، دخلت وعقدنا هذه الجلسة لأهميتها بالنسبة إليهم. لأني كنت باقيا في أميركا من بعدها ثلاثة أو أربعة أيام، يوجد وقت كاف. كانوا على عجلة، من الممكن لديهم ارتباطات في اليوم التالي… قال لي إنهم يريدون الذهاب إلى سوريا، لا أعرف ماذا لديهم. المهم كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا. أيضا يمثل الرئيس الأميركي، والذي فهمته أنه كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعَقدتْ جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمرا أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع.

* ماذا حدث لاحقا؟

– الرئيس السوري رفض أن يستقبل أي وفد. أُقفل الباب نهائيا.

* لكن باعتبار أنك دخلت على خط هذا الملف، ولاحقا استؤنف مسار التفاوض في عُمان…

– الآن مع سوريا لا يوجد أي مفاوضات في عُمان ولا في أي مكان في العالم، وخصوصا حتى أكون دقيقا حول هذا الملف.

* لكن بحسب المعلومات، عُقدت جلستان أو ثلاث في عُمان، وأحد مواضيع النقاش…

– خمس جلسات.

* خمس جلسات، وأعتقد أن رئيس الوفد السوري كان السفير عماد مصطفى، ورئيس الوفد الأميركي بريدمان… ماذا تعرف عن هذا الحوار؟

– أيضا في هذا الحوار طُرحت المواضيع نفسها، الانسحاب وغيره، وهناك تشعبات أخرى أمانة للإخوة السوريين لا أريد أن أتكلم عنها. ولكن في موضوع أوستن تايس، كان جواب الوفد السوري دائما أننا لسنا هنا لمناقشة هذا الملف. إلى الآن سوريا ترفض العرض.

* ترفض إعطاء أي معلومة سواء تايس حي أم ميت، موجود…

– دعني أخبرك جذريا، سوريا أقفلت الباب، لا تريد فتح هذا الملف أو التعاطي في هذا الملف.

* لماذا؟

– لأسباب تخصها، لا أعرف.

* هل من الممكن أن تعطينا تحليلك لماذا؟

– أولا التعاطي الأميركي للأسف مثلما قلت لك أيام الرئيس ترمب، قلت لك في أي مرحلة كنا وماذا صدر من تصريح عن رئيس جمهورية أميركا والذي شكل صدمة تعني عدم الصدقية للجانب السوري، وعدم الثقة بكلام الجانب الأميركي. فهذا الموضوع أُقفل. قد تؤدي الظروف السياسية التي من الممكن أن تتغير في المنطقة إلى إعادة فتح الملف. هناك أزمة ثقة.

* هل تعتقد أن الأسد ينتظر عودة ترمب لحصول انسحاب أميركي من سوريا؟

– الرئيس ترمب هو الذي خرّب.

* ولكن أقصد أنه من الممكن أن أحد الرهانات السورية إنتظار عودة ترمب لأنه هو من سيدفع باتجاه الانسحاب من شمال شرقي سوريا…

– أنا لست ساكنا في عقل الرئيس الأسد ولا أدري بماذا يفكر، ولكن جوابا على سؤالك وبتبسيط الموضوع أن من انقلب على الاتفاق هو الرئيس ترمب، لذلك الرهان على عودته لحل الموضوع معه قد لا يكون منطقيا.

* خلال الوساطات التي قمت بها سابقا بين دمشق والدول الغربية، هل كان هناك تنسيق بينك وبين طهران أو “حزب الله”، أم فقط التنسيق كان مع دمشق؟

– مثلا فيما يخص موضوع نزار زكا (أميركي من أصل لبناني كان معتقلا في إيران)، كان هناك تنسيق وزيارات لطهران بشكل مستمر.

* ولكن هل كنت تنسق معهم في ما يتعلق بدور الوساطة الذي تقوم به بين دمشق والدول الغربية؟

– لا، أبدا… ما يخص دمشق هو في دمشق، وما يخص العرب هو عند العرب. ولكن إذا كانت هناك مسألة لها علاقة بأي أمر قد تساعد طهران في حله أو يعنيها مباشرة وبالأخص المواضيع الإنسانية، كنت أتواصل مع الإيرانيين بشكل طبيعي. وأنا من الذين زاروا الإمام (علي) الخامنئي.

* هل اجتمعت به؟

– نعم، كنت في زيارة لإيران وقالوا لي ماذا تطلب؟ قلت لهم أريد رؤية المرشد علي خامنئي. لُبيت هذه الرغبة وذهبت لرؤيته. بعدها بفترة كنت في زيارة للولايات المتحدة، سألني مدير الـ”سي أي ايه”، إذا كنت أذهب إلى طهران، فقلت له طبعا. قال لي: بمن تلتقي في إيران؟ قلت له في آخر زيارة رأيت السيد القائد. قال لي من تقصد؟ قلت له الإمام خامنئي. تغير الجو… وأحتفظ بالباقي.

* ماذا حدث؟

– كان لهذه الزيارة وقع على مدير الـ”سي أي ايه” إلى درجة أنه تغيّر…

* كيف؟

– تغيّر وقع أو اتجاه العناوين الأساسية لهذه الزيارة من مواضيع كنا قد حضرنا لها إلى مواضيع أخرى.

* بالانتقال جزئيا إلى لبنان، هناك ملفان من المرجح أنه كان لك دور فيهما. ملف إمدادات الغاز العربي من مصر إلى الأردن ثم سوريا فلبنان، وهو أوقف وجمّد بسبب العقوبات.

– لا ليس بسبب العقوبات أبدا.

* لماذا أوقف؟

– تزامنا مع الفيول الذي وصل من إيران تحديدا، كان هذا الموضوع مطروحا من قبل، وأنا أخبرت السيد بيرنز أن “حزب الله” وسماحة السيد (حسن) نصر الله مصران على جلب الفيول من إيران. وهذا موضوع سيحصل بالتأكيد. قلت له وقتها إن هذه ليست معلومات مستقاة بل مسموعة. وهذا كان في مكتبي في بيروت، وقلت سابقا هذا الكلام للسفيرة الأميركية. وكان مطروحا موضوع الغاز من مصر والكهرباء من الأردن وإلى آخره. وكنت أنا واحدا ممن يعملون على هذا الموضوع… ربما لم تؤخذ هذه المعلومة على محمل الجد. بدأت السفن الإيرانية تتوجه إلى سوريا ومن ثم الصهاريج تنقل الفيول إلى لبنان. وفي أحد لقاءاتي بالبيت الأبيض طرحنا هذا الموضوع وقلت لهم إنه يجب أن يبدأ الغاز المصري بالتدفق عبر الأراضي السورية إلى معمل دير عمار في الشمال لزيادة الطاقة، لأن الطاقة أصبحت تقريبا معدومة، ونحن بحاجة إلى الكهرباء من الأردن. كانت الشبكة داخل سوريا التي تربط الأردن بلبنان مضروبة، فقدرنا وقتها أن إصلاحها يحتاج إلى خمسة أو ستة أشهر. وبالفعل الإخوة في سوريا أصلحوها في فترة أقل بكثير لمساعدة لبنان على استجرار الكهرباء. والأميركيون كانوا مندفعين جدا باتجاه هذا الحل للكهرباء في لبنان. فجأة قالوا إن البنك الدولي وضع شروطا إصلاحية على لبنان. ولبنان لم يقم بهذه الإصلاحات والبنك الدولي لم يعد مستعدا لتمويل هذه الخطوات. أنا أعتقد أن هذا الموضوع في مكان ما له بعد سياسي…

* ليس العقوبات؟

– لا، لا علاقة للعقوبات أبدا أبدا أبدا، ومن يقول إن هذا الأمر له علاقة بالعقوبات يكون بعيدا جدا عن الواقع.

* لكن هناك من يقول، وهناك دراسات تثبت أن هذا الغاز أو جزء منه هو غاز إسرائيلي، صحيح؟

– لا أبدا، في اجتماع عقد في دمشق طرح هذا السؤال على الطاولة وكنت موجودا. كان هناك وزراء سوريون ولبنانيون. وأنا رفعت شعارا وقتها: نحن لا نريد إلا غازا عربيا. ما يعني أننا لن نقبل بتدفق غاز إسرائيلي إلى لبنان، والسوريون أثنوا على هذا الموضوع. قد يكون هذا موقفا سياسيا على المستوى التقني. أنا لست تقنيا، ولكن كانت هناك موافقة من لبنان ومن سوريا على هذا المبدأ في تدفق الغاز. ولكن الإخوة في مصر قالوا إن هذا الغاز مصري، ويصلكم غاز مصري فقط.

* يأخذون منه غازا إسرائيليا هذا أمر آخر…

– هذا شأنهم، ولكن نحن نريد الغاز المصري.

* كيف يستطيع أحد أن يتأكد أن الغاز مصري؟

– تقنيا لا أعرف، لا فكرة لدي. ولكن كموقف سياسي، وكموقف تعهد به الإخوة في مصر، قالوا إن هذا الغاز مصري، وهو يمر عبر الأردن إلى سوريا. أعتقد يصل إلى حمص، ثم نأخذ غازا سوريا بدلا منه، وسوريا تستثمر هذا الغاز. وهناك مقاصة بين الدول لست مطلعا عليها.

AP

خلال لقاء بين هوكستين وإبراهيم في مكتب الأخير ببيروت

* ماذا عن موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟ طبعا صديقك آموس (هوكستين) لعب دورا كبيرا جدا فيه. لكن أيضا كيف تقرأ هذا الموضوع؟ هل هو فقط موضوع تقني أم يتعلق بموضوع سياسي؟

– لا، هذا موضوع له بعد سياسي وله بعد تقني، وله بعد لحظوي، إذا أردت، سياسي. لأن هذا الموضوع مطروح منذ 2012، وكان موضع نقاش ومفاوضات مفتوحة مع الولايات المتحدة كوسيط بين لبنان وإسرائيل ولم يتم الوصول إلى نتيجة. لأن هناك خطأ. أولا، حدود المياه الاقتصادية أو الحدود الاقتصادية الخالصة بيننا وبين فلسطين هي ثمانمئة وستون كيلومترا. أتى الوسيط الأميركي، (فريدريك) هوف، وأعطى لبنان ثلثي هذه المساحة والثلث لإسرائيل وهو حقنا. لبنان رفض رفضا كليا. نحن نريد ثمانمئة وخمسة وستين كيلومترا. تطورت الأمور، طرأ موضوع الغاز والحاجة إلى الغاز أوروبيا بعد الحرب الأوكرانية الروسية. أصبحت الولايات المتحدة تبحث عن اسطوانة واحدة للغاز حتى تسد بها حاجة أوروبا حتى لا يكون هذا العامل له علاقة بالنصر الروسي على أوكرانيا، وأحد هذه الموارد كان الغاز، دعني أسميه الإسرائيلي، والغاز اللبناني. وهذا الموضوع كان بحاجة إلى ترسيم الحدود، وإلا سيكون الغاز اللبناني والغاز في الطرف الآخر دائما تحت التهديد. لذا يجب أن ترسّم الحدود. بادرت الولايات المتحدة الأميركية في هذا الموضوع، بجولات كثيرة من المفاوضات، إلى أن أصبحت المفاوضات بيني وبين السيد آموس هوكستين، مفاوضات سرية…

* أين كانت تحدث هذه المفاوضات؟

– في الدوحة… وفي بيروت عقدت جلسات سرية عدة…

* بينك وبين آموس؟

– نعم.

* متى حصلت أول جلسة؟

– أول جلسة في العام 2021 في افتتاح كأس العرب في الدوحة. على هامش هذه البطولة، التقيت أنا وآموس للمرة الأولى في الدوحة. وكنت قبلها بيوم واحد قد التقيت وزير النفط القطري، أنا ووزير النفط اللبناني. فغادر الوفد اللبناني قطر، كان برئاسة فخامة الرئيس (ميشال عون). قلت لفخامة الرئيس أنا سأبقى هنا وألتحق بكم لاحقا لأنني سأرى آموس. وبقيت سرا في الدوحة. غادر الوفد، والتقيت السيد آموس، ومنذ تلك اللحظة بدأ عرض الخرائط، وكانت الخريطة الأولى مرفوضة بالمطلق، ثم عقدت جلسات لاحقة بعد تعديل الخريطة في مكتبي في بيروت إلى أن وصلنا إلى الاتفاق.

* كيف كانت أول خريطة؟

– في الخريطة الأولى كان هناك تعرجات على الخط 23 الذي يعطي لبنان حقه كاملا. هناك اقتطاعات لصالح العدو الإسرائيلي كبيرة جدا. أنا رفضتها، ثم عدلت الخريطة باقتطاعات أقل خسارة للبنان. قلت له “23 يعني 23”. لا نستطيع أن ننزل تحت هذا السقف. وصلت أنا وهو في ظروف معينة للاتفاق الذي يعمل به الآن.

* ولاحقا وقع علنا، لكن أنت توصلت للاتفاق؟

– نحن توصلنا للاتفاق قبل توقيعه بشهر ونصف.

* هل ترى الآن أنه كان هناك بعد سياسي لهذا الموضوع واعتراف بإسرائيل؟

– ليس هناك اعتراف بإسرائيل، أنا قلت في أحد التصريحات هذا ليس اتفاقا، هذه تسوية. والتسوية هي فرض أمر واقع. حتى مع العدو هناك تسويات. هذه تسوية… والترسيم بينا وبين إسرائيل تسوية مؤقتة لأن هذه المياه الإسرائيلية المفترضة هي مياه فلسطينية مغتصبة.

* ولكن هذا يعني اعترافا بإسرائيل كوجود، أليس كذلك؟

– صحيح، أنا عندما أوقع تسوية مع طرف فهذا ليس اتفاقا. النبي صلى الله عليه وسلم أجرى صلح الحديبية. لكن هذا ليس اعترافا بإسرائيل كدولة. هذا أمر واقع موجود ككيان. أنا أريد أن أحصّل حقي، وهو يأخذ ما ليس من حقه.

* هناك كلام قبل بضعة أسابيع عن ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل…

– خلال شهر أغسطس/آب 2017، زارني في مكتبي السيد (مايكل) بيري الذي كان قائدا لقوات “اليونيفيل”، وقال إنه يحمل لي رسالة من الإسرائيليين مفادها أنهم يرغبون في ترسيم الحدود البرية أو هو ليس ترسيما. هناك نقاط تحفظ. 13 نقطة بيننا وبين فلسطين المحتلة. قال لي إنهم يرغبون في تصحيح الإحداثيات على هذه النقاط، وطلبوا مني أن أنقل لك تلك الرسالة، ويريدون أن تكون أنت المفاوض وليس أحد سواك في لبنان. قلت له هذا قرار سياسي. المهم، راجعت المراجع وبعد عشرة أيام قلت لهم نحن موافقون. أما في ما يخصني فأنا أرفض أن أذهب إلى الناقورة، وأرفض أن أجلس مع وفد العدو الإسرائيلي. أنا أؤلف وفدا من الجيش والأمن العام وأدير هذه المفاوضات من مكتبي. أي يذهبون في جولة يأخذون التوجيهات ويعودون ويعرضون عليّ ماذا حدث وأعطيهم توجيهات، وهذا ما حدث. عقدنا 19 جولة سرية…

* كل جلساتك سرية…

– تقريبا. عالجنا 6 نقاط من 13. إلى أن بدأت ألاحظ أن هناك محاولة من العدو الإسرائيلي لإنهاء البر على قاعدة تعطيه بعدا في البحر، وهذا موضوع معقد قليلا، يحتاج وقتا طويلا للشرح. فطلبت من الوفد أن يطرح مع الإسرائيليين موضوع وقف المفاوضات حول البر إلى أن نحل موضوع البحر.

* بالتالي هل تقديرك أن الفرصة أكبر لترسيم الحدود البرية؟

– برأيي لا يوجد فرصة في البر الآن. أنا أعتقد أن هذا الترسيم لن يكتمل. قد نحل بعض النقاط ولكن هناك مزارع شبعا…

* ولكن في الأصل هناك 6 نقاط، أنت قلت إنكم اتفقتم على 6-7 نقاط…

– اتفقنا على 6، وبقي 7. من الممكن أن نجد حلا لهذه النقاط السبعة ولكن تبقى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

* مزارع شبعا سورية أم لبنانية؟

– لبنانية 100 في المئة ونحن نصر على لبنانيتها.

* المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا فريدريك هوف أجرى في 2010- 2011 مفاوضات سرية في دمشق ويقول إن الرئيس الأسد قال له إن مزارع شبعا سورية.

– أنا أعتقد أن الرئيس الأسد بعد ذلك، وفي باريس، قال إن هذه المزارع لبنانية. لن نخوض في نقاش الآن ولكن نحن لدينا وثائق وخرائط وصكوك ملكية تثبت ملكية هذه المزارع، وأحد مالكي هذه المزارع هو النائب قاسم هاشم. فهذه المزارع لبنانية ومثلما استشهدت بفريدريك هوف وما قاله في كتابه، أنا يمكنني أن أعرض عليك وثائق أو توثيقا لتصريحات الرئيس الأسد ومسؤولين سوريين يقولون إن هذه المزارع لبنانية.

* هذا الموضوع حساس قليلا…

– جدا.

* دعنا ننهيه بسؤال أخير. بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو/أيار عام 2000، حصل تداول في دمشق بين السوريين و”حزب الله” والإيرانيين. ما مبرر وجود “حزب الله”؟ حصل تشاور وفتح موضوع مزارع شبعا لإعطاء سبب لـ”حزب الله” للاستمرار بسلاحه في لبنان…

– نعم. أنا قلت لك الجواب الأخير؛ لدينا وثائق وصكوك. وأنا يمكنني أن أصطحبك إلى الدوائر العقارية في صيدا، تعرف صيدا حضرتك، أي عين الحلوة؛ أصطحبك إلى الدوائر العقارية وأسحب لك كل الوثائق وأسلمك إياها باليد لأثبت لك أن هذه الأرض هي أرض لبنانية صرف. قد يكون هناك جزء ما في أعالي المزارع يتبع للأراضي السورية… ليس مهما. إنما المزارع بغالبها الأعم وبكليتها كمزارع هي مزارع لبنانية. وسميت لك مالك إحدى هذه المزارع أو مالك أرض شاسعة فيها هو النائب الحالي قاسم هاشم.

* هل تتوقع نزاعا سوريا- لبنانيا حول المزارع؟

– طبعا لا.

* يحصل تفاهم بشأنها؟

– دعونا نحن نستردها من العدو الإسرائيلي، ولاحقا نحن نعيدها إلى أصحابها الحقيقيين وهم لبنانيون. سأقول لك شيئا ما، أماكن التزلج التي يحتلها العدو الإسرائيلي في أعلى مزارع شبعا هي جزء من الأراضي التي يملكها النائب هاشم، وأنا من الذين قالوا له ونصحوه بأن يذهب إلى محكمة العدل الدولية…

* يرفع قضية؟

– يرفع قضية تعويض على ما تجنيه إسرائيل من هذه المنتجعات ولتكريس ملكيته لها. هو يملك مستندات، عرضها عليّ الرجل.