آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » مصر وجيشها في قلب الاستهداف

مصر وجيشها في قلب الاستهداف

 

راسم عبيدات

 

 

يتجاوز المشروع الاستعماري الجديد للمنطقة تقسيمات «سايكس– بيكو» للوطن العربي، نحو إعادة تفكيك الجغرافيا العربية والإسلامية وتركيبها مجدداً على أساس مذهبي، طائفي، عرقي وإثني، بهدف إنتاج دول وكيانات اجتماعية هشّة، مرتبطة بأحلاف أمنية وعسكرية مع إسرائيل، ومقادَة اقتصادياً من قِبل المركز المالي التابع للرأسمالية العالمية في واشنطن. ولتحقيق هذا الهدف، وإقامة ما يُعرف بـ«إسرائيل الكبرى» – الحلم الإسرائيلي الأميركي – يجب القضاء على الجيوش العربية والإسلامية، وفي مقدّمتها الجيش المصري.

 

لهذا، نشهد تصعيداً من نتنياهو وحكومته تجاه مصر وجيشها، إذ يزعم أن مصر تسجن الغزيين رغماً عن إرادتهم، وتمنعهم من الهجرة القسرية أو الاختيارية، ويهدّد بإلغاء اتفاقية الغاز ويزعم أن مصر تخرق اتفاقية «كامب ديفيد» وتنشر جيشاً ودبابات في سيناء.

 

من جانبها، أكدت مصر رسميّاً وشعبيّاً أنها لن تكون بوابة تهجير للشعب الفلسطيني، وأن هذا يمسّ أمنها القومي. والتصعيد لا يقتصر على أمن مصر القومي، بل يمتدّ إلى أمنها المائي؛ فقد دفعت الولايات المتحدة وإسرائيلُ إثيوبيا إلى تحرّكات موازية لزيادة الضغوط على مصر، لمحاولة دفعها إلى الاستجابة للمخطط الإسرائيلي ـــ الأميركي. فقد صرّح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بأن إثيوبيا لن تكتفي ببناء سد النهضة وتشغيله، بل ستقيم سدوداً أخرى على منابع النيل، وستستعيد سيطرتها على البحر الأحمر كما كانت قبل نحو ثلاثين عاماً.

 

كل هذه التطورات تشير إلى أن الحرب الكلامية بين مصر وإسرائيل قد تتحوّل إلى مواجهة عسكرية. الأسباب لا تقتصر على المخطط الإسرائيلي ــ الأميركي لطرد سكان قطاع غزة وتهجيرهم، وإقامة ما يُعرف بـ«ريفييرا الشرق» بالمعايير الترامبية فقط، بل إنّ الأطروحة السياسية الجديدة للأطراف الأميركية ــ الإسرائيلية تستهدف إلغاء «الأرض مقابل السلام» التي أقرّتها قمّة بيروت في آذار 2002، والمعروفة بمبادرة السلام العربية التي طرحها الصحافي الأميركي توماس فريدمان، والتي لم تعد قادرة على تلبية طموحات إسرائيل وأميركا في المنطقة.

 

المشروع الاستعماري الجديد يقوم على منع أي تهديد لوجود إسرائيل لقرن قادم، ويعتمد على «التطبيع والسلام مقابل الأمن»، أي نزع سلاح الجيوش العربية وتدميرها، كما حصل في سوريا والعراق. وفي الجبهة اللبنانية، تستمر التهديدات الأميركية للبنان، حيث يرى المبعوث توماس برّاك وجوب نزع سلاح المقاومة اللبنانية قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية ووقف انتهاك سيادتها جواً وبراً وبحراً. وحتى موافقة الحكومة والرئاسة اللبنانية على الورقة الأميركية لم تتمكّن من الضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها.

 

كل هذه التطورات تشير إلى أن الحرب الكلامية بين مصر وإسرائيل قد تتحوّل إلى مواجهة

 

 

من عناصر المشروع الجديد أيضاً إنشاء مناطق أمنية في الجغرافيا العربية لخدمة إسرائيل: ففي سوريا، باتت إسرائيل تسيطر أمنياً على مساحة واسعة. وفي لبنان، يشمل المخطط منع سكان القرى الحدودية المهجّرين من العودة إليها، وتحويل تلك القرى إلى مناطق اقتصادية واستثمارية تعمل كغطاء أمني ومنطقة عازلة لأمن المستوطنات الشمالية الإسرائيلية. وكذلك تتضمّن الخطة حق إسرائيل في انتهاك سيادة تلك الدول متى شعرت بأي تهديد أمني أو عسكري لحماية أمنها وجيشها.

 

مصر الآن في دائرة الاستهداف ويبدو أنها الدور التالي؛ فهل باتت القيادة المصرية مقتنعة بأن أمنها وسيادتها وجغرافيتها مهدَّدة، وأن عليها الاستجابة وإلا فإنّ مصيرها ومصير جيشها سيكون كما حدث مع الجيشين العراقي والسوري؟

 

إنّ حضور مصر لقمّة شنغهاي في الصين، وسعيها إلى تنويع مصادر تسليح جيشها، بالاعتماد على الصين لتطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، يُشير إلى أنّ مصر قد تُضطر إلى الخروج من تحت عباءة الخطّة والهيمنة الأميركية. فالقوى الاستعمارية لا صداقات دائمة معها، بل مصالح دائمة. وإذا وقفت مصر – التي تملك أقوى جيش عربي في المنطقة – في طريقها، فإنّ هذا الجيش قد يُدمّر ويُقضى عليه كما حدث للجيشين العراقي والسوري.

 

هل يُوقظ هذا المخطط الاستعماري ـــ الإسرائيلي ــ الأميركي شعوب العالم العربي والإسلامي؟ هل سينشأ تحرّك عربي وإسلامي جماعي، بدل أن يبقى الجميع متفرجين أو حتى متواطئين، كما حصل خلال جرائم الإبادة والتطهير العرقي وتهجير وتجويع سكّان قطاع غزة، إذ بلغ عدد الشهداء والجرحى حتى اليوم ما يزيد على 268 ألفاً، إلى جانب آلاف المفقودين تحت الردم، بينما يُقتل طفل غزاوي كل ساعة؟

في ظل هذه المنازلة الكبرى التي تستعدّ لها أميركا وإسرائيل، عسكرياً وتسلُّحاً وتنسيقاً، وجمع معلومات استخبارية، وتلفيق الذرائع لشنّ حروب عدوانية – كما نرى اليوم في فنزويلا حيث حشدت أميركا أساطيلها ومدمراتها قرب الكاريبي استعداداً لعملية عسكرية تهدف لتقويض النظام الثوري هناك – يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة لا تتوقف عند أي وسيلة لتحقيق مصالحها.

 

الحجّة التي فبركتها المخابرات الأميركية: أن الرئيس الفنزويلي مادورو يدير عصابة تغرق الأسواق الأميركية بالمخدرات. وهذا النوع من الذرائع سبق أن استخدم ضد العراق عام 2003 – بادعاء امتلاك أسلحة دمار شامل – فتدمّر جيشه وقتل شعبه وشُرّد الملايين، ثم اعترفت لاحقاً بأن تلك الادعاءات كانت أكاذيب.

 

إذا ما امتلكت القيادة المصرية إرادتها وقرارها السياسي، فهي قادرة على هزيمة تلك الجموع، واستعادة دورها ومكانتها كقائدة للأمّة العربية والإسلامية، واسترجاع وزنها الثقيل على الصعيدين الإقليمي والدولي. فعزيمة مصر أقوى من أن تهزمها الولايات المتحدة. وقد خضعت أميركا للهزيمة على يد «طالبان» في أفغانستان، واضطر جيشها إلى التراجع، كما أفشل اليمن – بقيادة «أنصار الله» – تحالف «الازدهار» الذي كان يضمّ الأميركيين، إذ منعوا، بصواريخ بالستية وفرط صوتية، السفنَ والمدمرات والبوارج الأميركية من الاقتراب، ما اضطر واشنطن إلى توقيع اتفاق لضمان عدم استهداف قوتها مقابل استمرار الدعم لغزة ورفع الحصار عن اليمن.

 

فهل تستعيد مصر إرادتها العسكرية والسياسية، وتُثبت لخصومها أن شعوب الأمّة العربية والإسلامية ليست شعوباً متفرّجة، بل عنوان فعلي للتصدّي والرفض؟

 

* كاتب فلسطيني

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إيران: سياسة الغموض النووي والاحتمالات

    حسن حردان   يبدو من الواضح أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية قرّرت انتهاج سياسة الغموض النووي في التعامل مع الغرب، بعد شنّ الحرب الإسرائيلية ...