تتزاحم القاهرة وأبو ظبي على قيادة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية العائدة إلى «التنسيق الأمني» وبين العدو الإسرائيلي، بعد زعل مصري لم يَطُل من «تطنيش» إماراتي لعبد الفتاح السيسي. وفيما يجري العمل على عقد لقاء رباعي يضمّ إلى السيسي ومحمد بن زايد كلّاً من بنيامين نتنياهو ومحمود عباس، تنصبّ الجهود على صياغة «موقف عربي موحّد لاستئناف عملية السلام» برعاية السعودية
يجري العمل على لقاء رباعي يجمع السيسي وابن زايد وعباس ونتنياهو
في غضون ذلك، تستعد مصر لدور أكبر على حساب الأردن في المفاوضات، على رغم أن السيسي شعر بالتجاهل من إدارة بايدن حتى الآن، ولهذا يسعى إلى فرض نفسه كطرف أساسي في القضية الفلسطينية، ليمنع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض من إقصائه، خاصة أن ملفّات عديدة، بينها «المعونة العسكرية» بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» إضافة إلى اتفاقات تجارية أخرى، قد تكون مُهدّدة. وترتكز المخاوف المصرية على القلق من إمكان السعي الأميركي إلى استبدال دور إماراتي – أردني بالدور المصري، الأمر الذي ظهرت بوادره في التواصل المباشر بين عبد الله وبايدن قبل أيام، وهي خطوة أشعرت القاهرة بالقلق، ولا سيما أن الرئيس المنتخَب لم يتواصل مع أيّ مسؤول عربي آخر، علناً على الأقلّ. مع ذلك، يراهن «الجنرال» على تنسيق رفيع المستوى بين القاهرة وعمّان في الملف الفلسطيني، ما قد يتطلّب عقد لقاء مشترك بينه وبين الملك الأردني قريباً، في زيارة قصيرة يجري الإعداد لها. لكن النقطة الأهمّ هي أنه فُتحت قنوات الاتصال بين القاهرة وتل أبيب لترتيب استقبال رسمي لنتنياهو في القاهرة قريباً، في زيارة ستكون الأولى من نوعها إلى العاصمة المصرية بعد عشر سنوات، علماً بأنه سُجّلت زيارة غير معلنة لرئيس حكومة العدو إلى شرم الشيخ التقى فيها السيسي منفرداً قبل نحو عامين.
في الوضع الحالي، يناور السيسي في المفاوضات بورقتين أساسيتين: الأولى قدرته على ممارسة الضغوط على عباس فقط، والابتزاز ضدّ «حماس» عبر التهديد بتشديد الخناق على غزة في حال رفض الاستجابة للقاهرة، والثانية تعزيز فكرة علاقاته القوية مع إسرائيل «التي يهدّد الإرهابُ حدودها من سيناء ويعمل الجيش المصري على مواجهته»! من هنا، تبدو أوراق «الضغط» المصرية على إدارة بايدن مهمّة، ولا سيما مع الدعم الإسرائيلي المتوقع من نتنياهو، ليس لأن مصر دولة مهمّة بالنسبة إليه وعلاقته بنظامها الحالي كانت مثمرة جداً، بل أيضاً من جرّاء آفاق التعاون التي تسعى القاهرة إلى فتحها مع تل أبيب قريباً، ومنها الوعد بتحسين صورة التطبيع في الشارع المصري المناهض له.
وبالعودة إلى لقاء عباس – السيسي، يسعى الأول إلى ترتيبات مبكرة «لاستئناف السلام وصياغة موقف عربي موحّد على غرار مبادرة بيروت 2002». وبحسب المصادر، فإن ترتيبات تجري للقاء رباعي يجمع السيسي وابن زايد ونتنياهو و«أبو مازن» في القاهرة، فضلاً عن لقاء أوسع سيضمّ قادة آخرين، منهم ابن عيسى وعبد الله. يحدث ذلك تحت مظلّة «الجامعة العربية» ضمن محاولات لصياغة الموقف الموحّد المذكور، بل تبنّيه خلال القمة المقبلة في آذار/ مارس، بدعم سعودي غير معلن، فيما يُتوقّع أن يستغلّ نتنياهو المشهد من أجل تجاوز الاحتجاجات الداخلية ضدّه، حتى لو لم يتمّ التوصّل إلى أيّ اتفاق.
المفارقة أن كلّ ما يحدث لا يزال حتى الآن محصوراً بين اللاعبين الإقليميين، ولم يحظَ بمباركة أميركية من الإدارة الجديدة التي تكتفي بالمتابعة، بل تتأخر في الردّ على قنوات الاتصال المفتوحة مع أبو ظبي والقاهرة بداعي الانشغال بترتيبات داخلية معقّدة، لكنها تبدي تشجيعها عودة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)