الرئيسية » كتاب وآراء » محور المقاومة العالمي الصاعد بمواجهة الاحادية الصهيوأمريكية

محور المقاومة العالمي الصاعد بمواجهة الاحادية الصهيوأمريكية

د. عبد الحي زلوم

كتب ناشر مؤسسة لايف – تايم الصحفية هنري لوس Henry Luce عام 1941 مقالاً بعنوان “القرن الأمريكي” يدعو فيه الى الاحادية الامريكية جاء فيه:” علينا القبول وبشعور ملؤه السعادة ما يشكل واجبا علينا وفرصة لنا ، باعتبارنا أقوى الدول وأكثرها أهمية في العالم ، وبالتالي فرض نفوذنا الكامل خدمة للأهداف التي نراها مناسبة وبالوسائل التي نختار” . بعد خمسين عام اعلن جورج بوش الاب ( النظام العالمي الجديد ) احادي القطبية عند انهيار الاتحاد السوفيتي وجاء جورج بوش الابن في بداية الالفية الثانية بالمحافظين الجدد لتنفيذ برامج (القرن الامريكي الجديد) . وقليلا ما يعرفه الكثيرون أن هنري لوس وبوش الابن والاب هم اعضاء في جمعية Skull and Bones فائقة السرية الماسونية لمنتسبي الطلبة في جامعة Yale من ابناء طبقة النخبة فقط!

*

كان ‏ثالوث المحافظين الجدد غير المقدس للهيمنة على العالم ‏يتكون أولا من الاستيلاء على مصادر الطاقة وطرق امداداتها ، وثانياً منع بروز قوة او تحالف ‏قوى ينافس او يتحدى الهيمنة الأمريكية المطلقة، ‏‏وثالثاً السيطرة على أوراسيا لأن الجيوسياسيين الأنجلوساكسون من ماكندر في بداية القرن العشرين الى زبيغنيو بريجنسكيي نهايته اعتبروا ان من يسيطر على اوراسيا يسيطر على العالم ‏ولأن العالمين العربي والإسلامي يمثلان الجزء الاكبر من اوراسيا ولان العالم الاسلامي يملك اكبر الاحتياطات من النفط والغاز ‏ولأن الحضارة الإسلامية تم تصنيفها كمعادية للحضارة الصهيواميركية في كتب واطروحات صراع الحضارات فقد كانت الدول العربية والاسلامية مسرح حروب المحافظين الصهيو اميركيون الجدد. وكانت البداية في مؤامرة غزو الكويت لاحتلال منابع النفط باحضار نصف مليون جندي الى الجزيرة العربية بعتادهم وحاخاماتهم ، وتم انشاء قاعدة عسكرية امريكية فوق كل حقول النفط والغاز في الجزيرة العربية .

خلال عقد تسعينات القرن الماضي تم ارجاع روسيا الى مرتبة دولة من دول العالم الثالث وكان انشغال اصحاب النظام الصهيوامريكي في تلك الفترة نهب ثروات الدولة التي تم تكوينها خلال سبعين سنة ‏‏بواسطة عصابات المافيا ورئيس فاسد سكّير قام في فجر احد الايام وهو ضيف في البيت الابيض بالخروج الى الشارع بملابسه الداخلية وعندما سُئل ماذا يريد قال انه ذاهب لشراء بيتزا ! هكذا استلم الرئيس فلاديمير بوتين الاتحاد الروسي سنة 2000 حيث ايضا تم انتخاب بوش الابن ومحافظوه الجدد تلك السنة.

*

كان ريتشارد نورمان بيرل ‏وكيلا لوزارة الدفاع ايام الرئيس ريجان حين اكتشف ‏مكتب التحقيقات الفيدرالي قيام بيرل ‏بتسريب وثائق فائقة السرية إلى السفارة الإسرائيلية، وبالرغم من ذلك بقي بيرل من أعمدة السياسة الدفاعية والخارجية ‏حيث عمل في مجلس السياسات الدفاعيه في تسعينات القرن الماضي ثم رئيساً له ايام بوش الابن . قد أفاجئ الكثيرين حين أبين أن خطة صفقة القرن تم صياغتها بكامل تفاصيلها قبل ربع قرن وتم املاؤها على حكومة نيتنياهو الاولى سنتي 1996 و 1997 من ريتشارد بيرل . ففي تموز 1996 قدم بيرل وثيقة مكتوبة إلى بنيامين نتنياهو يطرح فيها خارطة طريق جديدة لتطوير سياسة خارجية إسرائيلية تطالب بنبذ اتفاق أوسلو ومبدأ «الأرض مقابل السلام»، وبضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل بشكل نهائي. ذكر بيرل في التقرير القيام ايضا بعمليات عسكرية في لبنان وإزالة ياسر عرفات ، واعتبر ان القضاء على نظام الرئيس العراقي صدام حسين خطوة أولى لزعزعة استقرار حكومات سوريا ولبنان والسعودية وإيران . كما كتب ريتشارد بيرل و دوغلاس فيث وثيقة بعنوان “تحول نظيف: إستراتيجية جديدة لتأمين المملكة( اي اسرائيل ) ، طلبا فيها من نتنياهو الالتزام بخارطة الطريق التي ارسلها ريتشارد بيرل سنة 1996 . وهي نفس خطة صفقة القرن التي نُفذت خلال 25 سنة من الادارات الديمقراطية والجمهورية.‏

تم اغتيال ياسر عرفات واحلال محمود عباس مكانه والذي كان المساهم الاكبر بتنفيذ صفقة القرن بقمع المقاومة وتعاونه مع ‏الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في تحويل بعض أبطال المقاومة بما فيهم كتائب الأقصى إلى عصابة مقاولة ‏لحماية الاستيطان وتسمينه في الضفة ، ثم تآمر لتصفية المقاومة في غزة حيث تم طرد عصابته من غزة سنة 2007. ‏لا يحق لي ان ازاود على المقاومة في غزة ولكني على يقين ان مشروع الانتخابات المقترحة او اي تعاون مع سلطة عميلة على راسها من يعتبر حماية الاحتلال واجبه المقدس اضاعة للوقت يريد من ورائها الدخول في مفاوضات عبثية 25 سنة اخرى.

*

‏كانت من اهداف المحافظين الجدد الأولى إكمال الاستيلاء على مكامن النفط والغاز العالمية في العراق وإيران واواسط اسيا وجميعها اقطار اسلامية. ‏كان منظرو المحافظين الجدد قد مهدو لغزواتهم بنظريات صراع الحضارتين الرأسمالية الغربية الصهيو اميركية والحضارة الاسلامية . ‏تم استعمال أحداث 11 سبتمبر 2001 كمبرر لاكذوبة الحرب على الإرهاب ‏وهي في حقيقتها حرب إرهاب على الإسلام والمسلمين للاستيلاء على ثرواتهم. ‏وكانت أكذوبة اسلحة الدمار الشامل سببا لغزو العراق، كما كان الادعاء بأن أسامة بن لادن قد خطط من كهوف تورا بورا احداث ‏11 سبتمبر ‏فكان غزو أفغانستان. وكانت ايران وسوريا ولبنان اهدافا معلنة للغزو الامريكي.

لم تجرِ الرياح كما اشتهى المحافظون الجدد فغزوهم لافغانستان اصبح اطول حرب امريكية في التاريخ ، واحتلالهم للعراق جابهته مقاومة شجاعة كبّدت الجيش الامريكي آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى وأكثر من مئة ألف معاق نفسي ، وقادت البلاد الى احدى اكبر الازمات الاقتصادية والمالية بالتاريخ الامريكي سنة 2008 ، فتم مراجعة سياسة الصراع المباشر بين الحضارة الاسلامية والغربية الى الصراع داخل الحضارة الاسلامية نفسها عن طريق تاجيج الخلافات المذهبية لاستنزاف العالم الاسلامي لتحقيق الهدف التدميري نفسه. من خلال تفجير الحسينيات والمساجد استطاع الاحتلال زرع الفتنة في العراق لولا ان تداركها الحكماء . ثم تم محاولة تأجيج الفتنة المذهبية في لبنان باغتيال رفيق الحريري سنة 2005 . وكان أول تطبيق للثورات الملونة في العالم العربي في لبنان فيما تم تسميته “بثورة الارز ” والتي اعطيت هذا الاسم من وكيلة وزارة الخارجية الامريكية للشؤون العالمية Paula J Dobriansky. في مؤتمر صحفي. نتج عن تلك (الثورة ) انسحاب الجيش السوري من لبنان . ولما لم تنجح الفتنة المذهبية قام الجيش الاسرائيلي بالهجوم على حزب الله باعتباره عقبة في تأسيس الشرق الاوسط الجديد كما بشّرت به كونداريزا رايس . كانت هذه حرباً مفصلية لأنها حطمت اسطورة الجيش الذي لا يُقهر وبقيت المقاومة شوكة في اعين الصهيوامريكيون ووكلائهم . وبعد سنة حاول النظام العميل في رام الله الانقلاب على حركة حماس والمقاومة الاسلامية في غزة فتم طرد رأس العملاء خائباً مدحورا، وطورت غزة مقاومتها بطريقة اسطورية وهي تحت حصار في سجن كبير تآمر ( الاخوة الالداء ) مع او قبل الاعداء لينالوا شرف كونهم (ذخراً ) لاعداء الامة حسب اعلام الصهيوامريكيين . واستطاعت المقاومة في الشمال ان تخلق ردعاً قلبت الاستراتيجية العسكرية للعدو الاسرائيلي رأساً على عقب . واستطاع المقاومون في سجن غزة الكبير ان يخلقوا ايضاً ردعاً تحت اصعب الظروف في تاريخ أي مقاومة . ويجب الاعتراف انه ما كان للمقاومة اللبنانية او الفلسطينية ان تنمو وتترعرع لولا دعم الجمهورية الاسلامية في ايران.

*

حاول الرئيس بوتين عند استلامه السلطة سنة 2000 ان يتفرغ للاصلاح الداخلي لاقتصاد منهار وثروة البلاد المنهوبة وخصوصاً قطاع النفط والغاز، وحاول ان يأخذ موقفاً ايجابياً مع الولايات المتحدة. الا انها قابلت ذلك بمخالفة تعهداتها بعدم ضم دول الاتحاد السوفييتي السابق الى حلف الناتو ،لكنها ضمت تلك الدول واصبحت تطوّق الاتحاد الروسي، ونشرت درعاً صاروخياً على حدوده فوجدت روسيا ان السبيل هو التحالف مع الصين والتي كانت الولايات المتحدة تقوم بحصارها ايضاً واحتلال طرق امدادات نفطها وتجارتها الدولية . ووجدت الصين وروسيا في ايران شريكاً استراتيجياً نتيجة موقعها الجيوسياسي وقدراتها في التصدي لمشروع الهيمنة الامريكية . كما وجدت روسيا والصين ضرورة مواجهة الهيمنة الامريكية واحاديتها ، فتم انشاء منظمة شنغهاي سنة 2001 ضمت دول اواسط اسيا المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي السابق ،ثم طلبت المنظمة من الولايات المتحدة سحب جنودها من منطقة اسيا الوسطى .اصبحت ايران دولة مراقبة في تلك المنظمة عام 2005 حيث عملت فيها بنشاط ، وتم انشاء بنك تنمية برأسمال 100 مليار دولار .كان هناك تعاون اقتصادي وعسكري وسياسي بين دول منظمة شنغهاي، وهكذا نجد ان مخططات المحافظون الجدد من شرق اوسط جديد او منع بروز محور مقاومة ضد الهيمنة الصهيواميركية قد فشل فشلاً ذريعاً نتيجة الى فشل الحروب والغزوات المباشرة على العراق وافغانستان وفشل بل وهزيمة اسرائيل في حربها مع حزب الله، وفشل حربين على غزة احداهما لاكثر من ثلاثين يوما ً وثانيهما لاكثر من خمسين يوما ًضد شعب محاصر ازداد بعد كل حرب منعة وقوة وردعا للعدو، وازدادت قوة المقاومة اللبنانية ايضا ردعاً وقوة . و أصيبت الولايات المتحدة بأزمة اقتصادية سنة 2008 هي في حقيقيتها ازمة نظام لم ولربما لن تخرج منه ابدا دون تغيير النظام الذي افرز تلك الازمات.

*

كانت ادارة اوباما استمراراً لسياسة جورج دبليو بوش ومحافظوه الجدد فقامت ادارة اوباما بقيادة هيلاري كلينتون بتحطيم المجتمعات العربية عن طريق التدمير الداخلي عن طريق (الربيع العربي)وجيوش العصابات التكفيرية. وكانت سوريا من اكبرالمستهدفين فتم شن حرب كونيةعليها جيئ بعشرات الالاف من التكفيريين من 70 دولة حول العالم تم تزويدهم بجوازات السفر والتأشيرات و تذاكر السفر ومئات مليارات البترودولارات لتحطيم الدولة الوحيدة التي لم تكن تتعامل مع صندوق النقد الدولي وكانت ذات اكتفاء ذاتي صناعياً وزراعياً وخدماتياً فتم تحطيم بنيتها التحتية بكلفة مئات مليارات الدولارات وكلفة بشرية زادت عن نصف مليون قتيل بريء وتهجير نصف الشعب السوري داخل الوطن وخارجه، وكل ذلك باسم الديمقراطية الذي اصبح المرء يكاد يتقيئ لسماعها . ومع ان المشروع الكوني قد فشل لتاريخه الا ان الضغوط القوية ما زالت مستمرة . لكنها لم تنجح مع ان الثمن سيكون غالياً ولكن فشل المخطط الكوني سيكون له انعكاسات ايجابية على المقاومة العالمية بأسرها .

قامت منظمة بريكس سنة 2011 وهي تمثل 42% من الاقتصاد العالمي وهي تكتل مغاير لاهداف الاحادية والهيمنة الامريكية التامة على العالم . تعرضت كل من روسيا والصين وايران الى كل انواع العقوبات الامريكية كان الاقسى منها في التاريخ العقوبات القصوى على الجمهورية الاسلامية في ايران . كان صمود ايران اسطورياً فحوّلت العقوبات الى فرصة لتطوير انتاجها الداخلي واستمرت في تقدمها الدفاعي وانتاجها الصناعي والعسكري والعلمي

وكان في استراتيجيتها بالتعاون مع الصين وروسيا ما ساعدها في تجاوز العقوبات حيث تمت التجارة البينية بين الدول الثلاث روسيا الصين وايران عن طريق التبادل (Barter) . كما بقيت الجمهورية الاسلامية محافظة على حلفائها في المنطقة . أما الصين والتي تمتلك فائضاً من الدولارات والتي بقي اقتصادها ينمو حتى اثناء جائحة كورونا فكانت قد اسست بنكاً للاستثمار في البنى التحتية بمئة مليار دولار لبناء خطين من طريق الحرير احدهما يمر عن طريق باكستان ايران العراق سوريا والاخر عن طريق روسيا مما يُفشل سياسة الحصار الامريكي على طرق التجارة الدولية ، كما انشات انبوباً ضخمة بين آبار سيبيريا للنفط و الصين ، وتقوم بشراء النفط الايراني .

والخلاصة: جاء ترامب وذهب ترامب وذهب اوباما وجاء بايدن والدولة العميقة نفسها لا تعبأ الا بمصالحها الانانية الضيقة ولو على جثث الملايين الابرياء في لاإنسانية مقززة والتي اوصلت الشعب الامريكي الى حافة الفقر والثورة . هذا في الوقت الذي يتصاعد منحنى المقاومة العالمية ضد الغطرسة الصهيواميركية وان غداً لناظره قريب.

 

سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 24/1/2021

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“العم سام”.. الرقصة الأخيرة….

    باسل الخطيب   7/2/2022 كان يوماً مفصلياً في تاريخ الولايات المتحدة، حيث وقع الرئيس بايدن قانوناً يحد من حيازة الأسلحة النارية للأفراد… قبل ...