| هيام القصيفي
لم يقفل حزب الله الباب أمام أي تسوية، ولا سار بمرشح تحد بعد. ما يجري حتى الآن محاولة استكشاف العروض الخارجية وإبقاء باب التواصل وتحديد الشروط، لا أسماء المرشحين
تعاملت قوى سياسية مع الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول الانتخابات الرئاسية، بأنه مفصلي ونهائي، في اتجاه ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وما عدا ذلك قطع الطريق أمام قائد الجيش العماد جوزف عون نحو قصر بعبدا.
لكن ثمة قراءات مختلفة منطلقة من معلومات تتحدث عنها أوساط سياسية على بينة من مسار الحزب الرئاسي. في القراءة أن الحزب لم يعط وعداً قاطعاً لفرنجية على غرار ما أعطاه للعماد ميشال عون قبل ثماني سنوات ونصف سنة، لأسباب عدة. حينها، انتظر لبنان سنتين ونصف سنة من الفراغ لينتخب عون. كانت ظروف الحزب مختلفة وكذلك كانت أوضاع المنطقة وما يحيط بها مغايرة تماماً. لكن ما جعل قرار الحزب يترجم عملياً، أن الداخل استوعب التسوية مع الرئيس سعد الحريري، وبعد تفاهم معراب الذي أسس لقاعدة واسعة من الترتيبات الرئاسية. اليوم، كل الظروف المحلية والخارجية، لا تقدم للحزب الفرصة ذاتها، فحتى أوضاع الحزب لم تعد على ما هي عليه ليس بمعنى فائض القوة إنما بمعنى تدهور العلاقات الداخلية التي تضع جميع خصومه في سلة واحدة ضده، عطفاً على عوامل إقليمية تحد من حرية تكرار تجربة عهد الرئيس ميشال عون. يعرف حزب الله أن المجيء بفرنجية لم يعد بالسهولة التي سمحت بمجيء عون. وهو من أجل ذلك لا يمكن أن يعطي وعداً علنياً وتبنياً لترشيح لن يكون قادراً على تحقيقه. ولأن الظروف الآنية تجعل من المستحيل انتخاب فرنجية، تصبح آلية التراجع عن أي وعد رسمي أكثر صعوبة، وتنعكس خسارة في رصيد الحزب إذا ما نضجت الترتيبات الخارجية. علماً أنه لا يزال في نظر خصومه يحاول التخفيف من أضرار وقع الترسيم البحري وانعكاساته السياسية. وهو من أجل ذلك يترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات التي تسمح له بأن يخوض معركة الرئاسة بمناورة مستترة تحمل اسم فرنجية من غير تبنيه رسمياً، لكن مع فتح المجال أمام أسماء حلفاء أو مستقلين وتوافقيين يمكن أن يصل الخيار إليهم في حال نضجت ظروف الرئاسة خارجياً. وهذا لا يعني أن الحزب ميّال إلى فرنجية بالمطلق كخيار أول أو نهائي أكثر من ميله إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
آليات التنسيق بين الجيش والأميركيين قائمة بمعرفة جميع القوى بما في ذلك الحزب
من هنا نظر إلى كلام نصرالله حول الجيش بنظرة متفاوتة. هناك شبه ثقة بأن حزب الله، وإن لم يكن قائد الجيش خياره الأول أو الثاني حتى، لم يقطع الطريق أمامه. وتوجيهه رسائل مباشرة إلى عون لا تعني إقفال باب الاجتهاد والحوارات التي سبق وبدأت، ولديها مؤيدون، كما لديها خصوم يعملون على التقليل من أهميتها وفرملة أي محاولة لتسويقها.
أن يكون الجيش ميالاً إلى الأميركيين فهذا معروف سواء وصل قائده إلى قصر بعبدا أم لم يصل، وكل آليات التنسيق بين الجيش والأميركيين قائمة بمعرفة جميع القوى على أعلى المراتب بما في ذلك الحزب. علماً أن الأخير يعرف كذلك أن أي قائد للجيش يصل إلى بعبدا، لن يكون بمنأى عن التنسيق معه، ولن ينتخب إلا وفق قاعدة تفاهمات عريضة عملانية. لذا فُهم كلام الأمين العام بأنه قد يكون بمثابة استدراج عروض من أجل الحصول على ضمانات داخلية، يثق الحزب بأن أي قائد جيش سيقدمها، ولو بعد حين، على مسار التمهيد للوصول إلى بعبدا. وهو أعطى تنبيهات حول شروط محددة تتعلق بالواقع الأمني ومستقبل العلاقة بين الجيش والحزب. ليكون الحزب بذلك يحدد شروطاً على طريق الرئاسة لا شروطاً للأشخاص ومواصفاتهم. علماً أن الحزب كما بات واضحاً لا يزال عاجزاً عن فك عقدة باسيل – عون لأن كل تعهدات الحزب ورسائل عون الإيجابية في المقابل لن تكفي باسيل للوثوق بقائد الجيش، ولا بمسؤولين ونواب ووزراء وطبقة سياسية ومالية تنقل البارودة من كتف إلى كتف. فيصبح أي اسم توافقي ولو من الدرجة الثانية أسهل على باسيل بأشواط، كونه لا يتمتع بأي حيثية أمنية وطبقة ضباط تدعمه أو كتلة سياسية وإرث عائلي وإقطاعي، ما يسهل عليه أمر التحكم بمفاصل العهد المقبل من موقعه ككتلة نيابية مسيحية وازنة.