الرئيسية » ثقافة وفن » علي المسعود: “ذكريات باريس” فيلم يعيد ذكرى الاعتداءات الارهابية على العاصمة الفرنسية

علي المسعود: “ذكريات باريس” فيلم يعيد ذكرى الاعتداءات الارهابية على العاصمة الفرنسية

تعرضت باريس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 لسلسلة إعتداءات إرهابية دامية طالت مقاهي ومسرح “باتاكلان” بالعاصمة الفرنسية وملعب “ستاد دو فرانس” بضاحية سان دوني حيث كانت تجري مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا. خلفت تلك الهجمات 130 قتيلا و350 جريحا . وكان مطعم “لا بيل إكيب” الواقع في الدائرة 11 بباريس ضمن المواقع التي هاجمها الإرهابيون وقتلوا فيها 20 شخصا على الفور ، وهو الموقع الذي سجل أكبر عدد وفيات خلال الهجمات بعد “باتاكلان ” . سرعان ما حولت السينما الفرنسية انتباهها إلى واحدة من أكبر المآسي الحديثة التي عرفتها البلاد على الإطلاق .

بعد سبع سنوات من هجمات باتاكلان تم أنتاج فيلم بعنوان” ذكريات باريس”  أو (ريفوار باريس) وهو العنوان الاصلي للمخرجة أليس وينوكور . قصة الفيلم مستوحى من أحداث يوم 13 نوفمبر 2015 . الفيلم يسرد صدمة الناجين من الهجوم الأرهابي على العاصمة باريس . ويحكي قصة زوجان ميا (فيرجيني إيفيرا) وفنسنت (غريغوار كولين) وهما يعيشان حياة هادئة ،  ميا تعمل مترجمة من الروسية وتشارك في المؤتمرات واللقاءات العالمية التي تعقد في العاصمة باريس بالاضافة الى عملها في الراديو الفرنسي وفي القسم الروسي . تتنقل في جميع أنحاء باريس على دراجة نارية وتعيش قصة جميلة مع  الطبيب فنسنت (غريغوار كولين) رئيس قسم المستشفى . يفتتح الفيلم من خلال الروتين الصباحي الذي أعتادت عليه ميا ، قبل الذهاب إلى عملها في دار الإذاعة تقوم بسقي نباتاتها  الموزعة على شرفتها ، تتناول قهوتها ، في هذا الصباح يسقط من يديها فنجان القهوة  وتتناثر اشلاءه على أرضية المطبخ  .

في إحدى الأمسيات  الممطرة ، يقطع العشاء الرومانسي مع زوجها (فنست) في مطعم  نداء حالة طارئة من المستشفى ويستدعى حضور الطبيب . يغادر المطعم  ويترك ميا وحدها في المطعم . في طريقها إلى المنزل على دراجتها النارية ، تفاجئ ميا بالعاصفة  المطرية وتلجأ إلى مطعم (ليتوال دي أور) ، تبقى ميا في المطعم حتى يتوقف المطر ، بجانبها  طاولة ماثيوس (بينوا ماغيميل) رجل يحتفل  بعيد ميلاده مع زملائه . وحدها في مكان يعج بالحياة والإثارة، وتحيط بها ضيوف تتراوح من مجموعة صغيرة من السياح الصينيين الذين يلتقطون صور سيلفي إلى حفلة عيد ميلاد ، تتحول ميا بشكل طبيعي إلى مراقب وتتجول االكاميرا في المطعم وتكشف تفاصيل صغيرة عن الحضور وزوايا المطعم . وفجأة تسمع طلقات نارية وتجثو ميا على الأرض وتتخفى تحت أحد الكراسي ،  في حين يتساقط الاخرون حولها بعد أصابتهم برصاص الارهابيين الذين يطلقون النار بشكل عشوائي على رواد المطعم ويقضون على كل ما يتحرك

. بعد ثلاثة أشهر من الأحداث ، نرصد ميا وهي تكافح من أجل المضي قدما في حياتها. حريصة على الشفاء من أثار الصدمة والعيش بشكل طبيعي مرة أخرى بعد أن أصاب ذاكرتها بعض الضرر ، تسعى ميا لاستعادة الذكريات التي طاردتها منذ حدوث الهجوم الارهابي في المطعم . تعود إلى مسرح المأساة ، وتشارك في اجتماعات جمعية ضحايا الهجوم ، وتقيم روابط صداقة مع بعض الناجين بما في ذلك توماس (بينوا ماغيميل) المصاب بجروح خطيرة في ساقه وبات يعتمد على العكازتين في سيره . تحاول أن تتذكر كل شيء عن هذه اللحظة الرهيبة مع مشهد الهجوم وتبادل لإطلاق النار . موضوع مظلم ولا يزال حاضرا في تاريخنا وذاكرتنا لفيلم مؤلما ، إنسانيا عميقا وخاصة أقرب ما يمكن إلى الأجساد الموشومة بالكدمات على أجسادهم وأرواحهم ، فيلم عميق وصعب  يصور عملية إعادة إعمار الروح قبل الجسد من أثر الصدمة ، هذه المرأة التي تتجول مثل شبح في باريس تراها الآن بشكل مختلف ، تذهب لمقابلة هؤلاء الأشخاص الذين لم تكن تعرفهم والذين يجب أن تكون قد شاركوها لحظات الرعب ، من خلال هذه الجمعية التي تجمع في مسرح المأساة الناجين وعائلات الضحايا . تقضي الكثير من الوقت مع الناجين الآخرين في مجموعة دعم تجتمع بانتظام في المطعم الذي وقع فيه الهجوم. من بين الشخصيات التي تصادفها فتاة مراهقة  فقدت والديها (ناستيا جولوبيفا كاراكس) ، اس (بينوا ماجيميل) الذي فقد العديد من الأصدقاء وأصيب بجروح كبيرة في ساقه . كان الممثل بينوت ماجيميل في دور ماثيوس متوهجاّ  في دور داعم ومهم جدا لميا في تجاوز مأساتها مما يمنحها الأمل ، الممثلة فيرجيني إيفيرا في دورميا تحمل الفيلم بأكمله على كتفيها ، مع حزنها العميق وإنكسارها ، تتفوق فيرجيني إيفيرا على نفسها . في الفيلم البطلة ( ميا) هي أيضا وعاء أحزان وشجاعة للآخرين في نفس الوقت .

فيلم روائي رائع ترنيمة للحياة ومقاومة ضد الهمجية ويظهر بوضوح مدى صعوبة إعادة بناء الذات بعد هذه الصدمة ، إنه ليس فيلما عن الهجمات بل عن إعادة الإعمارللارواح المنكسرة والمصدومة من وحشية الارهاب ، فيلم يخبرنا كيف نعيد بناء أنفسنا بعد تعرضنا لصدمة كبيرة . إضافة الى الرومانسية  المزدهرة بين ميا وتوماس ، حيث يلتقي الاثنان في غرف المستشفى وفي جلسات العلاج الجماعي وغيرها من المواقع التي ليست الأكثر رومانسية التي تقدمها مدينة النور. مشاعرهم هي أكثر من قصة حب لشخصين تقربهما جروحهما من بعضهما البعض – وهي أستذكارات للصورة التي طبعها الحادث الارهابي . الممثل بينوت ماجيميل  بأداء مريح وبسيط يضيف جرعة من الفكاهة إلى كل من حياة ميا والفيلم نفسه مما يفتح الأمور نحو آفاق أكثر دفئا . المشهد الذي يتسلل فيه الاثنان إلى حفل زفاف ويبدأ توماس في الرقص بعكازيه ربما يقول المزيد عن الحالات الذهنية للشخصيات أكثر من أي شيء آخر ، مما يؤكد العبثية الوجودية للنجاة من مذبحة حصدت الكثيرين .

بدأت المخرجة أليس وينكور نشاطها السينمائي بكتابة السيناريوهات قبل الشروع في إخراج الأفلام القصيرة  ثم تحولت الى الأفلام الروائية . أولها فيلم أوغسطين  الذي صدر في نهاية عام 2012 ، لم تتوقف أليس وينوكور عن نشاطها ككاتبة سيناريو منذ ذلك الحين ، ربما ربطت المخرجة احداث الفيلم بقصتها الخاصة ،عندما  كان شقيقها أحد رهائن باتاكلان  الذي نجا بأعجوبة. يبدو أن الفيلم موجه أولا وقبل كل شيء إلى الضحايا أنفسهم أو إلى أقاربهم ، كمساعدة أو دعم إضافي لهم بخسارتهم أحبة وأهل واصدقاء . يظهر الفيلم بشكل جيد للغاية إعادة الإعمار للنفس البشرية بعد الصدمة ولكن بشكل بطئ ، من خلال المشاهد الجميلة بين فيرجيني إيفيرا وبينوا ماغيميل التي تُظهر حقيقية أن تلك الصدمة من الهجوم قد تمحو أي حواجز سواء كانت اجتماعية أو ثقافية بين الناجين منها ، بالمقابل عند مراجعة المشاهد المؤلمة بين ميا وزوجها الذي لم يكن في المطعم وقت الهجوم ، غيابه وعدم وجوده معها لحظة الهجوم ربما خلق فجوة بحيث لم يفهم الزوج سرُ تشتتها وتشبثها بذكرياتها لحظة الهجوم .للحديث عن صدمتهم  لحظة الهجوم الارهابي ، اختارت أليس وينوكور تصوير أيام امرأة كانت في المكان الخطأ في الوقت الخطأ ومتابعة سعيها في إعادة الإعمار إنكسار الروح قبل الجسد .

من خلال سلسلة من اللقاءات مع الناجين الآخرين ، تحاول ميا إعادة تجميع الصورة الأكبر لتلك الليلة المؤرقة ، كل ذلك أثناء  مع صراع المشاعر المختلطة ، التعاطف والحب والشعور بالذنب والحزن . وبعدها يصبح لديها فهم أعمق لنفسية الضحايا الآخرين المتضررة ، تعمل  على إقامة روابط أكثر حميمية مع الغرباء في هذه العملية ، في أحد المشاهد ، ترافق ميا الشابة فيليسيا (ناستيا جولوبيفا كاراكس) – التي فقدت والديها في الهجوم – إلى متحف فني من أجل العثور على تفاصيل محددة في لوحة زنابق الماء الشهيرة لكلود مونيه. ولكن بقدر ما يمكن هذا البحث عن الذكريات والأفراح المفقودة لميا من اكتشاف جوانب أخرى من باريس لا سيما في بحثها عن عامل المطبخ السنغالي  الذي ساندها لحظة الهجوم واصلاق الرصاص، الطباخ الشاب الذي ساعدها على الاختباء داخل المطبخ  ساندها وأمسك بيدها لمدة ساعتين قضوها محبوسين هناك ، تتعقبه وتكرس النصف الثاني من الفيلم في البحث عنه. وتأخذها رحلة البحث  الى الوجه الأخر لمدينة باريس حين تجد نفسها في منطقة فقيرة للمهاجرين،

فيلم ذو موضوع حساس وجريء ، تتجنب أليس وينوكور جميع التعقيد من خلال التعامل السهل  مع أحدث سلسلة من الهجمات الباريسية ومن خلال محاولة المترجمة ميا (الممثلة البلجيكية فيرجيني إيفيرا) البالغة من العمر 40 عاما في اعادة بناء نفسها التي تتكشف في مشاعر محطمة وغامضة لامرأة تمكنت من الهروب من هجوم وحشي على مطعم في وسط المدينة خلف وراءه عشرات الضحايا . عندما عادت ميا إلى باريس بعد عدة أشهر وأعادت الاتصال بزوجها الجراح فنسنت (غريغوار كولين) وليس لديها سوى ذاكرة جزئية لما حدث. يظهر بقية السيناريو (الذي كتبته وينوكور بالتعاون مع مارسيا رومانو وجان ستيفان برون) المحاولة في تجميع الأحداث معا – وهي عملية قد تساعدها على المضي قدما .  نجحت المخرجة على عرض مثل هذه الدراما بواقعية بشكل مقنع . تحاول جمع شهادات الضحايا ويتحدث الضحايا إلى الكاميرا في ترجمة مشهد الذاكرة الوامضة والحفر في معرض ذكرياتهم بعمق كاف للوصول إلى تفاصيل المشهد المميت . يأخذ الفيلم بعدا اجتماعيا واستكشافا حقيقيا للمجتمع الفرنسي ، من الأحياء الجميلة إلى منازل العمال المهاجرين والمهمشين الساكنين في قاع المدينة . تم تصوير باريس في كل ما يمكن أن تتمتع به هذه المدينة الجميلة سحر وجاذبية ، ولكن أيضا هناك الجانب المعتم منها المشردون ينامون على المراتب حتى في الشارع ، وبعض الأماكن القذرة جدا!.  والشئ المهم هو تسليط الضوء على قضية توظيف أصحاب المؤسسات( المطاعم والفنادق ) مهاجرين غير شرعيين للقيام بمهام صعبة يرفض الآخرون القيام بها ولرخص الأجور . فهم تلك الحكاية من قبل أولئك الذين عانوا من الصدمة ثم أدركوا أنه لا يمكنهم التعافي منها إلا من خلال إعادة إحيائها ومن من خلال رؤيا جديدة لمدينة باريس بطريقة أو بأخرى (ومن هنا جاء العنوان) .  شخصية أخرى محببة للغاية هي فيليسيا  وهي امرأة شابة مات والداها ، وتريد أن تعرف أخر لحظات والديها قبل موتهم والتي ستقيم ميا معها علاقة أمومية تقريبا. ناهيك عن المرأة التي تتعرف على ميا وتتهمها بحبس نفسها في الحمام أثناء إطلاق النار . في رحلة ميا الخاصة للبحث عن رجلا مد يده المرسوم عليها وشما خاص عندما احتاجت إليه لتقول “شكرا” . تنظر المخرجة إلى الوراء في حادث مأساوي والذي يوفر لحظة مؤثرة وضرورية من المرونة . ليست هناك حاجة لتاريخ أو علامة لتحديد السياق أوالقضايا . لدينا مجموعة كاملة من الناجين الذين تقلص عالمهم في غضون ليلة بحجم مطعم أو غرفة طعام . لكن هذه الحالة مؤقتة فقط ، على عكس الندوب التي تركت اثارها على نفسية الناجين من الحادث .

أجابت المخرجة أليس وينوكور عن السبب في الرجوع الى حادثة ( باتاكلان ) التي حدثت في 13 نوفمبرعام 2015 :” شيء شخصي ، لأن أخي الأصغر كان في باتاكلان ليلة الهجوم الإرهابي وكنت أكتب له رسالة نصية فأجاب أنه لا ينبغي لي أن أكتب لأن المكان استولى عليه الإرهابيون ، كتبت من ذكرياتي في تلك الليلة وأيضا من المناقشات التي أجريتها في الأيام والأشهر التالية والتي أجريتها مع أخي . لذا قررت تمثيل باتاكلان والكتابة عن الحادثة ، الفيلم مستوحى من تلك الذكريات والعالم الذي اكتشفته من أخي والأشخاص من حوله الذين نجوا وهربوا والتقيت بهم ” . زارت  المخرجة جمعيات الناجين حيث كان الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم يبحثون عن أولئك الذين كانوا في الهجوم لمعرفة ما إذا كانوا يتذكرون ما حدث لهم . لقد حاولوا إعادة بناء الأحداث كمجموعة ، حيث تكون المجموعة جزءا من العلاج لأنه لا يمكنك القيام بذلك بنفسك. بدلا من ذلك يجتمع الناس معا وهم موجودون لبعضهم البعض ويساعدون بعضهم البعض. ثم ذهبت إلى جمعيات خاصة بالضحايا وتحدثت مع أطباء نفسيين مصابين بالصدمات ليخبروها عن عملية إعادة الإعمار والآثار التي يتركها الحادث والخطوات نحو الإصلاح  والعلاج .  تبدو باريس مدينة مجروحة في جسدها وأردت المخرجة  أن تظهر فشل الإرهابيون في أطفاء نورها وبهجتها والدفء الإنساني .

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دهب سبيعي في أحدث ظهور.. جمالها نسخة طبق الأصل عن والدتها سلافة معمار

لفتت دهب سبيعي، ابنة الفنانة سلافة معمار والمخرج سيف سبيعي، الأنظار بجمالها اللافت وشبهها الكبير بوالدتها. تظهر دهب بين الحين والآخر في صور وفيديوهات عبر ...