الرئيسية » مختارات من الصحافة » “ناشونال انترست”: العلاقات الصينية الروسية تحمل بوادر تحالف عسكري في مواجهة خصم رئيسي

“ناشونال انترست”: العلاقات الصينية الروسية تحمل بوادر تحالف عسكري في مواجهة خصم رئيسي

تواجه الصين وروسيا، في تحدياتهما الأمنية الإقليمية، الخصم الرئيسي نفسه، الولايات المتحدة الأميركية.

كتب ماتي بورانين وجوها كوكولا مقالة مشتركة في مجلة “ذا ناشونال انترست” الأميركية قالا فيها احتمال التحالف الصيني الروسي كان موضع تكهنات مكثفة أخيراً. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه صرّح في اجتماع نادي فالداي في كانون الأول / ديسمبر الماضي أن التحالف مع الصين لا ينبغي استبعاده. كما قدم القادة الصينيون ملاحظات مماثلة مترددة، مما أعطى انطباعاً بأن تحالفاً عسكرياً حقيقياً قد يكون قيد الإعداد.

من جهة أخرى، جادل العديد من العلماء بأن مثل هذا التحالف ليس إلا خطابياً أو قائم على مصالح متضاربة بطبيعتها.

ويرى الكاتبان أن التركيز على تحالف رسمي قد يكون بعيداً عن النقطة الرئيسية، حيث أن العلاقات الصينية الروسية القائمة حالياً تحمل أساساً تأثيرات نظامية مهمة بغض النظر عن أي التزامات رسمية بين الدولتين. قد تؤدي هذه الآثار إلى جعل الصين وروسيا تعملان بشكل مشابه على قيام تحالف عسكري بحكم الأمر الواقع، وسيكون له بالطبع التأثير الأكبر على الولايات المتحدة وحلفائها..

قارة أوراسيا

ترتبط الولايات المتحدة والصين وروسيا معاً بقارة أوراسيا. لدى الولايات المتحدة التزامات دفاعية على طرفي أوراسيا ، ويكاد خيالها الجيوسياسي الراسخ ينص على أن الولايات المتحدة يجب أن تهيمن على أطراف القارة.

بينما تواجه كل من الصين وروسيا تحديات أمنية غير محلولة في مناطقهما على الأطراف. فالصين لديها نزاعاتها الإقليمية البحرية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، ومسألة “إعادة التوحيد” غير المكتملة مع تايوان، بينما تشعر روسيا بأنها مهددة من وجود حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مناطقها الغربية. ففي تحدياتهما الأمنية الإقليمية، تواجه الصين وروسيا، الخصم الرئيسي نفسه، الولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن القوى العظمى الثلاث مرتبطة ببعضها البعض من خلال الجغرافيا الأوراسية ومن خلال جميع أبعاد العمل البشري. ويشكل تعاونها وتحالفاتها وتنافساتها نظاماً أوراسياً مترابطاً جغرافياً، وأي عمل يقوم به أحد اللاعبين الثلاثة له تداعيات في مجالات أو مواقع جغرافية أخرى.

وعلى سبيل المثال، تخلق التفاعلات في بعض الأحيان بين الصين والولايات المتحدة فرصاً لروسيا لمتابعة مصالحها. فالتصعيد العسكري مع الصين في آسيا من شأنه أن يقيّد القوات الأميركية بشكل خطير، لكنه يوفر حرية المناورة لروسيا في الطرف الآخر المقابل لقارة أوراسيا. والعكس صحيح.

إضافة إلى ذلك، إلى جانب استغلال الفجوات المفتوحة في مناطقهما حيث القوات الأميركية مقيدة في مكان آخر، يمكن للصين وروسيا تقديم دعم استراتيجي لبعضهما البعض من خلال زيادة الضغط في مناطقهما بطرق مختلفة. ويمكن أن يحدث مثل هذا الدعم دون أي تحالف رسمي ويمكن أن يكون غير مرتبط تماماً بالصراع الجاري.

التصعيد في شرق آسيا

وقال الكاتبان: أولاً، لنتخيل تصعيداً في شرق آسيا. وعلى الرغم من أنه لا الولايات المتحدة ولا الصين تبحثان عن قتال، إلا أنه من اليسير جداً تخيّل نتزاع سريع التطور حول مضيق تايوان أو بحري الصين الشرقي أو الجنوبي، ربما بسبب شرارة بسيطة مثل اصطدام سفن الدوريات أو الطائرات. في هذه الوضعية، قد تدعم روسيا شريكها الاستراتيجي، الصين، أو تحاول الاستفادة من الوضع بطرق أخرى.

وأضاف الباحثان: يمكن لروسيا، على سبيل المثال، أن تثير انتباه دول حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى مشاكلها الداخلية أو الثانوية من خلال حرب المعلومات والهجمات الإلكترونية، الأمر الذي من شأنه أن يقلّص الدعم الأوروبي للولايات المتحدة في آسيا. كما يمكن لروسيا أن تستخدم موقعها كمورد رئيسي للغاز إلى أوروبا للضغط بشكل فردي على الدول الأعضاء في حلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تقويض عملية صنع القرار الإجماعية في هاتين المنظمتين.

يمكن لروسيا كذلك تقييد الأصول العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الطرف الغربي من أوراسيا وحرفها، مثلاً، من خلال إجراء تدريبات عسكرية مبكرة أو عن طريق نشر قوات عسكرية على حدود الدول المجاورة. في النهاية، يمكن لروسيا تصعيد نشاطها إلى نزاع عسكري صغير فيما يتعلق بأوكرانيا أو منطقة بحر البلطيق، على سبيل المثال، لأن الاستيلاء على الأرض قد يخدم المصالح الروسية أكثر من الصينيين.

وعلى الطرف الآخر من أوراسيا، يمكن لروسيا استخدام أنظمة الأسلحة البعيدة المدى الكبيرة لحرمان الغرب من حرية العمل في آسيا، ويمكنها كذلك دعم العمليات الصينية من خلال جمع المعلومات الاستخبارية ومشاركتها معها.

قد يكون الصراع أيضاً في طور التخمير في نهاية شرق آسيا من القارة الأوراسية. قد تتصاعد العلاقات المتوترة أساساً بين حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة مقابلة، في وضع تحاول فيه روسيا الاستيلاء على بعض المناطق البرية في أوكرانيا أو في دول البلطيق أو في أي مكان آخر حول البحر الأسود. من شأن هذا التصعيد أن يقيّد القوات الأميركية مجدداَ بينما يفتح طرقاً للتقدم الصيني في الطرف الشرقي من القارة.

الدعم المتبادل بين الصين وروسيا

وبإمكان الصين أن تبدأ في دعم روسيا من خلال زيادة ضغطها على تايوان من خلال التوغل في المجال الجوي التايواني. فمثل هذه الغارات قد زادت بشكل كبير خلال عام 2020، ونُقل أن القوات الجوية التايوانية تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة بسبب رحلات تحديد الهوية المستمرة. بالإضافة إلى المجال الجوي، يمكن للصين تكثيف مناوراتها البحرية حول جزيرة تايوان، والتي يمكن في النهاية توسيع هذه المناورات باتجاه فرض حصار كامل عليها. وسيتم دعم مثل هذه المضايقات من خلال تكثيف العمليات الإلكترونية والمعلوماتية المعادية لها بشكل تدريجي.

كما يمكن زيادة الضغط في بحر الصين الجنوبي، حيث اكتسبت أخيراً أنشطة المنطقة الرمادية الصينية باستخدام “الميليشيا البحرية” (الأصول العسكرية المموهة كسفن صيد) زخماً. ويمكن كذلك توجيه الميليشيا البحرية ضد جزر سينكاكو / دياويو الخاضعة للحكم الياباني، والتي حددتها إدارة الرئيس جو بايدن لإدراجها ضمن حدود معاهدة الدفاع الأميركية-اليابانية.

أخيراً، يمكن للصين أن تستغل الفرصة التي يوفرها التصعيد الأوروبي لاتخاذ خطوة صغيرة نحو “إعادة توحيد” تايوان من خلال احتلال إحدى الجزر التايوانية المعزولة. وستكون جزيرة براتاس في بحر الصين الجنوبي، على بعد 400 كيلومتر من جزيرة تايوان الرئيسية، المرشح الأمثل. وعلى الرغم من أن الجزيرة تضم حامية عسكرية مؤلفة من 500 جندي، فإن عزلتها الافتراضية تجعلها هدفاً مناسباً وأرض اختبار لقدرات الصين البرمائية التي تتطورت بسرعة. ومن المحتمل أن تتمكن الصين من إنجاز ضم سريع بحكم الأمر الواقع قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من القيام برد فعل، وخاصة إذا كانت منشغلة بالمسرح الأوروبي.

تحالف زائف؟

يرى الكاتبان أن انتشار المناقشات حول ما إذا كان التحالف الصيني الروسي في طور الإعداد قد يفوته المغزى. فنظراً للتأثيرات المنهجية التي تمت مناقشتها أعلاه، يمكن للصين وروسيا (ومن المحتمل أن تقوما) بمزامنة تحركاتهما ضد التحالفات الأميركية من دون أي معاهدة رسمية بينهما، سواء من أجل المعاملة بالمثل الاستراتيجية أو من أجل انتهازية الفرص الخالصة. وحيث أن الولايات المتحدة هي مصدر القلق الأمني الرئيسي لكليهما، فإن تثبيتهما واشنطن في الطرف الآخر من أوراسيا يوفر حرية الحركة لهما في الطرف الآخر.

في أي سيناريو من السيناريوهين، ليس من الضروري أن تتسبب حرية الحركة المتوفرة في ضم دول البلطيق أو تايوان ككل، ولكن يمكن استخدامها للوصول إلى أهداف أصغر. هذه التحركات الأصغر، على غرار الاحتلال السريع لنارفا أو إستونيا أو جزيرة براتاس، والتي لن تتمكن الولايات المتحدة من الرد عليها بسرعة، ستؤثر بشكل كبير على مصداقية الردع الأميركي لحماية شركائها.

إضعاف الردع الأميركي

ويرى الكاتبان أنه إضافة إلى توليد الصين وروسيا نقاطاً شعبية من خلال إثارة المشاعر القومية، التي يحتاجها النظامان الصيني والروسي بشكل متزايد، فإن إضعاف الردع وإثبات أن الالتزامات الدفاعية لحلف الأطلسي أو الولايات المتحدة تجاه تايوان هي نمور من ورق سيكونان بحد ذاتهما انتصارين استراتيجيين كبيرين.

وإلى جانب تسببه في تأثيرات منهجية على طرفي القارة، يحفز النظام الأوراسي أيضاً الصين وروسيا على دعم بعضهما البعض. فقد أشارت الصين وروسيا سابقاً إلى أنهما سوف تدعمان بعضهما البعض إذا اقتضت المناسبة ذلك، من خلال التدريبات العسكرية المشتركة التي تنظم في المناطق الساخنة الخاصة بكل جانب، ومن خلال الدوريات الجوية المشتركة التي بدأت أخيراً فوق بحر اليابان.

ويتساءل الكاتبان: هل هناك أي سبب للاعتقاد بأن مثل هذا التبادل الإستراتيجي بين الصين وروسيا لن يتخذ أشكالاً أكثر جدية في ظل أي تصعيد العسكري في أي من طرفي القارة؟

يجيب الكاتبان بالقول إن العلاقات الصينية الروسية ونتائجها المنهجية موجودة أساسً في ظل تحالف مستعار مع احتمال حدوث عواقب وخيمة ينبغي أخذها في الاعتبار، خاصة مع تصاعد التوترات حول أوكرانيا وفي مضيق تايوان.

(سيرياهوم نيوز-الميادين-رأي اليوم22-4-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الغارديان: هل تستعد بريطانيا لحرب شاملة؟

بدلاً من تخزين الأسلحة وإثارة المخاوف من الصراع النووي القادم، ينبغي على بريطانيا أن تركز على الحفاظ على السلام كتب أوين جونز في صحيفة “الغارديان”. ...