آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لماذا كل هذا الاستهتار بحقوق العرب في مياههم؟

لماذا كل هذا الاستهتار بحقوق العرب في مياههم؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

1 ــ

بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 ، كانت هناك استراتيجية صهيونية لِمحاصرةِ ما يُعرفُ بدول الطوق العربي التي تحاصر إسرائيل.. فاتّجهت نحو الدول التي كانت تدورُ بالمطلق في الفلك الأمريكي وتتعاطفُ مع إسرائيل..

اتّجهت نحو أثيوبيا في زمن الإمبراطور هيلا سيلاسي لمحاصرة مصر.. كما اتّجهت نحو تركيا العضو في حلف الناتو، لمحاصرة سورية.. واتّجهت نحو شاه إيران لمحاصرة العراق ودول الخليج.. وكل تلك العلاقات والتوجهات كانت تصبُّ بالكامل في المصلحة الإسرائيلية وضد المصلحة العربية والقضية الفلسطينية..

2ــ

نبدو اليوم وكأن التاريخ يعيدُ ذاتهُ ولكن بطرقٍ أو أساليبٍ أخرى، أشدُّ فتكا وإيلاما، وهو ” التعطيش” والحصارُ بالمياه، التي جعل اللهُ منها كلّ شيءٍ حي، وتقليص نسبتها لأقصى حد على مصر وسورية والعراق، من طرف الدول التي تنبع المياه من أراضيها.. وهذا أكبرُ تهديدٍ للأمن المائي والغذائي والقومي لهذه الدول..

فمن سوء حظ هذه البلدان العربية أن مياه أنهارهم لا تنبع من أراضيهم، ولذلك هي دوما سلاحا سياسيا يُستخدمُ في وجههم، كوسيلةٍ للابتزاز الرخيص..

3ــ

تركيا تتلاعبُ دوما بمسألة المياه مع سورية والعراق في نهر الفرات، ولا تحترم الاتفاقية الموقّعة عام 1987 والتي التزمت تركيا بموجبها بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية، يتقاسمها البَلَدان.. وفي غالبية الأوقات تنخفض هذه النسبة إلى 200 متر مكعب في الثانية.. وهذا حاصلٌ في هذه الأيام..

وأذكرُ في العام 2001 ، وكنتُ أعملُ في إدارة المياه الدولية بوزارة الخارجية، أنهُ تمّ استدعاء السفير التركي بدمشق، بناء على توجيهات معاون الوزير حينها، الراحل وليد المعلم، وكنتُ شخصيا من أبلغهُ امتعاض الحكومة السورية من عدم التزام تركيا بتعهداتها بموجب اتفاقية 1978 وانخفاض حصة سورية من المياه إلى معدّل 200 متر مكعب في الثانية بدل 500 ..

تركيا بدأت منذ السبعينيات بإنشاء عشرات السدود على مجرى نهر الفرات، في إطار ما يُعرفُ بمشروع ” غاب” ، وأبرزها خمسة سدود عملاقة، أضخمها سد أتاتورك، الذي تبلغ طاقة بحيرتهِ التخزينية 48 مليار متر مكعب..

وكم كنتُ أنظرُ من نافذة الطائرة، وأنا مُسافرٌ، أو عائدٌ من يريفان، وفي الأجواء التركية، إلى مياه تلك السدود التي تشعرُ وكأنها بحارا، بين الجبال والوديان..

استخدمت تركيا المياه دوما كسلاح سياسي في وجه سورية.. وللأسف لم يكُن باليد حيلةٍ سوى المناشدات واللّغط الإعلامي، الذي لا تقبضهُ تركيا بمثقال ذرة.. وبدا حقُّ سورية من مياه نهر الفرات عبارة عن مسألةِ شفقة وعطف من تركيا، وخاضعة دوما للمزاج التركي، وليس حقّا يضمنه القانون الدولي في الأنهار العابرة للحدود..

حتى في زمن العشق مع تركيا، كانت تحجبُ كميات المياه المُتّفق عليها مع سورية.. ولكن كانت تستجيب للمطالب والمناشدات، بشكلٍ خجولٍ..

4 ــ

وأما مصر، التي حباها اللهُ مياه نهر النيل، وقالَ عنهُ المؤرّخ والرحّالة الكبير هيرودوتوس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أن ” مصر هِبةُ النيل” .. وتغزّل به الشعراء منذ ما قبل الميلاد وحتى اليوم، ومنهم الشاعر الروماني ” تيبولوس” ، فإن هذه النعمة لمصر، والسودان، مهدّدة بهذا الزمن من طرف أثيوبيا التي أقامت سد النهضة على مجرى النيل الأزرق، ولم تحترم كافة الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين بخصوص تقاسُم مياه نهر النيل، وأبرزها اتفاقية عام 1959 التي تقضي بأن تكون حصّة مصر 74 مليار وخمسمائة متر مكعب، وحصّةُ السودان 18 مليار وخمسمائة متر مكعب..

بل لم تلتزم أثيوبيا حتى باتفاقية مبادئ وثيقة سد النهضة الموقّعة في آذار 2015 .. ومضت في المرحلة الثانية من تعبئة السد ضاربة بعرض الحائط بكافة المطالبات والاحتجاجات المصرية والسودانية..

ولم تنفع كافة المفاوضات والوساطات، حتى تمّ تدويل القضية، ونقلها إلى مجلس الأمن الدولي، مع استمرار التعنُّت الأثيوبي، وأحيانا التحدِّي الوقح.. ولجأت أثيوبيا إلى أسلوبٍ خبيثٍ بمحاولة تحويل الخلاف إلى خلاف عربي أفريقي، أو خلاف بين الجامعة العربية وبين الاتحاد الأفريقي، لحشد دعم الدول الأفريقية السمراء..

5 ــ

وزاد في الطين بلّة إيران، وعدم احترامها لكافة الاتفاقيات المتعلقة بتقاسُم أضرار شح المياه مع العراق، فتقطع المياه عن أنهُر وجداول سيروان والكارون والكرجة والوند، مما سبّب أضرارا جسيمة لمحافظة ديالى العراقية التي تعتمد مباشرة على المياه القادمة من إيران..

ولم تنفع كافة المناشدات العراقية لإيران، وتتهرّبُ من عقد اجتماعات بين الجانبين للبحث في هذا الموضوع، الأمرُ الذي أنفذَ صبر وزير الموارد المائية العراقي وهدّد يوم السبت العاشر من تموز 2021 باللجوء للمؤسسات الدولية لأخذِ حقوق بلاده المائية من إيران..

6ــ

أما قرصنةُ إسرائيل للمياه اللبنانية والفلسطينية والأردنية، فحدِّث ولا حرج..

هُم يعيشون ترف المياه، وهذه الشعوب تبحثُ عن كأسِ ماءٍ للشرب..

وتشيرُ الإحصائيات أن مُعدّل حصة المواطن الإسرائيلي من المياه تعادل ثلاثة أضعاف حصة المواطن الفلسطيني.. وقيسوا على ذلك..

بل أن اتفاقية أوسلو منحت الجانب الإسرائيلي امتيازات كبيرة بالمياه، لاسيما الجوفية، على حساب المواطن الفلسطيني، في مناطق الضفة الغربية..

 7ــ

الجميعُ استوطى حيطان العرب.. وأخذ بالقفز عليها.. لماذا؟. الجميعُ يعرفُ لماذا..

هناك دولٌ تفكِّرُ على الدوام برفاهية وتطوير شعوبها، ودولٌ تفكِّرُ كيف تقمع وتنهب شعوبها..

لا هيبةً للزعماء العرب أمام الدول الأجنبية، ويسعون للتعويض عن ذلك بالمرجلة على شعوبهم.. بل لا مشكلة بالتنازل عن ثروات الأوطان والشعوب إن كان ذلك يصبُّ في مصلحة الزعامات والكراسي.. وقد تابعنا في  أول زيارةٍ  للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنطقة، كيف حصل على اتفاقيات بخمسمائة مليار دولار.. وكلما كان يُهدِّد بالتخلي عن حمايتهم، كانوا يتنازلون له أكثر عن ثروات أوطانهم وشعوبهم.. فالكراسي قبل كل شيء.. والجميع في هذا العالم باتوا يحفظون عن ظهر قلب نفسية الزعيم العربي، وأولوياته..

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سيناريوهات ما بعدَ الحربِ على غزّ.ةَ

  كتب:د.المختار     بعدَ مرورِ أكثرَ من ستةِ أشهرٍ على بدءِ الحربِ على غزّ.ةَ، وسقوطِ أكثرَ من 33 ألفَ .قتيلٍ و76 ألفَ جر.يحٍ، تبدو ...