آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » حجر أوغلو وعصافير أردوغان

حجر أوغلو وعصافير أردوغان

| منذر عيد

تداعيات كثيرة ومتسارعة، شهدتها تصريحات وزير خارجية النظام التركي مولود تشاووش أوغلو في الأيام الأخيرة، وإعلانه عن لقاء سريع مع وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في بلغراد في تشرين الأول من العام الماضي، حتى إن تلك التداعيات تحولت مظاهرات غاضبة في مناطق سيطرة النظام التركي والميليشيات المسلحة الموالية له في ريف حلب، تلاها تخبط وإرباك تركي ومحاولات لـ«ترقيع» وتبرير ما ذهب إليه تشاووش أوغلو، وحدها دمشق لم تصدر أي تعليق أو موقف، وعليه فإن أسئلة كثيرة تم طرحها وتطرح سبب الكشف عن هذا اللقاء بعد هذا الوقت الطويل، هل ما ذهب إليه النظام التركي نوع من التكتيك مع الجانب الروسي عقب قمة سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، والضغط على واشنطن بما يخص تقاربها مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، أم إنه «بالون» اختبار عن كيفية تعاطي النظام التركي مع مرتزقته من الميليشيات، إذا ما تم التخلي عنها لاحقا، أم فعلاً أنقرة جادة في قضية الحوار مع دمشق، مدفوعة بالضائقة الاقتصادية، وضغط اللاجئين، ومسألة الانتخابات المقبلة في 2023؟

بعيداً عن التحليل، والغوص في نيات النظام التركي من تلك التصريحات، فإن الحقيقة تقول إن تركيا هي جزء من الأزمة في سورية، وليست جزءاً من الحل، وعليه فإن حديثها عن دور إيجابي لعودة الوضع في سورية إلى ما كان عليه، وإنهاء الأزمة فيها، يوجب عليها الإقدام على خطوات عملية على أرض الواقع، بخلاف تصريحاتها السياسية، بدءاً من سحب قواتها من الأراضي السورية التي تحتلها في إدلب وشمال غرب وشرق سورية، والكف عن دعم الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «جبهة النصرة» حيث تتخندق معه في مواجهة الجيش العربي السوري.

وعليه فإن صمت دمشق وعدم التعليق على كلام تشاووش أوغلو، نابع من موقف واضح وثابت، وشروط يجب تحقيقها قبل البدء بأي حديث عن عودة العلاقات مع تركيا، أكد عليها المقداد خلال مشاركته في فعاليات منتدى «فالداي» بموسكو شباط الماضي وهي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم الإرهابيين، وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سورية على أساس الاحترام المتبادل.

بخلاف الضجة التي تلت تصريح تشاووش أوغلو، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن حدوث انعطافة أو «تكويعة» في سياسة النظام التركي تجاه سورية، ولاسيما أن أردوغان يجيد فن المراوغة واستغلال المتناقضات الدولية لحصاد موقف هنا أو مصلحة هناك، وفي هذا السياق فإنه من المرجح، إن لم يكن من المؤكد، أن كلام وزير خارجيته ليس سوى رسالة للجانب الروسي، يسعى من خلالها الحفاظ على الود الاقتصادي الذي أعلن بوتين عن فائض العلاقات فيه بين روسيا وتركيا مستقبلاً، ورسالة ضغط على أميركا، التي اصطفت بقوة وتعنت إلى جانب ميليشيات «قسد» عدو أنقرة اللدود، ورفضت بشكل مطلق أي عمل عدواني تركي عليها في الشمال السوري، وليؤكد أردوغان عبر تصريحات تشاووش أوغلو، أن ثمة خيارت عدة لمواجهة واشنطن وأداتها «قسد» وبشكل غير مباشر، أقله التقارب مع دمشق والاصطفاف معها في الوصول إلى حقها الذي كفلته القوانين الدولية، بالحفاظ على وحدة ترابها والقضاء على الحركات الانفصالية، وإخراج قوات الاحتلال من أراضيها.

إذا كان ثمة حسابات لأردوغان من إثارة موضوع التقارب مع دمشق، وهي فعلاً موجودة أيا يكن نوعها، فإن جل هم الرجل في الوقت الحالي الحفاظ على السلطة، ومد العديد من الحبال في جميع الاتجاهات لتكون حبل نجاة له من خسارة محتملة أمام معارضيه في الداخل في انتخابات 2023، ومساعيه إلى فتح قناة مع دمشق، ربما لا تكون هي الهدف بحد ذاته، بل ما ينعكس عنها من مواقف داخلية وخارجية، يمكن أن يجيرها لمصلحته في الانتخابات، إذ يؤكد «مخادعا» للروسي والإيراني أنه جاد في حل الأزمة السورية، ويوضح للناخب والمواطن التركي أن تلك القناة هدفها إعادة اللاجئين السوريين، بما سينعكس تخفيفاً من الضغط الاقتصادي عليهم، ويحرق في ذلك ورقة «إعادة اللاجئين والحوار مع دمشق» التي ترفعها كبرى الأحزاب المعارضة في وجه «العدالة والتنمية» في برامجها الانتخابية، لتكون تصريحات تشاووش أوغلو حجراً يعمل أردوغان من خلاله على إصابة عصافير عدة.

 

سيرياهوم نيوز3- الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أي رئيس للبنان تريد “إسرائيل”؟

  نبيه البرجي   لبنان، سياسياً وعسكرياً، بات أكثر فأكثر، تحت الأشعة ما تحت الحمراء. الأدمغة اليهودية في وول ستريت كانت تعلم، وترصد، كيف ينزلق ...