آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » هل محمد بن سلمان ثائر أممي؟؟ التنين والدب والناقة والذئب

هل محمد بن سلمان ثائر أممي؟؟ التنين والدب والناقة والذئب

| نارام سرجون

 

ان الجهل بالأمور مؤلم وهو جذر للقلق وقلة الرقاد .. فيما يبدو ادعاء المعرفة لشخص يقدر قيمة المعرفة شيئا مؤلما لقلبه اذا ادعى انه على يقين فيما يقينه يأكل من بيدر المجهول ..

لعل أصعب الأشياء على قلب الجاهل أن يقول بأنه لايعرف .. وأصعب الاشياء على قلب العالم ان يقول انه على يقين .. وفي تقلبات الموازين وتناطح قرون القوى العظمى والعملاقة ومخاضات الصراع بين الأمم يبدو الجهل والاعتراف بعدم المعرفة هما الأنجى .. وهذا هو القول الذي يريح القلب ..

 

بعض الاسئلة فيها خبث ويكمن فيها لؤم لأنها تعلم اننا لانعرف أين جوابها .. وربما كان البحث عن مصير الضوء الذي غادر نجمة وسافر منذ ملايين السنين وخرج منها ولم يعد بعد ان ضل الطريق في هذا الكون أسهل من معرفة بعض الأشياء الغامضة في حياتنا السياسية .. ولذلك فانني أكره الأسئلة اللئيمة والتي يشع من عيونها الخبث والدهاء ..

 

من بين هذه الأسئلة اللئيمة سؤال لئيم عن سبب هذا التحول السعودي في معادلات السياسة وشرودها الظاهري عن القطيع واتجاهه .. فكيف صارت البقرة الحلوب تتمرد على راعي البقر الذي كان يهدد بذبحها منذ سنوات قليلة؟؟

 

هل صار قلب البقرة قلب نمر وصار قلب راعي البقر قلب كلب او ديك؟؟ لا هذا ولاذاك .. فقلب البقرة سيبقى قلب بقرة .. وقلب راعي البقر لن يكون الا قلب راعي بقر .. ولكن السعودية تريد ان تقنعنا انها تتصرف من وحي الحرية الوطنية والاستقلال وأنها صارت قادرة على الاختيار .. مابين الجنة والنار .. ولم تعد مثل المسمار في سياج اميريكا يربط اليها دوابه الخليجية والعربية والاسلامية .. ويربط فيها الدولار ..

البعض يرى ان السعودية خرجت من عصر الهيمنة الامريكية وقررت اظهار هامش من الحرية لم تعد اميريكا قادرة على الحد منه والتضييق عليه .. ولذلك فان السعودية انحازت الى روسيا نفطيا ولم تقبل بالضغط النفطي على روسيا .. كما انها اليوم سمحت للصين ان تدخل الى عرين الاسد .. أو عرين راعي البقر حيث يزرع راعي البقر الدولارات ويسقيها بالنفط فتنمو وتورق وتتبرعم ..

 

انه سؤال محير وخبيث؟ كيف للامبراطوريات ان تتخلى عن مزارعها .. ومصادر قوتها .. الانكليز حاربوا بأبناء المستعمرات كل اعدائهم وفي كل حروبهم .. والفرنسيون حاربوا بأبناء المستعمرات كل حروبهم .. والعثمانيون حاربوا بأبناء المستعمرات كل حروبهم .. فكيف لهذه الدولة النفطية المسماة السعودية التي صنعتها بريطانية ثم ورثتها اميريكا .. ثم ربطتها مثل الناقة بالدولار والأمن الامريكي وربطتها بكل مشاريعها وحروبها .. كيف لها ان تنعتق ويصبح لها جناحان يطيران الى الصين وروسيا ؟؟ .. اميريكا ركبت تلك الناقة العربية مثلما ركبت بريطانية ناقة الثورة العربية الكبرى التي كانت مثل ناقة البسوس مليئة بالشؤم .. الناقة العربية حاربت مع اميريكا في افغانستان .. وحاربت ايران .. وحاربت العراق .. وحاربت سورية وحاربت عبد الناصر .. وحاربت القومية العربية .. وحاربت القذافي .. وحاربت حزب الله .. واليوم تتخلى أميريكا عن ناقتها العزيزة للصين وروسيا بكل بساطة؟ .. ان هذا يشبه تخلي بريطانيا عن جوهرة التاج البريطاني المتمثل بالبقرة المقدسة الهندية .. الا انه في الهند كان هناك المهاتما غاندي المفكر والفيلسوف والثائر .. ولكن من في السعودية لايزال يتحرك ضمن السياج الامريكي .. والامير محمد بن سلمان يريد العرش وهو يعلم ان ثمنه كان في اميريكا .. وفي الانفتاح على الاسرائيليين .. ومدن التطبيع .. وفعل ونفذ كل شروط الوصول الى العرش .. فهل هو غاندي العرب؟ أو ثائر أممي؟؟ مثل الثائر الأممي حمد ين خليفة .. وثوار أل ثاني الأمميين ؟؟

 

كيف سمحت اميريكا للسعودية ان تتحرك وتتلاقى مع الصين وروسيا .. وتنهي حالة القطيعة مع ايران؟ وهؤلاء هم محور الشر الذي تتوجس منه أميريكا ..

يبدو هذا المثلث مخيفا لاميريكا فكيف اذا انضمت اليه الناقة العربية وقطيع النوق والابقار في الخليج العربي؟؟ وهاهي تركيا تلامس روسيا ويحاول الذئب العثماني أن يقترب من الدب والتنين .. ولكن هل تراخت قبضة اميريكا التي تشتد على كل اوروبة عن عنق الناقة؟؟

لايبدو ان التفسير هو ان يد اميركيا وهنت الى هذا الحد .. ولايبدو ان السعودية قد رصدت ان الأميريكي صار مثل الامبراطورية العثمانية التي سميت الرجل المريض .. وقررت تركه مريضا واللحاق بركب الصين وروسيا ..

لاشك ان اميريكا اكثر ضعفا بعد نهوض روسيا والصين .. ولكن الامبراطوريات التي تضعف تصبح أكثر شراسة عندما يظهر عليها الضعف .. وهدوؤها يثير الريبة ..

فهذا الانفتاح على الصين وربطها بمصالح وصلات اقتصادية مع الخليج يشبه الى حد ما الرشوة التي تقدم للصين او الفخ الاقتصادي بحيث يسيل لعاب الصين من فرط حلاوة الثمار الاقتصادية التي لن تتخلى عنها .. هل هي محاولة لفصل الصين عن روسيا كما فعل كيسنجر وفصل الرفاق الشيوعيين الصينيين عن الرفاق الشيوعيين الروس؟ في كل مرة تخوض اميريكا مواجهة مع روسيا فانها تدرك ان الصين هي التي يجب تحييدها في اي مواجهة .. فهل كل هذه التحركات مهمة سعودية لاستدراج الصين؟؟ أم ان مهمة السعودية الان الدخول الى داخل ايران بزعم الحب والصداقة والأخوة لكنها بقرة طروادة ؟؟

 

الجواب .. انني لاأعرف .. ولكن ماأعرفه ان السعودية لاتزال في الأسر .. ولاتزال ضمن السياج الامريكي .. ولاارى ان القبضة الامريكية قد خفت عن عنق الناقة .. الا ان يكون محمد بن سلمان ذكيا وبارعا وخدع الاميريكيين مثل بوتين الذي تسلل الى السلطة بدهاء الثعلب في ذروة ضعف روسيا زمن يلتسين وأعطى للغرب الشعور انه آمن وأنه منشغل بترتيب البيت الروسي وتحويل روسيا الى ملعب رأسمالي … ولما تمكن قطع السلاسل التي تقيد روسيا في الداخل والخارج وحجّم الاوليغارشيا الروسية وسيطر عليها وخلق اوليغارشيا روسية وطنية .. قرر التخلي عن سياسة السكينة والهدوء .. فهل مافعله بن سلمان في الانقلاب على الامراء ومراكز القوى في الاسرة المالكة السعودية هو شبيه بذلك ؟ أي تخلص من رجالات أميريكا في الاسرة المالكة وأقنع اميريكا انه اكثر ولاء لها ثم نسج مؤامرة ثورية على اميريكا مع الصين وروسيا؟؟ أم أن هذا التقارب مع ايران يشبه التقارب مع سورية قبل عام 2011 عندما زار الملك السعودي عبدالله سورية وزارها اردوغان وزارها القطريون والفرنسيون الامريكيون .. و كلها كانت زيارات الخديعة فيما التحضيرات لاقتلاعها كانت تتم في الخفاء وخلف الكواليس من قبل نفس الزوار؟؟ ..

هذا التصور الثوري للسعودية لعمري هو ماأصفه بالخيال الجامح .. والخيال الذي يفوق الخيال الذي صنعته شهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة .. ولو أن شهريار كان يستمع في احدى الليالي الى قصة الثائر حمد بن خليفة و الثائر محمد بن سلمان في رواية شهرزادية لما أدرك شهرزاد الصباح ولما سكتت عن الكلام المباح .. لأن شهريار سيستيقظ عندها من غفوات الكرى في جفنيه ويقول لها: ماهذه الحكاية التي لاتصدقها العفاريت ياشهرزاد ؟؟ غيّري مسار الحكاية ياشهرزاد قبل ان أنادي فيروزا بسيفه ليقص لسانك ويطيح برأسك .. وسينهض شهريار من نعاسه ويسأل شهرزاد عندها وقد طار النوم من عينيه امام تحول هذه الحكاية: كيف لأمير نفطي .. وكيف لملك عربي نفطي يعيش في عش الدبابير لآل سعود أن يتمرد دون أن يخشى على حياته؟ أما سمعت ان جده فيصل فعلها وقال انه يتمنى الصلاة في المسجد الاقصى .. فصلى عليه الناس في اليوم التالي؟ وأما سمعت ان جاره صدام حسين فكر في ان يبيع النفط باليورو وانه يحضر جيش القدس الا انه انتهى مشنوقا وشنقت عاصمته امام العالم في ساحة الفردوس .. وأما سمعت ان زعيما عربيا افريقيا يسمى القذافي حاول ان يصك عملة افريقية ذهبية فاختفى من على وجه الارض ولا يعرف له قبر بعد اليوم ..

هل تظنين ياشهرزاد ان اميريكا حتى وان ضعفت ستترك هذا الامر وتترك الناقة العربية والبقرة الحلوب ومزرعة الدولار التي تزرع فيها حقول البترودولار للصين وروسيا؟ وهل المارد الذي يسمى محمد بن سلمان خرج من القمقم بعد ان داس الدب على القمقم فتحطم .. وتريدين أن تتساءلي كيف يعود المارد الى القمقم المكسور؟؟

ستقول شهرزاد: أيها الملك الرشيد ذو الرأي السديد .. انها حكايات الليلة الثانية بعد الالف .. فكيف تكون حكاية دون خيال جامح ؟؟ فيهدأ شهريار ويدركه الصباح .. فينام ..

وبالفعل كما كان البعض يتوقع ان الثائر أردوغان سيتغير وسيعيد الاراضي السورية المحتلة ويغادر متأسفا لازعاجنا فاذا به يتلوى ويتقلب ويراوغ .. واذا كان علينا ان نقبل ان السعودية تحولت فان علينا اذا ان نقبل ان اميريكا تحولت قبل ذلك .. وان اميريكا الآن هي الرجل المريض الذي يتوارثه الصينيون والروس وقد دخلوا مزرعته العزيزة النفطية التي ورثها عن الصياد البريطاني .. وهذا يعني ان العالم قد تغير وقد تشقق .. واننا مقبلون على عالم جديد من غير حرب عالمية.. كما حدث في بيريسترويكا الرفيق غورباتشوف عندما انهار العالم القديم ونهض العالم الجديد .. وبدأ العالم الشيوعي بالتحطم من حول روسيا .. فلماذا لا يتحطم اليوم عالم اميريكا ويبدأ من السعودية؟؟ .. فالعوالم الجديدة لم تكن قادرة على التشكل الا بعد حروب عالمية .. فعقب كل حرب عالمية كانت تنتهي امبراطوريات وتنهض أخرى .. واليوم لايمكن انهاء هذا العالم وامبراطورية اليانكي الا بحرب عالمية .. او ببيريسترويكا امريكية وبدأت في سياسة التخلي عن الدول التي تشكل خزان اميريكا ومزارعها .. ولكن ليس في اميريكا غورباتشوف ولابيريسترويكا .. بل دولة عميقة ورئيس مثل الدمية ..

الحرب العالمية الثالثة ربما كانت قد بدأت ملامحها في سورية عندما احتشد العالم لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية .. ولكنه كان ينتظر الاحتكاك فاذا بالاحتكاك يبدأ في أوكرانيا .. فاذا كانت السعودية هي أولى علامات نهاية الحرب والتقهقر الامريكي فان هذا مؤشر على ان كل زمن اميريكا سينتهي قريبا في الشرق الاوسط .. ولكن هل ستقبل اميريكا بهذا الانقلاب الناعم والنهاية التراجيدية .. وينتهي دور راعي البقر بأنه يجرد من سلاحه وماله في البار ويطرد بعدة لكمات وينتهي الفيلم الامريكي من غير اطلاق النار ومعركة بالمسدسات والبنادق كما هي عادة الافلام الامريكية التي لاتكتمل الحكاية فيها ولايكون لها مذاق الافلام الامريكية والنهايات الامريكية الا باطلاق النار وسماع عزف البنادق وأزيز الرصاص ..

هل عرفتم كيف ان السؤال اللئيم لايعرف الجواب؟ ولكنني أعرف شيئا واحدا .. وهو أننا في أول الحكاية .. وأعلم أن محمد بن سلمان ملك طموح للتاج ولكنه ليس ثائرا أمميا .. واعرف ان الامريكي عندما يفقد محفظته فانه سيطلق النار .. وقد بدأ يفقدها في صمود روسيا الاقتصادي وانهيار البنوك الامريكية واقتراب الصين من مزرعته .. أما كيف تنتهي .. فانه مثل معرفة مصير شعاع ضوئي خرج من نجمة من مجرة وضاع في الكون .. ولانعرف اين سينتهي .. ولكننا على يقين أن الامراء النفطيين لايمكن ان يكونوا ثوارا أمميين .. و نعلم أيضا ان عالم الغد ليس لأميريكا .. التي تلعب العابها البعلوانية الاخيرة .. بالعرب والاوكرانيين والاوروبيين .. ولكن مافات مات .. وكل ماهو هو آت .. آت ..

(سيرياهوم نيوز3-مدونة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الجزائر والسعودية ومصر والأردن تنتقد “الفيتو” الأميركي بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة

أكد مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع أن بلاده ستعود بقوة لطرح مسألة العضوية الكاملة لفلسطين في مجلس الأمن الدولي، وذلك بعد استخدام ...