وكأن “ناتو” حلف شمال الأطلسي فقد دوره، أو بريقه، أو قدرته على الردع، أو أن خلافات أعضائه همشته، أو ربما لأن واشنطن تريد إثبات أنها مازالت (وحيدة القرن) التي تنطح من تشاء، وبأي وقت تشاء، وبأدوات “ناتوية” جديدة تخترعها هنا وهناك، وربما لهذا وذاك نرى أميركا متحمسةً لاختراع “ناتوات” جديدة في كل أنحاء العالم.
فماكينتها الدعائية انغمست في الآونة الأخيرة، وبشكل عميق، بتفصيل “ناتوات” عديدة على غرار الأطلسي، فتحدث إعلامها عن “الناتو العربي” ثم وسّع من هدفه ليصبح اسمه “الناتو الشرق أوسطي” ليسهل على منشئيه ضم “إسرائيل” إليه، على غرار “الجامعة الشرق أوسطية” أو “البيت الإبراهيمي”، ثم تفتقت عبقرية “سي آي إيه” لاستنساخ “ناتو” في شرق آسيا لتطويق الصين أيضاً، وربما نسمع لاحقاً صوتاً يطالب بـ“ناتو إفريقي” وآخر أميركي لاتيني.
ربما يتفهم خصوم الولايات المتحدة وأعداؤها لهاثها اليوم لتحقيق أحلامها وتوسيع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومحاولة تطويق روسيا، لكن خبراء العالم العسكريين ومحلليه السياسيين تصيبهم الدهشة وهم يرون إدارة البيت الأبيض وهي تروج لإنشاء عدة “ناتوات” في طول المعمورة وعرضها كما ذكرنا آنفاً.
فمنذ أشهر طغى الحديث في وسائل الإعلام الغربية والشرقية عن “ناتو عربي” تريد أميركا تفصيله على مقاساتها، ثم توسع الحديث ليكون “ناتو شرق أوسطي”، بحيث تسمح تسميته بإدخال “إسرائيل” إلى صفوفه، بل قيادته، وهنا، وعلى وقع هذا الهدف، تم الترويج لاسم آخر له، وهو “الناتو الإسرائيلي”، وتزامن ذلك مع إطلاق حملة تحريض أميركية إسرائيلية حول الوجود الإيراني في سورية واختلاق تهديدات وهمية، تمهيداً لإطلاق فكرة إنشاء الحلف “الشرق الأوسطي” الجديد، الذي يشكل الكيان الإسرائيلي رأس قيادته.
وعلى الضفة الأخرى من العالم كانت القنبلة “الصوتية” الأميركية الجديدة تتمثل بدعوة واشنطن لإنشاء “الناتو الآسيوي” قبيل قمة بايدن ورئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء اليابان، لبناء ذاك الحلف لاحتواء الصين وكوريا الديمقراطية، وقبيل مناورات صاروخية تخطط سيئول وطوكيو وواشنطن لإجرائها بالقرب من هاواي، للرد على التهديد الصيني المزعوم لتايوان، بل كان الحوار الأمني الرباعي الياباني الأميركي الهندي الأسترالي نواة الحلف الآسيوي، وعنونت “لوموند ديبلوماتيك” بأنه أصبح حتمياً، ورآه آخرون وشيكاً بعد الصفقة الأمنية الأخيرة بين الصين وجزر سليمان، والحضور العسكري الأميركي الأوسع في جنوب آسيا والمحيط الهادئ، لتطويق الصين بعد روسيا.
إذاً نحن أمام “ناتوات” تحاكي حلف شمال الأطلسي، وتؤسس نفسها على خطاه، وشكله، وأهدافه، منها لمواجهة محور المقاومة، وتطويق إيران، ومنها لعزل روسيا، وأخرى لتحضير الحرب مع الصين، لكنها جميعاً تحاكي العجز الأميركي، والإفلاس الإسرائيلي، والتخبط الأوروبي.
ورغم أن عوامل نجاح مثل هذه الأحلاف تكاد تكون ضعيفة، وأنها تأتي من باب التلويح العسكري، أو التهديد والوعيد، أو الضغوط السياسية، أو حتى من باب الحروب النفسية، إلا أن الواجب يحتم على قوى العالم المناهضة لسياسات أميركا الهدامة أن تتعامل معها على أنها واقع، وخطير، وما يجري في أوكرانيا ومنطقتنا ومحيط الصين خير شاهد.
سيرياهوم نيوز 1-سانا