آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أسئلة شارون وسيناريو ميشكا

أسئلة شارون وسيناريو ميشكا

زاهر أبو حمدة

 

بعدما عاد مزهواً بإنجازاته العسكرية في سيناء ولبنان، كما يقول، لبّى دعوة من أحد الكيبوتسات الدينية التوراتية أو «أصحاب العقيدة المستقيمة» كما يسمّيهم في مذكراته. يذكر أرييل شارون، تلك الحادثة من باب استحضار الدين مع التاريخ واستشراف المستقبل. فيقول: «استهللت كلمتي بالإشارة إلى روّاد بتاح تيكفا، بُناة أول قرية صهيونية. وتساءلت من هم هؤلاء الروّاد؟ كانوا يهوداً مستقيمي العقيدة من أورشليم، يعتمرون «الشتريمل»، وهي قبعة سوداء ذات أهداف من فرو، تعود إلى القرون الوسطى. بعد بناء بتاح تيكفا، أسّس اليهود الأرثوذكسيون في ثمانينيات القرن الماضي [التاسع عشر] هبة صهيون أثناء الهجرة الأولى، وكان مهاجرو الموجة الثانية، الذين وصلوا إلى البلاد قبل الحرب العالمية الأولى يستوحون أنماطهم الاجتماعية من الحركات الاجتماعية المختمرة في أوروبا، وخصوصاً من أنماطهم من الثورة الروسية في عام 1905. ولكن خلف المظاهر السلوكية يطالعنا «ييشيفا بوشير» (طلاب المدارس التلمودية) الذين تلقّوا علومهم في المدارس الدينية اليهودية التي أُنشئت في أوروبا الشرقية. بعد الحرب العالمية الأولى، تمت الهجرة الثالثة التي ضمت آباءَنا. وهم كانوا جيلاً من المتمردين الحقيقيين. ولكن رغم غيرتهم الثورية، كانوا يدركون في قرارة أنفسهم ما معنى أن يكون المرء يهودياً. كانوا يعرفون حضارتهم ويتكلمون العبرية. ولو كنت قادراً على إتقان العبرية كما كان يتقنها والدي لكنت فخوراً بنفسي. ألّف آباؤنا جيلاً من المتمردين ولكنهم ضربوا جذورهم في عمق اليهودية.

بدأت المشكلة مع جيلنا، ولأننا كنا أبناء متمردين لم نحصل على تعليم يهودي في تربيتنا، فنجم عن ذلك أن فقد جيلنا جذوره، مشكلاً بذلك أول جيل يعيش من دون أصول. وأسائل نفسي: «ماذا كنا نعرف عن الفكر اليهودي؟ ما الذي نعرفه عن إسهام اليهود في العالم أم عن وجود اليهود هنا في إسرائيل؟ ما نعرفه قليل قليل. هل علمونا الافتخار لكوننا يهوداً، سليلي أولئك اليهود الذين ناضلوا على امتداد الأجيال من أجل معتقداتهم حتى الرمق الأخير؟ لا، لم يعلمونا هذا. وإنما حاولوا أن يكونوا من أبناء جيلنا إسرائيليين جدداً لا يهوداً. وتميزنا في هذه السيرورة عن الأجيال السابقة الذين نقشوا اليهودية في قلوبهم. (…) هذا ما تحدثت عنه في الكيبوتز المتديّن. وقلت لهم: بدأت مشكلات جيلي عندما فقد جذوره. ثم جاء من بعده جيل آخر يمثله أولادنا، وجيل ثالث هو جيل أحفادنا. وفجأة راحت الشكوك التي ولدت معنا تكبر شيئاً فشيئاً. وبدأت التساؤلات: تُرى هل هذه البلاد لنا؟ هل نحن واثقون تماماً من أننا لم نستولِ على أرض تخص غيرنا؟ أو هل نحن نسرق ما لا حق لنا فيه مطالبين به؟ وكلما ترسخ الشك توارى العزم والتصميم» («مذكرات أرييل شارون»، ترجمة أنطوان عبيد – مكتبة بيسان، بيروت، 1992- ص708،707، 709).

عام 2017، أي بعد ثلاثة أعوام من وفاة شارون، نشر ميشكا بن ديفيد رواية «القرش». وتروي في إطار التشويق والتوقعات مع شيء من الواقع قصة غواصة نووية إسرائيلية (القرش) في البحر المتوسط بقيادة الجنرال يارون غال، المضطر لأخذ قرار إستراتيجي لحماية إسرائيل بعد اضطرابات وتظاهرات وحرب على عدد من الجبهات وانقطاع الاتصال مع القيادة العسكرية. تتعمق الرواية بنبؤات مستندة إلى حقائق، ومع أنها خضعت للرقابة الإسرائيلية، إلّا أنها فعلاً تمسّ الأمن القومي الإسرائيلي من ناحية الاستشراف المستقبلي وإسناده لوقائع تحدث في الوقت الحالي. تبدأ الرواية في الأول من أيار/ مايو 2022، باقتحام وحدة النخبة الفلسطينية «الكومندوز المدجج» المستوطنات في محيط غزة، عبر الأنفاق. ويصلون عبر نفق طويل إلى النقب ويحررون مستوطنة «كفار عزا». تستند خطة المحررين الفلسطينيين إلى خلايا (كل خلية من ثلاثة أفراد) ويتمكنون من السيطرة على الجغرافيا الفلسطينية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، يعبر الحدود من غزة آلاف المتظاهرين عبر حاجز بيت حانون ويحررون مدينة عسقلان، ويقتلعون الحواجز حتى أن الجنود الإسرائيليين لا يستطيعون إيقاف الموجات البشرية. يصور من يحمل الدكتوراه في الأدب العبري وعمل في «الموساد» لأعوام، وحمل قارورة الترياق لخالد مشعل عام 1997، في أحد مشاهد الرواية أن جندياً إسرائيلياً يفرغ مخازن بندقيته وجعبته بالمتظاهرين حتى يصلون إليه ويقتلوه دعساً بالأقدام مع زملائه. وفي مشهد آخر، تتكثف صرخات النجدة إلى «الشاباك»، وجهاز الأمن نفسه لا يسيطر على الجماهير الفلسطينية المتدفقة من غزة والضفة إضافة إلى تظاهرات كبرى في الناصرة وحيفا. ويصبح اصطياد المتظاهرين لعناصر «الشاباك» سهلاً وسط إرباك في القيادة الإسرائيلية.

هذا كله يحدث وسط تقدّم كبير لقوات النخبة في حزب الله من الجبهة الشمالية، مع إمطار الخريطة الفلسطينية بالصواريخ من ثلاث جبهات (لبنان، سوريا، وغزة). إنه سيناريو مرعب حدث جزء منه في 7 أكتوبر الماضي، ووسط إقليم لا يعرف مصيره تبدو التوقعات التالية مخيفة أكثر للإسرائيليين، ولا سيما أن بن ديفيد، يشير إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم تدخلها بتاتاً في هذه الحرب المفترضة، في مقابل دخول روسيا بحرب شاملة ضد إسرائيل بعد قصف الطائرات الإسرائيلية مراكز روسية في سوريا.

معروف أن الخوف ينتج عن فعل حدث، أمّا القلق، فيحدث نتيجة فعل مرتقب. وأمام خوف شارون وقلقه يتحدّث من دون مواربة، عن أصل الصراع وكيف يمكن أن ينتهي. هو يعرف الإجابات عن أسئلته لأن الشك راوده، ولكنه اعتبر كما أسلافه ومن خلفوه أن القوة والمزيد منها ينزع هذه الشكوك ويثبت أكبر عملية احتيال وسرقة حدثت في التاريخ سمّوها «دولة إسرائيل». وتكمن خطورة رواية بن ديفيد، في أنها تحمل في طياتها رسائل داخلية ومحاولة الإجابة عن سؤال يزعج شارون في قبره وكذلك قادة الاحتلال ومفكريه: هل ستبقى إسرائيل؟ الإجابة واضحة جداً: لن تبقى. وهذا ما أثبته السابع من أكتوبر.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وثائق سرية تفضح نظام زيلينسكي

  موسكو-عفيف خولي تراقب العاصمة الاوكرانية “كييف” المسلمين الأوكرانيين الموالين للقضية الفلسطينية و تصفهم بالارهابيين وتصف علماء الدين المسلمين الأوكرانيين والمواطنين والمؤسسات التي تنتقد الإبادة ...